منذ ثلاث سنوات أصبحت مرشدًا، مرشدًا على الأقدام أصدقائي... يا لها من خسارة! إن جدي الوقور الطيب اتبع ابنته "آن- ماري" إلى هذه المرسى الهادئ حيث لا يوجد عواصف ولا غرق ولا آلام، لا نميمة ولا خيانة... الهدوء كل شيء هادئ، لا يوجد إلا البوصلة للاسترشاد. الصالحين، هنا يعملون بحارة، والبعض يصنع الأشرعة من عظام سمك الملاك. لا يوجد إلا أنفاس الرب التي تدفع القوارب في أمان...
هكذا، كان يقول الأب "جيبراتار"، في أحد الأيام، أثناء فجر يوم جميل، وهو يسير معنا على جرف الشاطئ الصخري... ثم أكمل:
- بعد ساعة، أصبح مركبنا يرسم خطًا أبيض من الزبد خلفه، مقدمة المركب تتجه نحو الشرق إلى جزيرة "هوات"، إنها هدفنا. كان البحر صافيًا، أشعة الشمس دافئة. ربما أبرقت السماء قليلًا، لكنا لم نشعر بذلك، صفحة السماء مثل حقول القمح الشاسعة ذهبية اللون. الأمواج ترتفع بالقدر الكافي للإبحار وللصيد الجيد. وهذا ما جعلنا نشعر بالهدوء الذى به في الأيام السعيدة، شعرنا كأن الموج يهدهدنا في نعومة.
أرجحة المركب جعلتنا نتأرجح في الذكريات المفعمة بالصفاء والأشعار الجميلة في الأيام الخوالي البعيدة. كما أن زبد الماء من أثر مركبنا أصبح يخشى ويبتعد. نتأرجح كأننا في حلم.
كل شيء كان هادئًا إلا صوت البحر وهفهفة الهواء على صاري المركب
نعم، قال الأب "جيبراتار". هنا لعبت دورًا مهمًا مع القرصان، أو ربما يكون إقطاعي يعود إلى عام 1800، وأنتم تعلمون ما أقصد. ربما تسألونني: هل هذا القرصان إنجليزي؟ في الحقيقة، أعتقد ذلك، لكنى لم أرى علامة تنصيره. من المؤكد أن هذه العلامة تمزقت منذ فترة طويلة، أو ربما لم يتم تنصيره. أعتقد أن هذا الاحتمال الأخير ضعيف، لكنه بدا لي مثل شيطان. من أين أتى؟ يبدو مجهولًا تمامًا من شراع سفينته المربع.
أتى إلينا بقارب إنقاذ صغير، يبدو أحيانًا أسودًا مخطط بالأبيض، وأحيانًا أحمرًا مخطط بالأسود، لكنه في جميع الأحوال يبدو في غاية الخطورة
ينادونه، في رعب، بلقب القرصان "رو"، أو القرصان الأحمر. فريقه مجهول مثله، يتكون من سبعة إلى ثمانية أوغاد من مختلفة الجنسيات، لا عقل لهم ولا قانون يحكمهم، مجرمين شرسين وغلاظ نحو كل السفن مهما كانت جنسياتهم
مدججين بالسلاح، مدربين على كل شيء، يهاجمون السفن في العواصف والأنواء. لكن، على حسب حالة البحر وقوة السفينة التي أمامهم، يتعاملون إما كأصدقاء أو أعداء
عندما يكون البحر صافيًا والسفينة متوسطة الحمولة وغير مسلحة جيدًا، يتعاملون معها بكل جدية وصرامة. ينهبون كل ما عليها. وهم مستعدون للقتل بسهولة إذا رفض بحارة السفينة تنفيذ أوامرهم. على عكس المتوقع، في أثناء العواصف، القرصان "رو" يصبح أكثر جسارة، أكثر مكرًا، أكثر شراسة. لكنه لا يجرؤ على مهاجمة السفن التجارية الكبيرة. هكذا، في العاصفة الشديدة، يصعد إلى زورقه الأسود المخطط بالأبيض، إنه لون زوارق الإنقاذ، وعندما يقترب من السفينة الهدف يضرب قذيفة المدفع ويكشف عن هويته. إنه يدس السلاح في قاع زورقه، وهو لا يصبغ وجهه باللون الأسود أو الدماء مثل بقية القراصنة، القرصان "رو" يبدو على هينة رجل شريف..
في ذات يوم، في الساعة الثالثة بعد الظهر، في شهر فبراير، هبت علينا الرياح من الشمل الغربي. كنا نجلس بجوار النيران ندخن الغليون وتسرى عن انفسنا، اعتقدنا أننا سمعنا قذيفة المدفع تأتى من الجنوب، ثم سمعنا قذيفة أخرى
قلت ل "لوك" (البحار المهيرة الذي لم يفارقني منذ وفاة "لوزى"),َ ألف قذيفة! ثلاثة! أربعة! خمسة قذائف مدفع في كل دقيقة... أعتقد لا يوجد حرب الآن، أليس كذلك؟ يا صغيري، إنها سفينة في ورطة. بسرعة أخبر البحارة واستعدوا للنزول بالقوارب الصغيرة
أتى الأصدقاء بسرعة، كانوا عبارة عن ثلاثة بحارة مخضرمين من "كيبيرون". بالرغم من سوء الحالة الجوية إلا أنه لم يتردد أي منهم لحظة واحدة. كنا مدربين جيدًا ومسلحين جيدًا، كما أن اليوم ليس يوم الجمعة، تعلمون ما أقصد. هكذا تحركنا ونحن ندعو القديسة "أوراي" راعية البحارة. كانت سفني صلبة ومجهزة بالأشرعة جيدا، تبدو كأنها تطير مثل طيور النورس تحت الأشرعة البراقة وهى تتماوج بانسجام مع حركات المياه
كل شيء كان يسير على ما يرام، لكن أصوات المدفع اختفت. قلت ل "لوك"
- أعطني النظارة المكبرة. هيا أسرع
فقال لي وهو يمسح النظارة
- انتظر سيدى، يجب تنظيفها حتى يصير نظرك أقوى من الشجاع "لوزى" الذى كان يتحرك بخفة مثل سرطان البحر
حركت نظارتي وأنا أقول
- هذا أمر مضحك يا ولدى، ثم... الرعد أشك في ذلك... قوقعة سوداء مخططة بالأبيض... القرصان "رو"! إنه هو، لا يمكن أن يكون إلا هو
إنه يحاول أن يوقع بنا، انتظروا... إلى ميمنة السفينة. أرى في الضباب شيئًا ضخمًا على مقدمة سفينته، ربما ينتظرون الربان.
قال أحد أصدقائي من البحارة الذى التقط مني النظارة
- إنها سفينة ضخمة ومجهزة جيدًا، لكنى لا أرى القرصان
- ربما لا نراه بسبب السحب الكثيفة الداكنة في الليلة الماضية. احتفظ بهدوئك يا ولدي
ثم اقتربنا، سعداء، من "بينيجى"، إنه ممر مبروك حيث تهدأ العواصف دائما. لم نلاحظ كل شيء بدقة في الضباب الكثيف، لكن هذا لا يجب أن يستمر كثيرًا يجب أن نتحرك بحكمة. عدلت من تحركاتنا، أبحرت في شكل نصف دائرة من أجل الاقتراب من السفينة الضخمة من المقدمة حيث أنه من المتوقع أن نجد القرصان هناك
حجرة القرصان كانت متواضعة، يا له من قرصان عشوائي، كأنه أتى لإنقاذ هذه المنطقة من الشياطين
وهكذا، خوفًا من الغرق، رفعنا الأشرعة أكثر في لمح البصر. أصبحنا تحت مقدمة السفينة الضخمة، ولم نجد أحد في انتظارنا. لم أعلم إذا كان القرصان "رو" قد بدأ خطته أم لا. لكنى لاحظت وجود أحد البحارة في مقدمة السفينة في حالة فزع. منذ أن رآنا هذا البحار تضاعفت مخاوفه بالتأكيد، وظل ثابتا في مكانه. صرخت
- يا صديقي، السلم، الحبال، جئنا لإنقاذك
مرت دقيقين حتى يفهمني هذا البحار. ثم بدأ في طاعتي. مرت علينا ساعة مميتة. وأخيرًا مد لنا السلم وصعدت أنا وأصدقائي
سقطنا على ركابنا على طرف السفينة الأمامي ورأينا الأشباح المشؤمة شر أمامنا. الخيانة والمؤامرة تدبر في السفينة. لكن قبل مرور خمس دقائق، بدأ تنفيذ المؤامرة، وبدأت السماء تظلم وظهر القمر بين السحب
قلت للبحار الذى وجدناه على السفينة الضخمة
- واضح أنهم غدروا بك. لقد هاجمك القراصنة تحت قيادة القرصان "رو" نفسه. ابحث عن سلاحك! أخبر قبطانك وأصدقائك
- إنهم مشغولين بالشراب في المطبخ
-سأتولى أمر إفاقتهم من السكر
ثم وقفت وأطلقت النيران على اللص الذى أصبح يتلوى...آه ! "جيبراتار" كذاب! لن أنسى أبدا هذا الاضطراب. القرصان "رو"! القرصان "رو" خيانة! هذه هي الصرخات التي سمعتها وسط طلقات المسدسات والبندقيات بالإضافة إلى البلطات
"لوك"، تابعي، لا يبعد عنى أبدًا. أنه مثل ظلي. راح يضرب في كل اتجاه وكثيرًا ما تلقى الضربات نيابة عنى. شجعته على عمله. قفز الصبى مثل السهم وهوى بالبلطة على رأس أحد القراصنة الذى كان يقبض على الدومان ويقود السفينة إلى الحاجز الصخري
أحد بحارتي، احتل مكان القيادة، ثم أتى "لوك" إلى مسرعًا، لكنه لم يستطع إنقاذي من تلقى ضربة موجعة على كتفي الأيسر. التفت لأرى هذا الوغد الذي ضربني من الخلف. ثم صرخت في فزع
- القرصان "رو"! نعم هو أنت أيها القرش! لن تستطيع أن تغدرء بأحد بعد اليوم في هذه المنطقة
ثم صوبت مسدسي نحوه صدره بينما هبط "لوكء بالبلطة على رأسه. قفز القرصان بسرعة إلى البحر... قفز ملطخًا بدمائه. نعم، ثم قفز خلفه اثنان من أتباعه قتلى
هكذا، ظهر البحر من هذه المخلوقات الشرسة..
لم يتطهر البحر تمامًا يا أصدقائي. لا، طبعا. يبدو لي أن طلقات الرصاص لا تنفذ في جلد القرصان "رو"، لأننا نلمحه عندما يكتمل القمر بدرًا، يسبح وسط الأمواج مع صديقيه
أرسلنا لهم، على سبيل الوداع، فوهات مدافعهم محملة بالشظايا. يجب أن يكونوا قد ماتوا بجراحهم. حسنًا! لكن المجرمين يرددون صرخات شيطانية ساخرة ممزوجة باللعنات المخيفة..
مهما كان ما حدث، يجب أن نتركهم لمصيرهم ونعود إلى جرحانا وموتانا. من بينهم رأينا جثة قبطان السفينة الضخمة، كما عثرنا على جثة الملاح المقتول في المعركة. هما كل الضحايا
السفينة الضخمة اتجهت نحو الشرق، وعدت أنا وبحارتي إلى "كيبرون" حيث قام "لوك" بعلاج كتفي المصاب بطريقته الخاصة
آه أيها البحارة. هذه هي الكوابيس التي تطاردني في الليالي العاصفة. يقولون أن القرصان المرعب لم يمت. هل هو الذى يبحر على الساحل الهولندي الخطير؟ ممكن. مسكين من يدر له رؤية هذه الأشباح المرعبة في عرض البحر !..
تأليف: إرنست دي لوران 188
1........:.....:...:....: .:.:.:....... .
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا