عجز صاحبنا عن كبح فضوله المتزايد يوما تلو الآخر تجاه استطلاع كتاب شمس المعارف، وفي يوم من الأيام بعد انتهائه من امتحانات الجامعة لعامه الأول قرر الذهاب للمكتبة القديمة والسؤال عن الكتاب، وعلى الرغم من أنه استطاع الحصول على نسخة مقلدة ليست بأصلية إلا إنه حينها كان في سعادة غامرة.
انطلق للمنزل وأول ما وصل خبأ الكتاب وانتظر الفرصة المناسبة، وبعدها بعشرة أيام تقريبا ذهب أهله لحضور حفل زفاف ابنة عمهم، فتظاهر بالإعياء وتخلف عن الذهاب معهم، وكان قد قرأ مسبقا ليلا وسرا في كتابه الحبيب؛ وكان قد قرر مسبقا التعويذة الأولى التي يريد تنفيذها، وبالفعل طبق كل شيء، قام بالإتيان ببعض الشموع وعمل على إشعالها وإطفاء كافة المصابيح بالمنزل، رسم الرموز المدرجة للتعويذة وانتظر الإشارة، تذكر القهوة التي وضعها على موقد النار فذهب ليطمئن قلبه وعندما عاد وجد الشمعات قد انطفأت جميعها، كانت هذه الإشارة ولم يعلم بها.
ما هي إلا لحظات ووجد أهله عائدين، تعجب من أمرهم فسألهم لماذا لم يحضرون حفل الزفاف أحدث شيء؟!؛ فتعجبوا من أمره وسألوه إن كان نائما بعد ذهابهم ولم يستيقظ إلا لتوه، نظر للساعة فأصابته صدمة تلقاء ذلك، لم يشعر بالوقت نهائيا؛ انتظر بضعة أيام ولكنه لم يظهر له المارد الذي قام بتحضيره من أجل خدمته على اعتقاده.
فقرر أن يتصيد أقرب فرصة لتنفيذ تعويذة أخرى ولكنها أقوى من الأولى، وكان من أهم شروطها ذبح قطة سوداء، حمل هم القطة السوداء وأين يجدها فقرر ألا يتعب نفسه بالبحث حيث أنه لن يتمكن من ذبح كائن بريء، سمع جرس المنزل ففتح الباب ليجد أمام عينيه قطة سوداء تنظر إليه، فشعر في قرارة نفسه وكأنها جاءته ليفعل بها ما قرأه بالكتاب!
وبالفعل قام بتنفيذ التعويذة بحذافيرها، لقد ذبح القطة السوداء وجعل من دمائها أداة لرسم الطلاسم والتعاويذ على أرضية الحمام، جعل بعضا من دمها وخلطه بدمه، ومن ثم جعل الدماء الممتزجة تسيل من أعلى رأسه على سائر جسده، وجلس للمرة الثانية في انتظار الإشارة؛ ولكن في هذه اللحظات جاء أهله وقطعوا عليه خلوته، فعمد إلى مسح الدماء وإخفاء الدلائل جميعا.
وفي نفس اليوم شرعت الأشياء الغريبة في الظهور، بينما كان عائد من عمله بالإجازة وجد شقيقته الصغيرة تجلس على السلم في الظلام، وعندما صرخ عليها ركضت داخل المنزل، فتبعها وأخذ يصرخ عليها ولما سأله والده عن سبب صرخاته وصوته المرتفع، أخبره الخبر فتعجب من حاله والده وصدمه عندما أخبره بأن شقيقته الصغيرة نائمة منذ وقت طويل، وعندما دخل غرفتها وجدها غارقة في نوم عميق، ووجد ما أدهشه لقد كانت ترتدي ثيابا غير التي رآها بها على السلم!
وبعدها بثلاثة أيام شعر بنوم يطغي على كل جوارحه فوجد نفسه ينام على الأريكة بجانب الحمام، شعر وكأن هناك أظافر ليدين سوداويتين تجذباه لأسفل الأريكة، وعلى الرغم من كل محاولاته للهرب من هذا الإحساس إلا إنه لم يفلح، وعندما فتح عينيه وجدها أمامه، لقد كانت ملكة من الجن من قام بتحضيرها في المرة الثانية وقد قامت بقتل المارد الذي قام بتحضيره بالمحاولة الأولى!
أرادت منه أن يصرفها وحسب، وإلا فإنه لا يعلم مدى خطورة ما ينتظره، إنه لا يعلم طرق الصرف ولم يذكر بالكتاب شيئا مماثلا، شعر بالخوف الشديد من تهديداتها، وأيقن من البداية أن فضوله سيكون يوما سببا في إنهاء حياته بأكملها.
وفي نفس الأسبوع أصيبت والدته بحالة غريبة، فباتت لا تتحدث لأحد ولا تعلم زوجها ولا أطفالها، باتت لا تأكل ولا تنام، وحالتها كانت صعبة على قدر غرابتها، وعلى الرغم من ذهابها بها لأكثر من طبيب إلا إنه لم يكتشف أحدهم علتها نهائيا، باتوا يقيدون أيديها وأرجلها في السرير!
كل ذلك والشاب لم يخطر بباله أن كل هذه الأوضاع بمنزله بسبب ما فعله وبسبب كتابه الأسود اللعين، لوالدته شقيق يعيش ببلاد الحرمين، عندما علم بحالة شقيقته المتدهورة قدم لرؤيتها، وعندما رآها جلس على الأرض فلم يتحمل، لقد علم أن حالتها بسبب الجن!
كان قد علم معالجا روحانيا لسنوات طوال، وتمكن بخبرته الطويلة ما إن شرع في القراءة عليها أن يعلم كل ما حدث لهم جميعا، أمسك بابن أخته وسأله بنبرة تهديد ووعيد: “أين الكتاب؟!”
كان الشاب قد أفلح في إخفائه فوق سطح المنزل، جلب إليه الكتاب وشرع في عمله، وأول ما فعل قام بإحراقه وبدأ في علاج شقيقته، كانت الظواهر الغريبة تتلاشى شيئا فشيئا ولكنها تظهر جميعها للشاب، كان يؤذى ويعجز عن التحدث عما يراه ويلاقيه، أبت ملكة الجن الرحيل عن حياتهم بلا أذية ولاسيما للشاب الذي جعلها رهن كلمة منه!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا