بيت أم صفاء هو البيت الأغرب في شارعنا والأكثر رعبًا، لا حد بيدخله ولا حد بيطلع منه، بيت مكون من دور واحد - لا تعرف هو أرضي ولا علوي - قديم ومتهالك بصورة كبيرة، أقدم بيت في الشارع، بل في العالم من وجهة نظري، رغم إن بيوت شارعنا كلها قديمة، إلا إن بيت أم صفاء ليه طابع خاص، لبنائه العجيب، ولوجود أم صفاء فيه، الست اللي شعرها أبيض منكوش وجلابيتها السودا المرقعة الرثة اللي مبتغيرهاش، وقعدتها في البلكونة من نص الليل لقبل الفجر، لا نعرف هي جت منين، ولا ليه اسمها أم صفاءمن الأساس، كل اللي نعرفه عنها حكايات أباءنا وجدودنا، وإنها ست مُعمرة، تعدى عمرها 150 سنة وزيادة، حكايات تبان خزعبلية لينا كأطفال، الناتج منها تخويفنا عشان نسمع الكلام، زي حكايات أبو رجل مسلوخة، وبياع العسل وبتوع الروبابيكيا والساكسونيا، لكن مكناش بنصدق غير حكاية واحدة بس، حكاية أمنا الغولة أو أم صفاء بمعنى أوضح..
مكنش حد بيجرؤ يعدي من قدام بيتها في وقت قعادها في بلكونتها، واي حد كان ظروفة بتجبره ينزل أو يرجع متأخر، كان بيلف من أي شارع موازي لشارعنا عشان متلمحهوش، ومفيش حد شاف منها أي حاجة غريبة، لكن الحكايات عنها مكنتش بتنتهي ومنها:
* إنها ساحرة بتسخر الجن لخدمتها وعندها عشيرة كاملة ساكنة معاها في البيت، وهما اللي بيجبولها طلباتها واحتياجتها .. وكنت بتوقف عند الحكاية دي وانا طفل، واتمنى لو كان عندي عشيرة تنزل تجيب طلبات البيت مكاني.
* وحكاية انها اتجوزت شيطان وخلفت منه صفاء، وبعد ما خلفت الشيطان خد صفاء وراح العالم السفلي فهي اتجننت.
* وحكاية تالتة ان جوزها كان دجال، ومرة حضر شيطان فالشيطان اعجب بيها، فسحرها وجننها وقتل جوزها واختفى.
فضلت اسمع الحكاية دي سنين وسنين، من وانا عدي 4 سنين لحد ما دخلت أولى جامعة، وفي ليلة أم صفاء مخرجتش البلكونة، الناس استغربوا، لكن الأمر عدى ليلتها بس، وبعدها ولمدة أسبوع كامل، أم صفاء اختفت تماما! ده كان غريب جدا على أهل الشارع اللي اتعودوا يشوفوا ام صفاء في بلكونتها لاكتر من 50 سنة مثلا! كل ليلة ودون انقطاع، ومفيش مرة سمعنا ان ليلة عدت وام صفاء مخرجتش قعدت في بلكونتها؟!.
فات أسبوع كمان، لحد ما تمينا شهر كامل، وام صفاء اختفت! بدأوا الناس يتكلموا انهم يدخلوا البيت يشوفوها راحت فين، وفعلا قرروا، لكن الدنيا كانت ليل والأمر ما يسلمش، والنهار ليه عنين زي ما بيقولوا، فقرروا يدخلوا البيت بالنهار..
ليلتها سكان الشارع كلهم اتفزعوا من نومهم على صوت صراخ وعويل ست كأنها فقدت حد من عيالها، والصوت طبعا كان جاي من بيت أم صفاء، لكن ام صفاء لا زالت مختفية، ساعتين تقريبا والصوت مستمر دون انقطاع، لحد ما قرآن الفجر بدأ والصوت اختفى.
الناس خافوا وأجلوا موضوع دخول البيت ده، وتاني ليلة، صحينا على نفس الصوت في نفس التوقيت، والمرة دي لقينا خيال أسود عملاق بطول عمارة 20 دور طاير فوق البيت، هو انسان ذكر، لكن لا ليه ملامح ولا هيئة اقدر اوصفها، مجرد خيال يخلي قلب يوقف من الخضة لما تشوفه، كل واحد دخل بيته وقفل على نفسه واختفى.
تالت ليلة اتكرر نفس الموقف، بس المرة دي شوفنا الخيال ييختفي ويتلاشى زي دخان الحرايق ما بيتصاعد ويختفي جوه السِحب!.
النهارده فات 15 سنة على الحكاية دي، لسه فاكرة زي ما تكون بتحصل حالا، ساعتها اهل الشارع بلغوا الشرطة، ولما جم دخلوا البيت لقوه بيت مهجور، عفش قديم متهالك تالف مغطيه التراب، ومسكن للحشرات والزواحف والقوارض، ومفيهوش اي شيء غريب يذكر نهائي، لا رسومات مثلا على الأرض، ولا كتابات غريبة على الجدران، ولا صور وتماثيل، مجرد بيت قديم بابه موصد ومقفول بجنازير واقفال - اكتر من 10 سلاسل حديدية و20 قفل مصدي - وساعتها البيت جاله قرار ازالة وفعلا بعدها بكام سنة هدموه، ودلوقتي المنطقة كلها اتشالت من أساسها، كل بيوت الشارع..
وفضل الأسئلة معلقة: مين أم صفاء؟ جت منين وراحت فين؟ هل كانت موجودة فعلا؟ ولا كلام الناس هيأ لهم وسحر عنيهم يشوفوا حاجة عمرها ما كانت موجودة؟
في الآخر لقيت إجابة شافية ومقنعة جدا بالنسبالي: إن ربنا ليه في خلقه شئون احنا منعلمهاش، ويمكن تكون مخلوق اتوجد لسبب ما نجهله، ولما خلص مهمته انتهى واختفى، لان من وجهة نظري .. فيه عالم موازي لعالمنا، وليه خصائص وطبيعة خلقة غير اللي احنا نعرفها ومتعايشين عليها في عالمنا الطبيعي، وده كان استنتاجي الشخصي لوجود ام صفاء ... تفتكر الحكايات الشعبية اللي كانوا بيخوفونا بيها زمان وبنخوف بيها ولادنا دلوقتي، واعتقد ولادنا هيخوفوا احفادنا بيهم برضو إلى أن تقوم الساعة، إن يكون ليها أساس حقيقي؟ ولا مجرد حكايات موروثة؟ وهل اتعرضت لحكاية من دول بشكل ما قبل كده؟ سواء بطريقة مباشرة خاصة بمنطقة طفولتك، أو حكاية شعبية سمعتها وكنت بتخاف منها وانت صغير..
تمت..
أم صفاء( أمنا الغولة)
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا