لعنة الفراعنة:
منصور رجل في منتصف العمر يهوى الآثار ويبحث عنها في كل مكان من أنحاء العالم ولكن أكثر ما كان يشد انتباهه الآثار المصرية الفرعونية حيث كان كثير البحث عنها ويرغب في معرفة ما تحمله من أسرار وخبايا لا يعرفها أحد قبله وبسبب ذلك كان منصور يكثر السفر إلى جمهورية مصر العربية حيث كانت الآثار الفرعونية تشغل تفكيره في غالب الأحيان.
وفي إحدى زيارات منصور إلى مصر تعرف على بعض المهتمين بالآثار من الشباب حيث كان البحث عن الآثار مصدر عيشهم وبعد مدة أصبح منصور وهؤلاء الشباب أصدقاء يترافقون أثناء تنقيبهم في منطقة الأهرامات والمناطق الأثرية الأخرى كالأقصر والجيزة وغيرهما وبالفعل زار منصور كثيرا من الأماكن الأثرية وتحقق حلمه في المعرفة واكتشاف أشياء جديدة لم يشاهدها من قبل رجع منصور إلى الكويت وكان يفكر في الرحلة التي قضاها في مصر والمتعة التي نالها هناك مع الأصدقاء الجدد الذين تعرف عليهم والصداقة الحميمة التي نشأت بينهم.
مرت ثلاثة شهور على عودة منصور من مصر حيث أحس بالشوق والحنين إليها وبينما هو جالس في البيت رن جرس الهاتف وكان المتصل أحد شباب مصر الذين تعرف عليهم واسمه عامر قال له إن هناك مفاجأة تنتظرك في مصر ولابد أن تأتي إلينا لمشاهدة المفاجأة، أراد منصور معرفة هذه المفاجأة لكن صديقه المصري لم يجاوبه وبعد إصرار وإلحاح قال له إن الخبر سوف يسعد قلبه ويفرحه والمفاجأة المنتظرة هي أن أحد أقارب عامر في الصعيد عثر على مقبرة فرعونية بالمصادفة وهو يحفر في أرضه فقد وجد بابا مدفونا في التراب وعندما زاد في الحفر وجد مدخلا لمقبرة تحت التراب وقد أبلغه بالموضوع وبالفعل فرح منصور كثيرا وقرر أنه سوف يأتي إلى مصر في الأيام القليلة القادمة وحجز تذكرة وجهز أمتعته مستعدا للسفر لرؤية حلم حياته.
وصل منصور إلى مصر وكان في استقباله صديقه عامر الذي وجده ينتظره في صالة القادمين وبعد اللقاء والتحية خرج الاثنان من المطار متجهين إلى سيارة عامر. سأل منصور صاحبه إلى أين نحن ذاهبان؟ فأجاب بأنهما ذاهبان إلى فندق من الفنادق الفخمة ليستريح من سفره فعارض منصور ذلك لأنه كان مستعدا للذهاب حالا إلى المقبرة فضحك عامر وقال لا تكن عجولا هكذا سوف آتي إليك في الصباح الباكر آخذك ونذهب نحن والأصدقاء مجتمعين قبل منصور العرض وأكد أنه مشتاق لأصدقائه الآخرين أيضا.
جاء صباح اليوم التالي، بعد أن قضى منصور ليلته يفكر في المقبرة الموصوفة وبدأت رحلة جديدة في حياة الشبان الأربعة حيث كان اليوم الموعود للذهاب إلى تلك المقبرة العجيبة وعند الساعة الثامنة صباحا رن هاتف الغرفة ورد منصور فوجد عامر يقول له إنه ينتظره في صالة الفندق وعليه أن يسرع في النزول لكي يتسنى لهم الوصول مبكرا فالمسافة بعيدة وقد تستغرق ساعتين أو أكثر.
نزل منصور إلى صالة الفندق وانتظر عدة دقائق حتى وصل بقية الشبان ثم بدأ الرحلة حيث ركب الأصدقاء في السيارة متجهين إلى المقبرة التي كانت تقع في منطقة الصعيد البعيدة عن القاهرة ومن المعروف أن الصعيد يوجد فيه الكثير من المقابر الفرعونية التي لم تكتشف إلى وقتنا هذا وأن هذه المقبرة لم تكتشف من قبل وأنها بكر لم يسبق لأحد أن دخل إليها أو شاهدها وهي كما قال عامر مدفونة تحت الأرض.
في الطريق قام عامر برواية قصة اكتشاف المقبرة حسبما قالها له أحد أقاربه في الصعيد حيث قال في أحد الأيام كان شاب صعيدي يدعى جرجس يعمل في الحقل حيث إن الزراعة مصدر عيشه وكان يعمل حتى مغيب الشمس وذات يوم بينما كان جرجس يحفر في إحدى زوايا الحقل وجد شيئا يعيق تقدمه في الحفر حيث اكتشف أن هذا الشىء هو عبارة عن باب حديدي وبعد أن أبعد التراب عن المكان وجد بابين كبيرين تحت الأرض ففوجئ بما شاهد وعلى الفور غطى المكان ووضع علامة مميزة كي يستدل عليه لاحقا وقام بالاتصال بعامر لكونه مهتما بالآثار ويعرف الكثير عنها قال جرجس لعامر عبر الهاتف ما جرى وقص له الحكاية كاملة فأكد عامر أنه سوف يأتي مع مجموعة من المختصين لإلقاء نظرة على هذا الباب والحفرة الغريبة وبعد مرور أيام قام عامر بالاتصال مع أصدقائه وهم الآن في طريقهم إليها كي يقيموا الموقف فقد يشاهدون تحفة أثرية نادرة أو جديدة قد تؤثر في مستقبلهم وتبرزهم في عالم الآثار.
وصل الأصدقاء إلى الحقل حيث كان في استقبالهم جرجس وحسب تقاليد الصعيد قدم لهم واجب الاستقبال والطعام الطيب وبعد شرب الشاي ذهب الجميع إلى المكان وعند وصولهم رأوا مجموعة من القش ملقاة فوق الباب المزعوم وبعد إزاحة القش ظهر الباب موصدا فصدم الأصدقاء مما شاهدوه.
قاموا بتفحص الباب وظلوا فترة وهم يدرسون تاريخ الباب والعلامات التي حفرت عليه واستمروا على هذا المنوال إلى أن بدأت الشمس بالمغيب وعندها قرر الأصدقاء أن يتابعوا البحث في اليوم التالي وعليه رجع الجميع إلى البيت لأخذ قسط من الراحة حتى الصباح.
كان فرح منصور غامرا لكونها المرة الاولى التي يرى فيها مثل هذه الأمور مما جعله شارد الذهن يفكر في ما رأي، ومع أنه في مكان جديد وغريب بعض الشيء على اعتبار أن الصعيد منطقة نائية وهو لم يتعود على الإقامة في مثل تلك الأجواء، كان سعيدا ولم يكترث بأي شىء آخر.
في صباح اليوم التالي أصبح الجميع في نشاط وحماس مستعدين للبحث ومعرفة ما سوف يكون في موقع العمل، ووصل الجميع إلى مكان الحفر والتنقيب وبدؤوا بمزاولة مهامهم وبعد ساعات من التنقيب تأكدوا أن هذا الباب مدخل لمكان آخر ومن الممكن أن يكون في خلف الباب مقبرة أو غرفة أو شىء آخر.
دخل وقت العصر عليهم وهم في بحث وعمل ثم فوجئ الجميع بدخول أحد الأشخاص عليهم على حين غرة لكن ولله الحمد لم يكن غريبا بل كان واحدا من أقارب جرجس يعيش في الحقل القريب منهم وهو جاره وصديقه وابن خالته وكان قد سأل عن جرجس لأنه لم يره في ذلك اليوم فقالوا له في البيت إنه في هذه الناحية من الحقل وعلى الفور جاء إليه ورأي ما يحدث فقال إن هذا باب مقبرة فرعونية وأنا لا أنصحكم بالدخول إليها.
سأل منصور عن سبب نصيحته بعدم الدخول إلى ما وراء الباب وعن تداعيات ذلك إن حدث فقال الرجل إنه ليس مسموحا الدخول إلى مقبرة فرعونية دون فك الرصد الذي عليها ولابد من حضور شيخ دين يقرأ آيات معينة على باب المقبرة من الخارج حتى يتسنى لكم الدخول إليها بأمان وأنا أعرف شخصا حاول الدخول إلى أحد المقابر الفرعونية دون فك الرصد فلقي مصرعه على الفور سأله منصور عن الحل فقال إنه يعرف شيخ دين يساعدهم على فك الرصد فقال منصور ولماذا يقرأ شيخ الدين على المقبرة؟ فأجاب بأن هناك أرواحا شريرة تحرس المقبرة ولا تسمح لأحد بأن يدخل إليها وهذه التعويذة كان يضعها الكهنة بعد وفاة الملك الفرعوني على المقبرة لتحرسه إلى يوم البعث والميعاد حيث كان الفراعنة يؤمنون بأنهم سوف ينتقلون إلى زمن آخر ولهذا السبب يتم وضع الطعام والملابس والحلي والذهب والمجوهرات وكل شىء ثمين معهم لكي يساعدهم على أن يكونوا جاهزين للعيش بعد أن يعودوا إلى الوجود من جديد وهذا معتقد الفراعنة.
وافق الجميع على ما قاله قريب جرجس وعليه قرروا أن يأتي شيخ الدين ليساعدهم على فتح المقبرة والدخول إليها دون أضرار أو متاعب وعادوا إلى البيت آملين بأن يأتيهم شيخ الدين بأسرع وقت ومن جهة ثانية ذهب قريب جرجس فيالمساء إلى أحد شيوخ الدين لطلب ما يريد منه وقال له الحكاية كما كانت فلم يتردد ا لشيخ في المساعدة مقابل نسبة مادية معينة فوافق الرجل وأشار إليه بأن يأتي إلى المكان في الموعد المحدد ثم رجع إلى منصور والمجموعة وأخبرهم بأن الموعد سوف يكون غدا حسب ما اتفق عليه مع شيخ الدين وبعدها ذهب وترك الجميع في انتظار الموعد واكتشاف أسرار المقبرة.
في اليوم الثالث جاء شيخ الدين إلى المقبرة حسب الموعد والجميع في انتظاره وبدأ يقرأ آيات من القرآن الحكيم على باب المقبرة حتى انتهى وبعدها أوصى الجميع بعدم الدخول أو العبث بالمكان إلا في اليوم التالي وغادر الجميع مكان العمل بانتظار الموعد وفي هذه الأثناء كان منصور مستغربا مما يجري فسأل عامر عن ذلك وأبدى اعتذاره عن أن وجودهم في الحقل لوقت طويل قد يزعج جرجس فرد عليه عامر بأن جرجس سعيد بوجودهم، وأنهم سوف يعودون للقاهرة ويحتفلون بعد فتح المقبرة. سكت منصور، ولم يكن يعرف ما سيأتي من تلك المقبرة في الأيام القادمة.
في اليوم الرابع ذهب الجميع لفتح المقبرة وأخذوا معهم المعدات اللازمة وبعد أن بدؤوا بفتح الباب بصعوبة وجهد تذكر منصور كلام قريب جرجس حين قال إن المقبرة مرصودة وعليهم قراءة القرآن عليها وإذا لم تتم القراءة بشكلها الصحيح فسوف يكون الوضع خطرا وتحل لعنة الفراعنة على من يدخل إلى المقبرة في أثناء ذلك انفتح باب المقبرة فكانت مظلمة وموحشة وباردة وفيها غبار كثير يغطي المكان حيث ذهل الجميع من حجمها ومن أنها ليست كما ظن الجميع.
كان عامر أول من دخل وفي يده مصباح ثم دخل بعده قريب جرجس ومنصور ودخل الجميع وبعد دخولهم وجدوا ما لم يكن في الحسبان كانت المقبرة عبارة عن معبد فرعوني كبير ولم تكن مجرد مقبرة عادية صغيرة وأثناء سيرهم كان هناك الكثير من الذهب والتحف والغنائم حولهم وكانت جواهر وحلى الملك الخاصة به تتلألأ داخل المعبد.
بعد أن توغل منصور إلى أماكن عميقة داخل المعبد مذهولا مما يرى كان أصحابه خلفه يبحثون وينظرون إلى التحف الفنية النادرة التي لا تقدر بثمن وعندما شعر منصور بشىء غريب حيث بدأت رياح تأتي إليه من الأمام وفجأة سمع أصدقاءه يصرخون مذعورين خائفين ينوون الهروب فالتفت إليهم فجاءته صفعة قوية جدا على وجهه وقف بعدها مصعوقا وحينها رأى شيئا أغرب من الخيال إنه جسم إنسان واقف بطول أربعة أمتار تقريبا كان رأسه رأس كلب أسود اللون يقف أمامه وهو من صفعه على وجهه وكان ينظر إليه دون حراك أو كلام هو شخصية الحارس لدى الفراعنة ومن شدة خوف منصور قال له أأأنا أسف أأأنا أسف وظل يرددها حتى رجع قليلا إلى الوراء وهو ينظر إليه ثم التفت إل أصدقائه فلم يجد أحدا منهم لقد ولوا هاربين مما شاهدوه داخل المقبرة وقد تركوا كل ما في أيديهم فارين باتجاه البيت فتبعهم منصور بسرعة الريح.
عند وصولهم إلى البيت كانوا في ذهول تام ودهشة عظيمة مما جرى وتساءلوا فيما بينهم عما حدث وكان عامر مشغولا بصديقه منصور حيث اقترب منه وقال له ما الذي فعلته ليظهر لك ذلك الشىء؟ فأكد منصور أنه لم يفعل شيئا وأنه كان يمشي عندما ظهر له ذلك الشىء وصفعه على وجهه وعندما رأى عامر مكان الصفعة وجد آثار أصابع طويلة جدا باللونين الأحمر والأزرق على وجه صاحبه.
بعد ساعات كانت حالة منصور تزداد سوءا وقد بدأت تظهر عليه آثار الإعياء وأحس بأن حالته غريبة وغير مستقرة فأشار عليه عامر بأن ينام ويرتاح وغدا يرون ما يمكن أن يحدث.
في اليوم الخامس جاء عامر لمنصور فوجده في حالة سيئة جدا ورأى أن مكان الصفعة بدا لونه مائلا إلى اللون الأزرق الغامق ومتورم وسأل عامر صاحبه منصور عن حالته النفسية فأجاب بأنه يشعر بشىء غريب وكأنه ثقيل لا يقوى على الحراك.
في تلك الأثناء جاء قريب جرجس ليطمئن على حالة الآخرين فأخبره عامر بحالة منصور التي يرثى لها فأكد أن هذا الأذى كان سببه لعنة المقبرة كما حذرهم في السابق ولابد من أن يأتي بشيخ دين يعرف مخرجا لحالته هذه.
جاء شيخ الدين بعد ساعة ودخل على منصور وسأله عما جرى له فرد منصور عليه ساردا تفاصيل القصة وذكر له إعياءه وحالته المزرية فأكد الشيخ أن المتسبب بما جرى هو حارس المقبرة.
استغرب الجميع مما قاله الشيخ ومدى معرفته بتفاصيل القصة فسأله عامر عمن يكون ذلك الشىء فرد الشيخ بأنه يدعى حارس القبر وهو مرسوم على الجدران الفرعونية وكان الفراعنة يعينونه حارسا لهم في حياتهم وبعد وفاتهم حيث يقوم الكهنة بأعمال السحر ووضع رصد لتحصين القبور الملكية.
وحاول جاهدا مساعدة منصور لكن من دون جدوى فقرر منصور الرجوع إلى بلده ليجد من يساعده على ما حل به رجع منصور إلى الكويت حاملا معه ذكرى أليمة لم تكن تخطر في باله حيث مازال ملعونا من قبل الفراعنة وممسوسا من قبل الجان وهو إلى الآن يبحث عمن يخلصه مما هو فيه.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا