الطنطل:
قديماً، ارتبط الليل بظلامه الدامس بظهور الطنطل، حيث كان يتمثل للسارين ليلاً ويرعبهم.
والطنطل شخصية خرافية، لم أسمع عنه كثيراً كحمارة القايله وذلك لأن والدي، رحمهما الله، لم يكونا يثقلان أسماعنا ويرعبانا بعدد من الشخصيات الخرافية التي تثير الهلع في نفوسنا خاصة في الليل. عندما كبرت اكتشفت من خلال قراءاتي واطلاعي على الكتب التراثية أن الطنطل من أشهر الشخصيات الخرافية الليلية.
وهذا الكائن يتميز بالطول الفارع غير المعقول، له يدان طويلتان، ورأس كبير وعينان واسعتان، واسع الفم ومخيف بالإضافة إلى أن خطواته يسمع وقعها.
وقد كان الأهالي بالعموم يخفون به أطفالهم بأنه سيظهر لهم إذا لم يناموا أو يكفوا عن اللعب ليلاً. وفي الحقيقة أن الطنطل كان يبث الرعب في قلوب الكبار قبل الصغار.
ولفظ الطنطل جاء في اللغة فيه من معنى الطول الزائد. ويُجمَع طنطل على طناطل.
وكانت طريقتهم فيما مضى للتخلص منه في أنه يكون مع الساري (مِسَلَّة) أي سلايه من سعف النخيل أو إبرة كبيرة، فإذا رآه صاح: هات المسلة، فيهرب خوفاً من غرز المسلة في جسمه.
ولأن الإنارة الكهربائية في الكويت لم تدخل تقريباً إلا في حدود عام 1934م، فقد كان الظلام هو الذي يسود الديرة ليلاً، إلا من الإضاءة البسيطة المعتمدة على مصابيح السراج (السرَاي) الذي يضيء مساحة قليلة من المكان.
ولقد استغل بعضهم شخصية الطنطل المخيفة في بث الرعب بين الناس بغرض التسلية. فقام أحمد الأشخاص بالاختباء في زاوية إحدى السكيك الضيقة والملتوية، ونثر قشور السمك (الصفط)، الحاوية على مادة الفسفور اللامعة ذات البريق المضيء على التراب، وارتدى عباءة سوداء وأمسك بيده عصا يحركها مراراً، أو سعفة نخيل كبيرة الحجم. وكان ما أن يشاهد أحد الأشخاص قادماً من قريب حتى يظهر أمامه فجأة صادماً هذا الإنسان المسكين بمفاجأة من النوع الثقيل والمرعب فيهرب ناجياً بنفسه.
وقد كان هناك بعض الأشخاص ممن يتمتعون بالقوة النفسية والجسمانية، لم تنطلي عليهم هذه الحيل والألاعيب، فيقومون بتحدي هذا العابث الذي يبث الخوف في نفوس الناس وعند اكتشاف أمره لا يجد إلا الهروب حلاً له.
ويقول أهل الكويت (صادف) و(صادفني) أي أفزعني وروعني، كأن تبرز لأحدهم فجأة وهو غافل سائر في طريقه أثناء الظلام الحالك فيصرخ، حينئذ يُقال أنك صادفته وقد تكاد تؤدى به إلى الجنون. أو يُقال (فلان صروع فلان) أي روعة وأخافه ويُقال (فلان تصروع) أي من شدة الخوف تروع، وقد يسقط الإنسان مغشياً عليه من هول ما يرى ويسمع.
من الطرائف التي شاعت عن الطنطل ما يرويه لنا الأستاذان د. صالح محمد الجعيري والفنان شادي الخليج، أنه كان من أهل الكويت من ينام على السطح وذلك قبل دخول الكهرباء إلى البيوت، ولما فرغ هذا الشخص من شرب القهوة أفرغ باقي سريب القهوة إلى السكة فأصاب حائط البيت بخط طويل وبشكل فني سريالي، فظن مَنْ رآه من السائرين في طريقهم إلى بيوتهم أنه الطنطل إلى أن انجلى الصبح فعرف الناس حقيقة ذلك. وقد أبدع أحد أبناء الكويت من الذين يقرضون الشعر، حيث تخيل أنه يتحدث إلى جمع من الطناطل في ليلة من الليالي، وطالبهم بمغادرة (الفريج) لأن حضورهم قد تسبب في رعب للناس، فلجأ بعضهم إلى تلاوة سور من القرآن الكريم والدعاء إلى الله سبحانه لإنجلاء غمة الطناطل، فقال:
سجى الليل وانثالت علينا الطناطل
بحقٍ نراهُم بينما هو باطل
يخيفوننا في بسطة الجسم مرة
وأخرى تؤديها إلينا الفعائل
وليس لنا منهم خلاصٌ وإنه
لتعجزنا الأفعال مهما نحاول
ألا أيها الزُّوار إن مجيئكم
غريبٌ فعودوا إننا لا نجامل
ولا تُزعجوا الأطفال والناس كلهم
فقد زاد منكم في الفريج التطاول
قرأنا عليكم سورةً بعد سورةٍ
وبعد كلام الله خاب المجادل
ويا طنطلاً قُدت الطناطل كلهم
سمعت كلام الله ما أنت فاعل؟
فخُذ جمعك المؤذي وغادر ديارنا
بعيداً إلى أن تحتويك المجاهل
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا