سر المدرسة المهجورة
كنت وقتها في العاشرة أو أكبر قليلاً.. وكنا نذهب مع عائلة أخرى لديهم أولاد في نفس أعمارنا أنا وإخوتي تقريباً إلى حديقة كل خميس وقضاء النهار وأحياناً الليل فيها.. وهذه الحديقة موجودة في الرياض في حي السليمانية.. وفي أثناء لعبنا.. رأينا مدرسة مهجورة بجانب الحديقة.. أو بالأدق داخل الحديقة.. أي يمكنك رؤيتها والوصول إليها بسهولة.. صحيح أنها كانت محاطة بأعمدة حديدية إلا أننا وجدنا فتحة تسمح بالدخول.. خاصة وقد بلغ الحماس منا مبلغه.. وبدون أن أذكر أننا تخيلنا أنفسنا المغامرين الخمسة (مع العلم بأننا كنا ستة)!
المهم دخلنا.. ساحة كبيرة مهجورة وبناء ضخم.. اقتربنا أكثر ورأينا مكاناً خمنا أنه كان لاصطفاف الطلاب وإلقاء الإذاعة خاصة وقد وجدنا سلكاً معلقاً ومكاناً مرتفعاً قليلاً عن الأرض كمنصة..
أكملنا السير.. وطبعاً كان الباب الرئيسي مقفلاً تماماً ولوحه مصدي 100%.. ثم بدأنا ندور حول البناء.. كان يوجد نوافذ كثيرة محاطة بقضبان حديدية لكن دون زجاج وكانت كل نافذة تمثل فصلاً من الداخل.. كنا نتقابل على استراق النظر وكان كل واحد ينظر ثم يشهق.. فيدفعه الآخر.. ثم ينظر ويشهق.. وهكذا..
كنا نشاهد داخل كل نافذة فصلاً كاملاً.. بما فيه من السبورة وبعض المقاعد الخشبية وحتى لوحات نفذها بعض الطلاب أو أخرى كتب عليها الجدول الدراسي.. فذهلنا.. كيف تكون المدرسة مهجورة ومازالت تحتوي على كل هذه الأغراض؟؟ لماذا لم يقم أحد بإخراج الأغراض.. أو إتلافها؟؟ أو حتى ياخذها أصحابها؟
تابعنا السير والاستكشاف.. ووجدنا ساحة خلفية للعب كرة السلة ووجدنا أيضاً غرفة منفصلة في الساحة وبداخلها قطة سوداء.. وكانت الغرفة تبدو في حالة أحسن من الصفوف لكنها كانت فارغة من البشر، وعندما وصلنا إلى خلف المبنى، وجدنا درجاً للطوارئ.. صعدناه.. وكان في نهايته باب خلفي.. مغلق طبعاً لكن جزء منه كان زجاجياً.. وكان لأجل الحظ.. "أو لسوء الحظ" مكسوراً.. وبقليل من الجهد وبعد إزاحة قطع الزجاج دخلنا، وبقيت واحدة منا تنتظر على الباب.. وبالداخل كان المنظر غريباً جداً !!
الفصول على حالها.. والفوضى في كل مكان.. والمكان صالح تماماً للاستخدام ولا يحتاج إلا لتنظيف.. حتى أننا وجدنا بطاقات للمقصف ودفاتر وحقائب وكرسي كبير، أعتقد أننا كنا في غرفة المدير وحمام.. و.. سلم..
أذكر أن أخي كان من وجده وكان يؤدي للأسفل (لأن الباب الذي خلنا منه كان بالطابق العلوي متصل بسلم الطوارئ) اقترب البعض.. وهنا.. سمعنا صوتاً من آخر.
الممر المظلم..
ولكم أن تتخيلوا ردة فعل مجموعة أطفال فضوليين اصطنعوا الشجاعة لدقائق ثم.. صرخنا.. وركضنا.. ودفعنا بعضنا البعض. دون حتى أن نفكر ولو للحظة بماهية الصوت الذي سمعناه.. ونزلنا السلالم بسرعة وعدنا إلى أهلنا ونحن في قمة الخوف.. بعد هذا اليوم.. اقتنع أهلنا أن هناك تقاليد يجب تغييرها ومنها هذه الحديقة.. فقد كان هذا آخر يوم نراها فيه..
لكني حتى هذه اللحظات أسأل نفسي.. ما قصة هذه المدرسة؟ لماذا تحتوي على كل أغراضها ويغطيها دمار شامل؟ لماذا لم يحاول أحد هدمها؟ أو تجديدها(، قال البعض.. أنها تعرضت للقصف أثناء حرب الخليج.. والبعض قال.. أنه شب حريق فيها وبمن فيها.. لكن أحداً لم يستطع الإجابة على الأسئلة حول سر هذه المدرسة المهجورة..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا