2. إحمارة الكايله أو حمارة القايله:
من ذكرياتي البسيطة في مرحلة الطفولة عن حمارة القايله أني كنت أشعر بالرعب الشديد منها عند سماع وترديد اسمها، حيث كنت أتخيلها على شكل امرأة بشعة الملامح وترتدي عباءة سوداء ملطخة بالأوساخ، أجلكم الله، وقدماها كأرجل الحمار تنتقل بين السكيك والبيوت وتبحث في القمامة، للإيهام بأنها امرأة فقيرة محتاجة إلى العطف والتصديق عليها، لكي تخدعنا للاقتراب فتقوم بخطفنا. وقد كان والداي، رحمهما الله، لا يذكران حمارة القايلة ويخوفونا بها إلا في وقت الصيف وشدة الحرارة واللواهيب، فأصبحنا نتحاشى الخروج من المنزل وقت الظهيرة أو الصعود إلى السطح. وما كنا نعلم ونحن صغار أن هذا من شدة خوفهم علينا من حرارة الشمس التي قد تؤثر على أجسادنا الصغيرة، فتصيبنا بضربة الشمس المميتة في بعض الأحيان.
وللباحثين المؤرخين في التراث الكويتي أقوال فيها، فمنهم مَنْ يصفها بأنها امرأة عجوز شمطاء اختلط سواد شعرها ببياضة وجسمها على هيئة حمار له جناحان، تمشي في وقت الظهيرة وما أن تشاهد الأطفال يلعبون حتى تقوم بخطفهم والطيران بهم إلى مكان مجهول في عالمها الخاص المرعب بعيداً عن أهاليهم لتدوسهم ثم تأكلهم.
ومسمى حمارة القايلة أساسه عربي فصيح من إحمرار ولهيب الشمس الحارقة وقت الظهيرة. لكن أجدادنا الأولين قاموا بتحويرها وإكسابها نوعاً من الطرفة المرعبة، فأطلقوا مسمى حمارة القايلة على الحمار، الذي كان يتجول في السكيك والفرجان، وأضفوا عليه هالة من الهلع يبثونها في عقول الصغار ولهذا كان الصغار يرتعدون خوفاً عند سماع اسم حمارة الكايله فلا يخرجوا وقت الظهيرة أو يصعدوا إلى سطح البيت. وبهذا كانوا يضمنون سلامة أولادهم داخل المنزل وقت راحتهم.
ويقول أهل الكويت أيضاً عن شمس الظهيرة وشدة حرارتها بأنها (شمس حنَانيَّة) فهي شمس ساطعة صيفاً محرقة خاصة عن فترة الظهيرة ولا يطيقها جسم الإنسان من شدتها. وحنانيه جاءت من "حنَّ فيقال حنت الناقة أي مدت صوتها شوقاً لولدها وحنت الرياح أي صوتت صوتاً يشبه حنين الإبل".
من طرائف د. عادل العبد المغني مع حمارة القايلة يذكر: "حدث يوماً أنني هممت بالصعود إلى سطح البيت بغرض جلب حاجة لا أتذكرها الآن وذلك من الغرفة التي على السطح، وتعرف بلهجتنا الكويتية باسم (الكنگه) وتزامن نزولي بعد جلب الحاجة مع صوت الأهل يحثني على النزول، وما أن سمعت اسم (حمارة القايله) حتى تعثرت قدمي وتدحرجت من أعلى الدرج إلى الأسفل وشج رأسي بجرح بليغ ما يعرف بـ (الفلعة) فحملني والدي، رحمه الله، إلى المستوصف القبلي للعلاج وخياطة الرأس، وشد رأسي برباط سميك وأصبحت قصة صعودي إلى السطح محل تندر أصدقاء الطفولة. وقد حكيت قصة بأنني تعاركت مع (حمارة القايله) وضربتها بعصا غليظة، وتعرف هذه العصا في لهجتنا الكويتية بـ (المشعاب)، وقبل هروبها
ردت علي بالمثل ورفستني برجلها على رأسي".
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا