ميناء الأشباح:
تبدأ قصتنا من خارج دولة الكويت، وتحديدا من ميناء كابلن في ألمانيا حيث تشتهر هذه المنطقة بالقصص والحكايات الغريبة التي جرت فيها وبخاصة في مينائها الكبير الذي كان منفذا للحرب العالمية الثانية على ألمانيا، إذ كانت كابلن من المناطق التي استهدفتها الحروب وقد دارت المعارك فيها بشكل وحشي ومدمر لم يشهد له نظير وكانت دخلا من جهة البحر على السواحل الألمانية.
في العام 1999م قررت البحرية الكويتية إرسال بعثة من منتسبيها إلى ألمانيا لأخذ دورة عمليات خاصة في البحرية مدتها شهر واحد حيث كانت البحرية الكويتية تقوم دائما بإرسال مجاميع من الضباط والأفراد إلى دول العالم وذلك لتقوية وتطوير وبناء العسكريين ليحققوا النجاح وكان أبطال قصتنا من الضباط المبتعثين إلى تلك البلاد الأوروبية وقد تمت الموافقة على إرسالهم إلى ألمانيا وتحديدا ميناء كابلن.
بعد وصول الضباط إلى كابلن استقبلهم مدير الكلية البحرية في تلك المنطقة ورحب بهم ثم قدم لهم الضيافة وشرح سبب وجودهم هنا وساعدهم في الإجابة عن كافة أسئلتهم ثم قام بعدها بمرافقة أفراد المجموعة كل إلى غرفته الخاصة ليستقر فيها بعد رحلة السفر حيث تم توزيع غرف الضباط على جهتين إحداهما مقابل مدخل ميناء كابلن والأخرى تطل على حديقة الكلية العسكرية. ناصر ومحمد وهما شاهدا قصتنا أقاما في الجهة المقابلة للميناء أما في الجهة الأخرى فأقام فواز وأسامة وفيصل وكانت غرفهم تطل على حديقة جميلة تسر الناظر إليها إذ إن فيها الكثير من الحيوانات الأليفة الصغيرة حتى إن فواز كان يفتح نافذته ليجد بعض الحيوانات تلعب أمامها فأصبح بعد ذل يطعم السناجب والطيور بيده أما ناصر الذي سكن في جهة ميناء كابلن فكان يعاني أمورا غريبة تحدث له طوال فترة إقامته هناك فبعد مرور ثلاثة أيام على وصوله بدأت الأحداث والأصوات الغريبة بالظهور وكان منظر ميناء كابلن يعيد من ينظر إليه إلى الماضي الذي حدثت فيه الحرب حيث كان الميناء يصد الهجوم الأميركي على السواحل الألمانية، وهو من أهم المواقع الحربية الساحلية ولهذا السبب تم إرسال الضباط ليروا ما دمرته الحرب العالمية الثانية، وهو ما كان يجعل الناظر إلى الميناء شارد الذهن مندهشا مما يرى.
كان ناصر ومحمد مستمتعين بالجلوس في شرفة الغرفة. ولكن ناصر كان الشاهد الأول على الأحداث الغريبة التي جرت ففي اليوم الثالث بعد الوصول كان ناصر جالسا في غرفته كالمعتاد بهدوء إلى أن سمع طرقا على باب الشرفة وكانت الساعة آنذاك الثانية عشرة منتصف الليل ذهب ناصر يرى من الذي يطرق الزجاج ونظر إلى الخارج فلم يجد أحدا لكنه وجد الميناء قد تغير منظره حيث كان مغطى بالضباب الغريب الكثيف فرجع إلى ما كان عليه ونام بهدوء.
في الصباح تجمع الضباط الخمسة في مطعم الكلية فقال ناصر هل سمع أحدكم صوت طرق على شباكه أو أي أصوات غريبة؟ فأجاب الجميع بأنهم لم يلاحظوا أي شىء من هذا القبيل بل كانت الأمور على ما يرام استغرب ناصر من الموقف ولم يهتم حتى ساعات الليل من نفس اليوم وبينما هو جالس إذ سمع صوت طرقات على باب الشرفة لكنه كان فظيعا هذه المرة فذهب لرؤية ماذا يجري وأيضا لم يجد شيئا في الخارج إلا أنه فوجئ بمشهد الميناء في نفس حالته التي كان عليها أمس والأمر الجديد الملاحظ أن لونه تغير وأصبح مخيفا رجع ناصر لغرفته بشكل اعتيادي ولم يكترث بذلك وفي اليوم التالي حينما ذهب الجميع للتدريب قال ناصر لفواز إنه سمع صوت طرق وضرب على زجاج الشرفة كما حدث في اليوم السابق ولكن بشكل أقوى وأشد فأجاب فواز بأنه من الممكن أن يكون الهواء هو المتسبب بذلك فقال له ناصر إن الصوت الظاهر ليس له علاقة بالهواء ولكنه كان شيئا غريبا وفي المساء كان ناصر ينتظر سماع الصوت الغريب وظل جالسا مترقبا لوقت طويل ولكن لم يحدث أي شىء.
مضى أسبوع لم يحدث شىء غريب لناصر وفي صباح أحد الأيام كالمعتاد اجتمع الجميع في مطعم الكلية وبدا محمد مذعورا وهو يقول لقد سمعت أصوات طرق على زجاج الشرفة كما سمع ناصر فأكد له ناصر على الفور أنه لم يسمع شيئا منذ حوالي أسبوع فماذا جرى في غرفتك؟ أجاب محمد بأنه كان يسمع أصوات موسيقى صاخبة بالإضافة إلى أصوات شبان وشابات يحتفلون ولكنه لم يكترث لهذه الأصوات مع العلم أنه لا يوجد ناد ليلي قريب من الكلية.
انبثت الريبة بين الجميع مما سمعوا ولكنهم لم يبدوا تأثرهم لكونهم لم يشاهدوا شيئا مما ذكره ناصر ومحمد لكن جرت أحداث جديدة في اليوم نفسه حيث كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فقد سمع ناصر نفس الأصوات التي سمعها محمد فذهب خارجا من غرفته متجها إلى الأسفل ليعرف مكان صوت الحفل وعند وصوله إلى لا أسفل لم يكن هناك صوت على الإطلاق، فذهب إلى المسؤول المناوب في ا لكلية ليلا وسأله ناصر: هل يوجد هنا ناد ليلي أو ملهي أو أي مكان للحفلات والتجمعات؟ فقال له الحارس الألماني: لا يوجد ما يدور في بالك فليس هناك أي قاعة خاصة بالحفلات في الكلية فقال ناصر إنه يسمع أصوات موسيقى صاخبة وأصوات شبان وشابات يرقصون ويفرحون كأنهم في احتفال وسهر فأكد له الحارس الألماني أنه لا يوجد شىء كهذا.
رجع ناصر إلى غرفته بعد أن تأكد من عدم وجود ناد ليلي أو ما شابه ومرت الليلة دون أي شىء آخر يذكر.
في اليوم الذي يليه أخبر ناصر صاحبه محمدا بالأمر وبدأت الحيرة تزداد بينهما ثم قررا أنه إذا تكرر الأمر فسوف يذهبان ويتحدثان لقائد الكلية ويشرحان له ما يجري لهما.
في الليلة التالية حدث شىء جديد لناصر فبينما هو واقف في المطبخ نظر جهة الشرفة حين كانت الستارة مفتوحة فرأى ظل رجل واقف ينظر إليه وكان لونه رماديا. ولا تظهر له ملامح واضحة لوجهه أو أطراف جسمه. اندهش ناصر مما رأى وبقي واقفا ينظر إليه حتى طار ذلك الظل إلى الوراء متجها صوب الميناء فخرج ناصر من غرفته ذاهبا إلى غرفة محمد وعندما دخل مباشرة إلى الشرفة ونظر إلى الميناء خلسة من وراء الستارة فقال محمد ما بك؟ فقال له القصة كاملة فاتجه إلى الشرفة لينظر مع ناصر ويتفقد الأمر ولكنهما لم يريا أي شىء وعندنا قرر ناصر ومحمد أن يذهبا إلى مدير الكلية.
رجع ناصر إلى غرفته بعد أن جلس قليلا عند محمد فوجد باب الشرفة مفتوحا والرياح تعصف في الغرفة، فذهب مسرعا وأغلقه ثم قرر أن ينام وبعد نومه بنصف ساعة سمع صوتا في الغرفة فتح عينيه فازداد الصوت، حيث كان مزعجا مما جعله يغمض عينيه ويسد أذنيه من شدة الصوت وفجأة بدأ الصوت بالانخفاض حتى اختفى، ففتح عينيه وإذا به يجد أثاث الغرفة متحركا من مكانه والغرفة مبعثرة لأقصى درجة مما زاد من خوفه ولكن حتى لا يقال عنه جبان قال لنفسه لابد أن أنام وأنتظر يوم غد لإطلاع المدير على الأمر.
مرت الليلة طويلة على نار وعند الصباح الباكر نزل من غرفته متجها إلى مكتب المدير وبينما هو جالس ينتظر أتى إليه محمد فقال له سألت عنك فقالوا لي إنك هنا ماذا جرى؟ لماذا لم تنتظرني لآتي معك؟ هل من جديد؟ عندها دخل المدير إلى مكتبه وبعد دقائق قليلة طلبهما للدخول وسألهما إن كان يستطيع أن يقوم بخدمة فتكلم ناصر عن الأحداث التي جرت له منذ بداية وصوله إلى الكلية حتى ليلة أمس المريبة فوعده المدير بأنه سوف ينقلهما إلى غرف تطل على جهة الحديقة فسر ناصر ومحمد من عرض المدير ولكنهما فضلا أن يسألاه عن تلك الأحداث التي جرت لهما فقال المدير لا يوجد شىء مهم الميناء يحتوي على جثث العساكر والبواخر والأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية وهي باقية في الميناء إلى وقتنا هذا ثم أشار بأن يذهبا إلى غرفتيهما الجديدتين حيث إنهما سوف يكونان أسعد فخرج ناصر ومحمد متجهين إلى غرفتيهما الجديدتين وهما يحدوهما الأمل بحل مشكلتهما وبعد وصولهما هناك رأيا كلا من فواز وأسامة واقفين خارج غرفتيهما ففرحا بقدوم صديقيهما ليصبحوا جميعا جيرانا ورحبا بهما وسألاهما عن سبب نقلهما إلى جهة الحديقة فقص ناصر ومحمد قصتهما كاملة.
مرت الأيام حتى انتهت فترة الدورة الخاصة وحان موعد العودة إلى الكويت بعد انقضاء شهر كامل ولم يحدث شىء لناصر ومحمد.
عاش الاثنان مع زملائهما الثلاثة بسلام واطمئنان حتى تخرجوا في الدورة وفي يومهم الأخير ودع الضباط الخمسة أصدقاءهم جميعا وقبل الخروج اجتمع بهم مدير كلية كابلن البحرية وقال لهم بعد السلام والشكر: إن الأصوات والأحداث التي ظهرت لناصر ومحمد نعلم بها ونحن نعرف أن جهة الميناء فقط فيها أصوات حفل وموسيقى ودبيب ومشاهد رجال ونساء على شكل ظلال وغيرهما الكثير لكننا لم نستطع أن نقول لكم هذا من قبل خوفا أن يؤثر عليكم ثم ضحك وقال أظن أن هذا هو الوقت المناسب لأعترف لكم بخطورة ميناء كابلن.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا