أمي حسينة لأحمد جاسم كرم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-01-29

أمي حسينة 

كان في الزمن الماضي الجميل وبالتحديد في سنة 1950م ميلادي امرأة تدعى أم حسينة، وكانت من الطبقة الفقيرة في المجتمع وذات بشرة سوداء حيث إنها من بلاد الزنجبار، وقد أتت إلى الكويت عن طريق البحر ثم السفر في البر وذلك لطلب العيش الكريم حيث عرفت عن أهل الخليج الكرم وحسن الضيافة، وهذا متعارف عليه منذ آلاف السنين خاصة وأن أهل الخليج امتداد للثقافة العربية القديمة وبلاد الأنبياء - عليهم السلام -، والكثير لا يستغرب هذا الكرم مما جعل أعداد كبيرة من شعوب العالم المختلفة يرغبون في العيش بهذه المنطقة من العالم وترك بالبلد الأم من أجل لقمة العيش الكريمة أو غير ذلك من أسباب التواجد بهذه المنطقة. 

بداية القصة: 

ولدت حسينة في بلاد الزنجبار وبعد ستة عشرة سنة انتقلت برفقة والدها إلى دولة الكويت لطلب العيش حيث أن الزنجباريين كانوا يتواجدون بكثرة في بلاد الجزيرة العربية ومن ضمنها الكويت، عملت حسينة في خدمة البيوت الكويتية وكان والدها يعمل معها في نفس البيت وكانت عند عائلة من عائلات الكويت المعروفة والمشهورة إلى الآن، وقد أشتهر أبناء هذه العائلة بحسن المعشر فأكرموا حسينة وعاملوها بحنان وطيب، حتى اعتبروها فرداً من أفراد الأسرة، وقد سميت حسينة بأمي حسينة لأن أفراد العائلة الكويتية أطلقوا عليها هذا المسمى مما شاهدوه منها من طيب الأخلاق ولحنانها عليهم ومن هنا أتى اللقب حيث كان الجميع يدعونها بأمنا حسينة. 

كبرت حسينة عند هذه العائلة وقررت أن تتزوج، وفعلاً تزوجت من رجل زنجباري من نفس بلدها وأنجبت منه عدداً من الأولاد والبنات وأثناء هذه المرحلة جرت هناك الكثير من القصص والروايات التي كانت تشاهدها وتسمع بها، حيث كانت لأحداث تتكاثر ووجود مثل هذه القصص ليس بالأمر المستغرب، وقد سمعت مثل هذه القصص في جميع الدول الخليجية المجاورة وقد شهدت حسينة هذه الحقبة وعاشت هذه الأحداث وأطلعت على كل تفاصيلها المخيفة، ويبدوا أن الكل في ذاك الزمن عان من هذه الأحداث وتعود عليها ولم تكن من المفاجآت، في هذه الفترة من الزمن لم تكن الكهرباء قد أضاءت البيوت والشوارع - كما هو الآن - على الرغم من أن الجان لا يحب الإضاءة أبداً ولا الأنوار بل يعشق الظلام حيث يستطيعون الخروج والتحرك بحرية فوق سطح الأرض وذلك لتكوين الجان وخلقتهم. 

تبدأ أمي حسينة بسرد القصص المرعبة التي شاهدتها في بيتها وعلى مر السنين الطويلة التي عاشتها داخل الكويت والمواقف المخيفة التي مرت بها لأولادها وكيف كانت تتصرف في الكثير من هذه الأمور. وقد أصبحت قصص أمي حسينة تروى إلى وقتنا الحالي ومن روايتها التي لا تنسى: كانت أمي حسينة حاملاً ومتعبه من شدة الحمل الذي أرهقها وعند وضع المولود الجديد تناست جميع التعب والمعاناة التي كانت تعانيها وبعد أيام من الولادة لاحظت أمراً غريباً، قالت أمي حسينة: "في إحدى الليالي دخلت إلى غرف المولود الجديد بعد أن قمت بأعمال المنزل والاهتمام بأفراد العائلة من إطعام وخلافة وكان المولود الجديد يوضع في سرير متحرك كباقي الأطفال وكان هذا السرير يتحرك يميناً ويساراً لكي يدوخ المولود وينام في هناء وراحة، وهذا السرير موجود إلى وقتنا هذا، وحينما كانت أمي حسينة جالسة خارج الغرفة تتحدث مع أفراد العائلة بكى المولود بصوت عالٍ وبعدها سكت فجأة فأكملت الكلام مع الابن وبعدها بدقيقة بدأ المولود يبكي من جديد فظنت أن المولود بحاجة إلى شيء فقطعت الحديث وذهبت إلى الغرفة فسكت المولود وعندما فتحت الباب فوجئت بأن هناك حية طويلة ملتفة حول السرير تهز السرير كي ينام المولود، وعندما رأت أمي حسينة المنظر خافت وبعد دخولها ذهبت الحية من النافذة ولكن أمي حسينة تعرف أن هذه هي حية البيت وأنها لا تفعل شيء كما أنها لطيفة مع جميع المواليد الجدد وهي ترعاهم بغياب الأهل وتحميهم من أي خطر غير مرئي فهي حية من الجان". 

في حادثة أخرى روت أمي حسينة بأن زوجها كان خارجاً من منزله في أحد الأيام ينوي الذهاب إلى مقابلة أحد أقاربه ممن يسكنون في مكان بعيد، وفعلاً ذهب زوج أمي حسينة وقت العصر وبقى عند قريبة إلى أن حل الليل عليهم وفي طريق عودته إلى المنزل فوجئ بأنه لا يوجد غيره في الشارع وأن الجميع داخل بيوتهم فبينما وهو يسير إلى بيته في الظلام أحس بأن هناك أحد يمشي وراءه على نفس إيقاع خطواته فلم يكترث، ولكن بدأ الشك يدخل قلبه فبينما هو يمشي ألتفت فجأة إلى الوراء فلم يجد أحد سواه وفوجئ بهذا الوضع، فقرر المشي مرة أخرى وتكرر معه هذا الوضع، وتسرب الخوف إلى قلبه فقرر المشي بسرعة أكبر وبالرغم من هذه السرعة إلا أن هذا الصوت لم يختفي، وكلما زاد في سرعته زاد الآخر كذلك، فبدأ بالجري من شدة الخوف فبدأ يجري خلفه عندها قرر زوج أمي حسينة أن يدخل أحد البيوت بعد أن شاهد أحد الأبواب مفتوحاً قليلاً ليتفادى ذلك الشيء وفعلاً دخل من الباب إلى داخل البيت ولحسن الحظ لم يلاحظه أحد فبدأ يطل من فتحة الباب إلى الخارج للتأكد من أنه لا يوجد شيء بالخارج، وأن ذلك الشيء قد ذهب ليكمل طريقه إلى البيت، واستمر داخل البيت لبرهة من الزمن ولم يسمع أي شيء خارج المنزل فقرر أن يخرج للذهاب إلى البيت مهما كانت الأسباب وفعلاً خرج وبدأ يمشي ولم يلاحظ شيء وبينما هو ماشي بدأ البيت يتراءى إليه ولكنه أحس بحجارة ترمى عليه من الخلف .. بدأت بحجر واحد وأخذت في التزايد، ومع ذلك أكمل السير بسرعة أكبر، ومع زيادة سرعته في السير بدأت الحجرات في التزايد فجرى ودخل بيته مسرعاً وحين رأته أمي حسينة أدركت ما جرى له في الخارج فقال لها بأن هناك من يلاحقني ويرميني بالحجر، قالت أمي حسينة له بأن هذا الطنطل وأنه يخرج بهذه الأوقات من الليل وهو من كان ورائك ومن وصفه بأنه طويل جداً ويخرج إلى من يمشي لوحده وأن الطنطل لا يريد بك سوءً بل كان يلعب معك وهو كذلك دائماً ولا خوف منه على الإطلاق وعندما سمع زوج أمي حسينة الموضوع اطمأن قلبه وأدرك أن الخروج في وقت متأخر من البيت لا يجلب سوى المتاعب. 

كانت أمي حسينة تخرج في كل يوم إلى حوش البيت - أي الفناء الخارجي للبيت - كي تضع على جميع زواياه والمنطقة الوسطى منه الطعام لسكان الدار وهم جان يسكنون داخل البيوت ويستقرون بها ولا يدعون أحداً آخر من الجان يدخله سواهم، وكان الطعام عبارة عن سكر وقليل من القهوة العربية يتم توزيعه على خط طويل متقطع وتضع الكمية الكبيرة منه تحت شجرة السدرة المعروفة بأنها بيت الجان وهذا ما كان معروفاً عنها، وفي يوم من الأيام مرضت أمي حسينة ولم تستطع أن تقوم من الفراش لشدة مرضها وقد استغرق المرض حوالي الأسبوع، عندما شفيت من المرض قررت أن تخرج إلى حوش البيت لغسل بعض الملابس، فبينما هي جالسة تغسل سمعت صوت يقول لها: كيف حالك يا حسينة؟ .. ما بالك لم تسألي بنا كل هذه الفترة(، فردت أمي حسينة على الصوت وقالت: كنت مريضة بعض الشيء، فرد الصوت عليها وكان الصوت من تحت الأرض: إننا لم نأكل أكلك اللذيذ ولم نشرب قهوتك الجميلة منذ فترة ونحن قد اعتدنا على هذا فأنت طيبة وكريمة لأنك تهتمين بنا، فقالت أمي حسينة: أنا آسفة على ذلك وسوف أصنع أجمل الطعام لكم، وحينها دخلت أمي حسينة إلى البيت قاصدة المطبخ وأتت بالقهوة العربية اللذيذة وبعض التمر والسكر وبدأت تلقيه على جميع محيط البيت من الخارج، ومن ثم دخلت إلى البيت وتركت الغسيل لبعض الوقت كي يأخذ الجان - سكان الدار - الوقت الكافي ليأكل، بعد فترة من الزمن خرجت أمي حسينة إلى الحوش لتكمل غسيل الملابس فلم ترى الطعام الذي وضعته وبعدها أحست أمي حسينة بأنها أطعمت سكان الدار وأنها لم تدع أحداً يغضب منها وهذا كان حال أمي حسينة.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا