أساطير وحكايات
ج (1)
أساطير من مصر القديمة
دعاء لطفي السيد
1
أسطورة لعنة الفراعنة
يعتقد الكثيرون بأن تلك الأسطورة بدأت في الظهور إلى السطح مع اكتشاف مقبرة الملك الصغير "توت عنخ أمون" ابن الملك "أمنحتب الرابع" الشهير بـ "أخناتون" لكنها في الواقع ترجع إلى زمن أقدم من ذلك بكثير!
بداية سنحكي قصة الملك "توت" نفسه، حتى نفهم كيف عاش ذلك الملك الصغير، حيث كانت الفترة الزمنية التي جاء فيها مليئة بالغموض والمؤامرات الملكية، خصوصاً بعد محاربة كهنة "أمون" لأبيه "أخناتون" بسبب رغبته في توحيد الآلهة المعبودة في مصر القديمة ودمجهم في إله واحد هو "أتون"، الذي كان يتمثل في قرص الشمس، وبسبب محاربة الكهنة لـ "أخناتون".. قرر أن يأخذ زوجته "نفرتيتي" وبناته منها، بالإضافة إلى ابنه "توت عنخ أمون" الذي كان ابنه من إحدى الزوجات الثانويات، وترك "طيبة" العاصمة القديمة لـ "كيمت" (اسم مصر قديما)، ليصنع له عاصمة أخرى جديدة في "تل العمارنة"، وأطلق عليها اسم "أخيتاتون" ومعناها "أفق أتون"، وهي تقع على بعد حوالي 45 كيلومترا جنوب مقابر بني حسن بمحافظة "المنيا"، وقد أتى اسم "تل العمارنة" فيما بعد حين استوطنتها قبيلة تدعى قبيلة "العمارنة".
وبسبب ذلك الإله الجديد "أتون" الذي أراد، "أخناتون" له أن يكون معبوداً موحداً لجميع المصريين، سادت في مصر كثير من المشكلات الداخلية بسبب مخاوف الكهنة على سلطاتهم، لكن أخناتون لم ييأس قط وظل مصراً على أفكاره حتى إنه غير اسم ابنه من توت عنخ أمون إلى توت عنخ أتون، ولكن ذلك لم يعجب كثيراً من كهنة أمون الذي اعتبروه تحديا خصيا لهم، فبدأت المؤامرات تشتعل في البلاط الملكي.. حتى إن قائد الجيوش حور محب قرر أن يسيطر على زمام الأمور عن طريق إبعاد أخناتون" عن الحكم.
واختفى أخناتون فجأة ولم يعرف مصيره إلى الآن وإن كان يرجح بأنه قتل، ثم تم تنصيب ابنه توت عنخ أمون مكانه وكان عمره وقتها 9 سنوات.. وتمت إعادة اسمه القديم إليه بعد أن تم نبذ المعبود الذي حاول أخناتون أن يجعله بديلا أن آمون، وقد تزوج توت من أخته غير الشقيقة من أبيه عنخ إسن أمون، لكن بعض التخمينات تشير إلى أنه لم يحكم فعليا بسبب صغر سنه، حيث كان له وزيران، الوزير آي والذي تسلم الحكم بعد موت توت عنخ أمون لفترة قصيرة قبل أن يذهب الحكم إلى الوزير الثاني والذي هو نفسه، حور محب قائد جيوش الملك أخناتون، وعلى أية حال فإن الملك الصغير توت لم يجلس كثيراً فوق العرش، فقد مات صغيراً في حوالي الثامنة عشرة من عمره، حتى إنه قيل إنهم لم يكونوا قد أقاموا له مدفنا مناسبا لعدم توقعهم تلك الوفاة المبكرة، والمرجح أنه دفن في إحدى المقابر الجاهزة التي لم يصلنا من كان صاحبها الحقيقي بشكل مؤكد، وإن رجحت بعض التخمينات بأنها كانت للوزير "آي" بسبب بعض النصوص الموجودة بها، ولسبب ما، فإن تلك المقبرة ظلت على حالها لآلاف السنين دون أن يعرفها لصوص المقابر بعد أن تمت محاولة سرقتها مرتين بعد وفاة الملك بفترة قصيرة ولكنهم أعادوا معظم المسروقات ثم أعادوا الأختام عليها ومنذ ذلك الحين لم يدخلها أحد، أما الأغرب من ذلك فهو أنه على الرغم من أن دفن الملك الصغير تم بطريقة لائقة تماما بالنسبة إلى ملك، ولكن الاهتمام به عبر التاريخ لم يأت إلا في العصر الحديث بعد اكتشاف مقبرته، أما قديما.. فقد قامت محاولات لإخفاء اسمه واسم والده أخناتون الذي انقلب عليه، حتى إنه تم إتلاف معظم الأدلة التي تشير إلى فترة حكم "توت عنخ أمون"، كما أنه لم يسجل في الألواح التي سجل فيها رمسيس الثاني أسماء أسلافه أيضاً ويبدو أن ذلك كان من الأسباب التي أدت إلى عدم تعرض مقبرته للنهب كبقية المقابر، حتى إنه ومع نقل معظم جثامين الملوك إلى مخبأ الدير البحري فيما بعد من كهنة الأسرة الحادية والعشرين بعد عمليات السلب والنهب التي حدثت لمقابرهم، لم يهتم أحد بنقل جثمانه معهم، وقد يكون السبب هو أن مقبرته لم تكن معروفة لهم بعد أن تم طمس تاريخه تقريباً..
وظلت مقبرة توت عنخ أمون، تنتظر.. حتى جاء هوارد كارتر عالم المصريات، وبدعم من اللورد، كارنارفون وكشف عنها بعد أن ظلت مغلقة لآلاف السنين من دون أن يمسسها بشر.
ومن الحكايات الغريبة التي تم تداولها عند اكتشاف تلك المقبرة، أن عاصفة رملية قوية ثارت حولها في اليوم الذي تم فتحها فيه، بينما شوهد صقر يطير فوقها (الصقر كان يعتبر علامة دينية في مصر القديمة، حيث إنه صورة حورس)، لكن كارتر لم يهتم وهو ينتظر وصول اللورد وقد أطلق على المقبرة المكتشفة اسم مقبرة العصفور الذهبي نسبة إلى عصفور الكناري المفضل له والذي حمله معه عندما جاء إلى الأقصر.
وفي يوم افتتاح المقبرة بعد مجئ اللورد كارنارفون ممول حفريات كارتر سمع كالندر مساعد كارتر استغاثة ضعيفة، فأسرع ليجد ثعبان كوبرا، يمد لسانه إلى داخل قفص العصفور الذهبي الذي يملكه كارتر، فقتل كالندر الثعبان لكن العصفور كان قد مات!
وهناك حكاية غامضة أخرى عن كارتر بأنه بعد اكتشاف المقبرة بعث رسالة إلى عالم اللغويات البريطاني الشهير سير آلان جاردنر طالبا منه الحضور بأقصى سرعة من أجل ترجمة بردية تم العثور عليها داخل صندوق في مقبرة الملك الصغير، قائلا له بأن تلك البردية بما تحتويه من معلومات سوف تغير كثيراً من المفاهيم وتحل كثيراً من الألغاز التي تتعلق بمصر القديمة، فحضر جاردنر على عجل آملا في إن يحقق سبقا علميا ما، وحين تم فتح الصندوق الذي أخبره عنه كارتر وجد بأنه كان فارغا، فتساءل جاردنر عن البردية.. لكن كارتر أجابه إجابة عجيبة حول التباس الأمر عليه لأنهم عثروا داخل الصندوق على قميص داخلي للملك توت بدلا من البردية التي طلب كارتر من جاردنر الحضور خصيصا من أجل ترجمتها! ولم يقتنع أي ممن حضروا الواقعة بما حدث، واتهموا كارتر وقتها بأنه تعمد إخفاء تلك البردية، كما أخفى قبلها عن عمال الحفر عبارات اللعنات التي تتوعد من يتجرأ على فتح المقبرة.
إن ما سبق فقط كان لكي نرى ما وقع على ذلك الملك الصغير من جدل في حياته وحتى بعد وفاته بآلاف السنين.. لكن أغرب ما تعلق به هو ما حدث بعد افتتاح مقبرته التي كانت سببا في ظهور ما يسمى بـ لعنة الفراعنة، بسبب تلك الأحداث الغريبة التي رافقت بعضا ممن احتك بها، ففي سنة 1922 وبعد افتتاح المقبرة مباشرة، حدثت سلسلة من الحوادث عن المقبرة، بالإضافة إلى كثيرين ممن حضروا الافتتاح في ميتات كان بعضها غامضا، وكان ممن ماتوا اللورد كارنارفون نفسه، الممول للبحث، حيث توفي في القاهرة بعد عودته من الأقصر بفترة وجيزة.. وذلك بعد أن ظهرت عليه أعراض المرض ذات صباح حين كان جالساً إلى مائدة الإفطار.. فقال لزوجته أشعر بجحيم داخلي وارتفعت حرارته في ذلك اليوم إلى أن تعدت الـ 40 درجة وأخذ جسده يرتعش بشدة، ثم تحسنت حالته في اليوم التالي قبل أن تعود إليه الحمى من جديد بشكل متكرر على مدى 12 يوما، ورجح الأطباء وقتها أن اللورد أصاب جرحا قديما أثناء الحلاقة ففتحة مرة أخرى مما تسبب في تلوثه، أو أنه أصيب بلدغة بعوضة تسببت في تلك الحمى، وإن لم يفسر ذلك أسباب استمرارها بذلك الشكل المتكرر، ويقول ابن اللورد كارنارفون الذي جاء إلى مصر قاطعا رحلته إلى الهند بعد معرفته بمرض والده: "فوجدت والدي في غيبوبة، وكان هوارد كارتر إلى جواره ومعه والدتي ليدي ألمينا، وفي منتصف الليل في الساعة الثانية إلا عشر دقائق، حضرت الممرضة إلى حجرتي كي تبلغني بوفاة والدي، وما إن وصلت إلى حجرته ورأيت والدتي وهي تغلق له عينيه.. حتى انطفأت جميع الأنوار في المكان فجأة.. فأشعلت القناديل واقتربت من والدي كي أودعه بتقبيل يده ويضيف ابن اللورد كارنارفون: "لم يكن هناك تفسير واضح لانقطاع التيار الكهربائي الذي أدركنا بأنه انقطع عن مدينة القاهرة كلها في نفس الوقت، وحين سألنا شركة الكهرباء لم نجد لديها تفسيراً بعد أن زادوا من غرابة الأمر بأن قالوا إن عودة الكهرباء تمت من تلقاء نفسها وهم لا يعرفون لماذا انقطعت ولا كيف عادت!"، ويقول ابن اللورد بأنه عرف فيما بعد بأن كلبتهم التي كان أبوه يحبها وكانوا قد تركوها في إنجلترا، قامت بعمل شيء عجيب في نفس لحظة وفاة اللورد.. حيث وقفت على قامتيها الخلفيتين من دون مقدمات وأخذت تنبح كثيراً قبل أن تسقط ميتة!
ولهذا تم ربط موت اللورد كارنارفون بما أطلق عليه لعنة الفراعنة.. ولكن كثيراً من التشككات التي ظهرت بعد ذلك كانت تقول بأن الأمر كله كان خاضعا للمصادفات البحتة ودليلهم على ذلك هو هوارد كارتر نفسه الذي توفى في سنة 1939 أي بعد عقد كامل من اكتشافه المقبرة، وقد مات عن سن 64 سنة بسبب سرطان الغدد الليمفاوية، وذلك حسبما أوضح كتاب "لعنة الفراعنة" لـ فليب فاندنبرغ.
ثم توالت الوفيات في السنوات التالية بعد موت اللورد، حيث تبعته زوجته وقيل بأن سبب وفاتها كان لدغة بعوضة أيضاً، وتوفي جورج جاي جولد في الريفيرا بعد إصابته بحمى بعد زيارته للمقبرة، وتوفي كذلك الأمير المصري على كامل فهمي قتلا على يد زوجته وكان ممن حضروا الافتتاح، ثم توفي أخو اللورد كارنارفون غير الشقيق العقيد أوبري هربرت وذلك بعد إصابته بالعماء وتسمم في الدم عن طريق عملية أسنان، وتوفي لف جويل الذي كان من الضيوف الذين حضروا الافتتاح حين تم قتله في جوهانسبرج بالرصاص عن طريق أحد المبتزين، كما توفي السير أرشيبالد دوغلاس ريد الطبيب الذي قام بعمل الأشعة السينية لمومياء توت عنخ أمون، وسبب وفاته كان مرضا غامضا أيضاً، ثم اغتيل الحاكم العام للسودان السير لي ستاك في القاهرة كان ممن حضروا الافتتاح أيضاً، وتوفي عضو فريق كارتر للتنقيب آرثر كراتندن ميس بسبب تسمم الزرنيخ، وتوفي الأخ الثاني غير الشقيق للورد كارنارفون المدعو أوبري هربرت بسبب ملاريا الالتهاب الرئوي، وتوفي السكرتير الخاص بـ كارتر، المدعو ريتشارد بيثيل بعد العثور عليه ميتا في سريره بسبب قصور في القلب كما تم تشخيص حالته وقتها، وقد توفي والده بعد علمه بمصرعه منتحراً حزنا عليه، وفي أثناء مرور الجنازة في طريقها إلى المقبرة دهست عربة الموتى طفلا صغيراً فقتلته.. وعند حلول عام 1929 كان 22 شخصا ممن لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بالمقبرة قد ماتوا على التوالي، منهم 13 شخصا من الذين شاركوا في فتحها، وكان البعض منهم قد أخذ معه بعض التذكارات من داخل المقبرة! فلو أنهم استطاعوا يوما تعبئة "النحس" في زجاجات فقد يشبه ذلك ما حدث مع فتح تلك المقبرة العجيبة!
لكن تلك لم تكن هي الحالات الوحيدة التي ارتبطت بـ لعنة الفراعنة"، بل إنها أيضاً ارتبطت بالكثيرين عبر التاريخ القديم والحديث.. وبعضها كان لأسماء شهيرة للغاية.. مثل:
جان فرانسوا شامبليون:
ذلك الرجل الذي نجح في كشف سر رموز الكتابة الهيروغليفية، مما أدى إلى إزاحة الستار عن تلك الحضارة التي كانت غامضة حتى ذلك التاريخ، فقد درس شامبليون اللغة الديموطيقية، وهو في السابعة عشرة من عمره، واستنتج أن أسماء الأعلام تتشابه بين النصوص المشتركة بين الديموطيقية والهيروغليفية، وقد سبقه في فك رمز اسم بطليموس الطبيب الإنجليزي توماس يونج نتيجة لتكراره في أحد النصوص، ولكنه توقف عند ذلك الحد فقط ولم يكمل فقرر شامبليون أن يستمر في البحث.. فسعى إلى الحصول على صورة نقوش هيروغليفية من فوق احدي المسلات التي كانت تنسب لـ كليوباترا حيث كانت الترجمة الإغريقية للنص معروفة لتكرار اسم كليوباترا بها، فتعرف شامبليون عن طريقه على الرموز الهيروغليفية الدالة على اللام والباء والتاء أو الطاء وهي حروف مشتركة بين اسمي كليوباترا، وبطليموس، ومن ثم استنتاج بأن الرمز السابق لرمز اللام في اسم كليوباترا هو رمز الكاف وفي 14 سبتمبر 1822، حصل شامبليون على نسخ لبعض النصوص الهيروغليفية واستطاع أن يفك رموز الأسماء فيها بشكل صحيح، وقد أدرك بأنه في ذلك الحين قد توصل إلى طريقة ستقوده إلى تفسير النصوص الهيروغليفية وكشف أسرار الحضارة المصرية القديمة، فصاح مهللا في فرحة طاغية وهو يرفع ذراعيه عالياً أمام أخيه الأكبر لقد نجحت.. لقد نجحت.. قالها شامبليون وسقط على الأرض غائباً عن الوعي لمدة خمسة أيام متتالية، وعندما أفاق وصف بعضا من الرؤى العجيبة التي رآها في غيبوبته والتي كانت كلها عن ملوك مصر القديمة وحضارتهم البائدة، وفي 27 سبتمبر 1822 أعلن شامبليون عن اكتشافه في أكاديمية باريس وحظى بقلب أستاذ المصريات، وفي عام 1828 حقق حلم طفولته في أن يسافر لأول مرة إلى مصر على رأس بعثة استكشاف، وبعد عودته من رحلته، أصيب بالشلل لأسباب مجهولة وتوفي بعدها في الثانية والأربعين من عمره، ولم يستطيع أحد تحديد سبب وفاته..
تيودور بلهاريس:
من ذا الذي لا يعرف ذلك الرجل الذي كان السبب الرئيس في اكتشاف ديدان البلهاريسيا، فتم تسمية المرض على اسمه تكريما له، فلقد اكتشف بلهاريس بيض ديدان البلهاريسيا في كليتي إحدى المومياوات المصرية التي يرجع تاريخها إلى الأسرة العشرين، وفي عام 1858 تم تعيين بلهاريس رئيساً للجمهورية المصرية، وفي صيف عام 1862، وصل إلى مصر الدوق، أرنست الثاني"، فرافق بلهاريس زوجة الدوق خلال جولتها في الأقصر، وخلال رحلة عودته إلى القاهرة، وقع بلهاريس صريعا بسبب نوبة حمى عنيفة، وظل في غيبوبة لمدة أسبوعين.. ثم غادر الحياة من دون أن يستعيد وعيه، وعلى الرغم من أن السجلات كانت تقول بأنه مات بالتيفود، إلا أن د. لاوتنز زميله وصديقه الذي كان يعتني به عند إصابته بالغيبوبة كان يرفض ذلك تماما ويؤكد على أن صديقه مات بسبب حمى غامضة وليس من التيفود..
جيمس هنري بريستد:
يعتبر بريستد صاحب أحد أهم وأشهر المؤلفات المرجعية لمصر القديمة بكتابه فجر الضمير، وقد حضر افتتاح مقبرة توت عنخ أمون التي اكتشفها كارتر كذلك لأنه كان واحداً من بعثة البحث التي انضمت إلى كارتر هو وسير ألان جاردنر عالم اللغويات الشهير، حيث كان بريستد أستاذاً بجامعة شيكاغو، وله العديد من الاكتشافات الأثرية في مصر أيضاً منذ وصلها في شبابه عام 1894، الغريب هو أنه على مدى سنوات إقامته في مصر كان يعاني من الحمى، وقال ابنه تشارلز برستيد إن والده كان كلما اقترب سفره من الأقصر.. تعود إليه نوبات الحمى على الفور، فكانت تداهمه عصر كل يوم مع آلام الزور ونوبات رعشة متعاقبة، وظل على ذلك الحال حتى وفاته.
أستاذ المصريات الإنجليزي والتر بريان إيمري:
في يوم الأربعاء 10 مارس عام 1971، كان إيمري يشرف على بعض الحفريات في منطقة سقارة، ومن حين إلى آخر.. كان يعود إلى مقر البعثة لأخذ قسط من الراحة هو ومساعده، وكان المقر عبارة عن منزل صغير في قرية سقارة وهو يستخدم كمخزن وبه مكتب وحمام ولم يكن أي من الأثريين يتخذه مكانا للإقامة، وعندما وصل إيمري مع مساعده المصري على الخولي إلى تلك الاستراحة، ارتمي الخولي فوق إحدى الأرائك من أجل الحصول على قسط من الراحة بسبب شدة إجهاده من عملهم الشاق في الشمس الحارقة، بينما مضى إيمري إلى الحمام، حينها سمع المساعد المصري صوت أنين صادراً من الحمام، فنظر خلال فتحة الباب الذي لم يكن مغلقا بشكل كامل، ورأى إيمري منكفئا فوق الحوض، فأخذ ينادي عليه وهو يسأله إن كان مريضا ولكنه لم يتلق أي إجابة، فدخل إليه ليجده وقد انكفأ على الحوض فاقدا القدرة على الحركة فطلب الإسعاف التي حملته إلى المستشفى البريطاني بالقاهرة، فجاء تشخيص الأطباء للحالة بأنه شلل في الجانب الأيمن من الجسم، وكان إيمري قد فقد النطق تماما في ذلك الوقت، وفي اليوم التالي الموافق الخميس 11 مارس 1971.. مات والتر إيمري!
الدكتور عز الدين طه عالم الأحياء:
نفي الدكتور عز الدين طه وجود ما يسمى بـ لعنة الفراعنة"، موضحا أن هناك بعض الفطريات والسموم التي ربما يكون نشرها القدماء المصريون فوق مقابرهم وبعض أنواع البكتيريا التي تنشط فوق جلد المومياء المتحللة التي عاشت آلاف السنين في حالة سكون فتصيب مكتشفي المقابر، ولكنه قبل أن يثبت فرضيته تلك.. لقى مصرعه في حادث سيارة بعد تصريحاته بأسابيع قليلة وتبين من تشريح الجثة بأن سبب الوفاة هو ضيق التنفس.
العالم الأثري المصري جمال محرز مدير عام المتحف المصري:
يتحدث فيليب فاندنبرج عن لقائه مع العالم الأثري المصري دكتور جمال محرز عام 1972 فيقول: كنا نجلس عند نهاية حوض السباحة في فندق عمر الخيام، وكان حديثنا يدور حول الوقائع الشائعة عن لعنة الفراعنة والتي تتضمن العديد من الكوارث والمصائب والنهايات المفجعة الغامضة لكل من شارك في الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون، وغيره من الملوك القدماء!
فقال د. جمال محرز رداً عليه: إن هناك وقائع غريبة غير مبررة في الحياة، فسألته: "إذن أنت لست متأكداً من صحة ما يقال حول تلك اللعنة؟
فابتسم د. محرز قائلا: "أنا ببساطة لا أؤمن بهذه اللعنة، انظر إلي مثلا، لقد أمضيت حياتي العملية غارقا وسط المقابر الفرعونية، وتعاملت معظم الوقت مع مومياوات الفراعنة، وهأنذا كما ترى، أعيش سليمان رغم كل شيء.
ويقول فيليب فاندنبرج: "بعد أسبوع من هذا الحديث.. توفي دكتور جمال محرك وهو في الثانية والخمسين من عمره بعد أن أصيب بانهيار في جهاز دوران الدم في جسده وإن قيل فيما بعد بأنه كان مريضا بالفعل وكان الأمر متوقعا..
الفنانة لبنى عبد العزيز وحكايتها مع لعنة الفراعنة:
لم تخل السينما المصرية من احتكاك بصورة غير مباشرة مع أسطورة لعنة الفراعنة، فتقول النجمة الكبيرة لبنى عبد العزيز، إنه أثناء تصويرهم لفيلم عروس النيل سنة 1963، والذي كانت فكرته من أفكارها.. فإنه تم تصوير بعض مشاهده في مدينة الأقصر، فتقول الفنانة الكبيرة بأنه لعنة الفراعنة أصابت جميع من في العمل فكانوا يقولون كل صباح يا ليتها ما فكرت، ففي بداية الفيلم أصابها التهاب رثوني وتم نقلها إلى المستشفى ووقف التصوير لفترة مما أدى إلى خسائر فادحة للإنتاج بسبب تأخير الاستوديوهات، فقررت أن تخرج من المستشفى على مسؤوليتها الخاصة، وبدأت في تصوير الفيلم على الرغم من مرضها الذي كان يجعلها تنام في سرير مجاور لكاميرات التصوير ويتابعها الطبيب، وفي إحدى المرات، وقعت كاميرا التصوير على مساعد المخرج من دون تفسير وسقطت متحطمة، غير من توفت أمه ومن أصابته الزائدة الدودية بشكل مفاجئ، غير ما حدث لهم خلال تصويرهم للمشاهد التي تمت في مدينة الأقصر، فحين كانت تصور أحد المشاهد وهي حافية القدمين دخل مسمار في رجلها مما جعلها تنزف، وتكرر الأمر عدة مرات حتى إن الفنان رشدي أباظة كان يضحك عليها دائما وو يقول لها علشان تحرمي تفكري تاني.
أبواق توت عنخ أمون:
من القصص الغريبة التي ارتبط اسمها بـ لعنة الفراعنة، أيضاً، قصة البوقين الخاصين بالملك الصغير توت عنخ أمون، ففي مقبرة توت عنخ أمون تم العثور على نفيرين أو بوقين كان أحدهما برونزيا والآخر فضيا، وكانت أول محاولات العزف عليهما أيام الملك فاروق لكنها فشلت بسبب إصابة البوق بعطب لأنه انكسر، وفي عام 1939 جاء ركس كتنج حد رواد الراديو في إنجلترا ليقنع مسؤولي المتحف المصري بالعزف عل النفيرين في المتحف كي يستمع إليهما في إذاعة "البي بي سي" عدد من المستمعين قد يصل إلى 150 مليونا، وتمت الموافقة على العزف بحيث تتم في المتحف المصري، وقبل خمس دقائق من بدء العزف.. وقعت حادثة غريبة.. فقد انطفأت الإضاءة والفوانيس التي كان يحملها المراقبون..وغرق المتحف في ظلام دامس، فتم إشعال الشموع، ثم قام جيمس تابيرن بالعزف على النفيرين بنجاح لمدة 5 دقائق متواصلة، وتلك كانت المرة الأولى التي يتم فيها العزف على النفيرين بعد 3266 سنة من وفاة الملك توت عنخ أمون الذي توفى سنة 1327 ق.م. وحين بدأ البت، كان هناك لقاء لـ أفريد لوكاس أحد آخر الناجين من فريق عمل كارتر، والذي كان مسؤولا عن استعادة كنوز توت عنخ أمون.. وبعد العزف انتهى البرنامج نهاية عادية، ولكن بعد البرنامج بأشهر.. قامت الحرب العالمية الثانية..
وفي وقت لاحق في سنة 1967.. حاول أحد أمناء المتحف المصري إنكار تلك الأسطورة التي تم تداولها عن النفيرين والتي كانت تقول بأنهما بأوقات حرب وأن العزف عليهما يتسبب في اندلاعها، فقام أمين المتحف بالنفخ في البوق بالفعل وهو يؤكد على أن الأمر كله مجرد مصادفة، وبعدها قامت الحرب بين العرب وإسرائيل وحدثت النكسة..
وتكرر الأمر سنة 1990 من أحد الأثريين الذي قرر تكرار التجربة على سبيل الدعابة لكي يؤكد بأن الأمر كله خدعة، فقامت في ذل الوقت حرب الخليج كي يقف العالم حائراً أمام تلك الأبواق مرة أخرى.
وفي عام 2011.. وصل إلى مصر وفد للمنحة اليابانية المعروف باسم الجايكا.. فأراد أحد الأثريين تحيتهم فقام بالنفخ في البوق، وبعدها بأسبوع.. قامت ثورة يناير التي أطاحت بالرئيس، حسني مبارك..
وكانت هناك واقعة سرقة غريبة تمت فيها سرق البوق البرونزي من المتحف المصري في خلال الفوضى التي حدثت في يوم 28 يناير 2011، ولم يسرق البوق الفضي معه وقتها لأنه كان في جولة في أحد المتاحف خارج مصر، وتمت إعادة البوق المسروق في ظروف عجيبة، وذلك حين تم العثور عليه مع ثلاثة قطع أخرى تمت سرقتها من المتحف بمحطة مترو الأنفاق!
لا شك أن الموضوع قد يكون محيراً أحيانا مع المصادفات المتتالية التي تجعلنا نتساءل، ولكن هل يوجد ما يسمى بـ لعنة الفراعنة، حقا؟ أم أنها مجرد مصادفات عجيبة، أم هل اكتشف قدماء المصريين نوعا من البكتريا التي تنشط نوعا في المقابر ولها القدرة على الانتقال إلى البشر من ذوي المناعة الضعيفة فتصيبهم بالمرض أو الهلوسة التي تجعلهم يتصرفون بغباء، فقد أشار موقع ناشيونال جيوجرافيك إلى أن الدراسات الحديثة أثبت أن المومياوات تحمل العفن والبكتيريا التي من الممكن أن تتسبب في ضيق التنفس ونزيف الرئتين أو حتى الهلوسة!
ولكن تظل الحواديت الشعبية للأهالي الذين يسكنون إلى جوار المعابد المصرية القديمة تؤكد على أن الموت بشكل بشع ومرعب هو مصير كل من حاول سرقة أو تشويه تلك الآثار القديمة، حيث يضربون مثلا لذلك حين حدثت مذبحة السياح بمدينة الأقصر سنة 1997، فقد وجدوا كل من نفذوا تلك العملية مقتولين جميعا داخل إحدى المغارات القريبة من معبد الدير البحري بالبر الغربي بالأقصر، بالقرب من مكان جريمتهم، ويقال بأنه لم يتم معرفة من قتلهم حتى الآن! ويردد الأهالي بأن ما حدث لهم هو نتيجة للعنة بسبب قتلهم زوار المعبد والحاقهم الضرر به!
كما أن هناك قصة أخرى، لكنها أقدم كثيراً، فهي ترجع إلى عصر قمبيز ملك الفرس الذي نصب نفسه ملكا على مصر بعد أن أحتلها من سنة 522 وحتى سنة 525 قبل الميلاد، لكنه كان مخبولا للغاية، حيث إنه قتل 2000 مصري انتقاما من أهالي منف (ميت رهينة حاليا بالبدرشين في محافظة الجيزة) بادعاء أنهم قتلوا طاقم السفينة الفارسية الذي كان عددهم 200 رجل والذين أتوا إلى كيمت (اسم مصر قديما) من أجل عرض شروط السلام، وليس ذلك فقط بل إنه قام بعمل بشع في مدينة "سايس" حين أخرج جثة "أحمس الثاني" من مدفنة وضربها بالعصا ونكل بها ثم قام بإحراقها ضاربا عرض الحائط بالديانة المصرية التي تحرم ذلك، كما أنه هدم معابد "هليوبوليس" وحرقها ودمر بعض الآثار، فلم يزد ذلك الشعب المصري سوى كره له، وحين أدرك عدم جدوى سياسة التخويف التي مارسها مع المصريين حاول التودد إليهم، فأراد أن يظهر بعض الاحترام لآلهتهم كي يكتسب حبهم بعد كل ما فعله، فحاول خداعهم بأنه مؤمن بـ أمون، ولكن كهنة أمون ضربوه في مقتل، ففي معبد واحة "سيوه – سيخت آم" الشهير بالتنبؤ عبر التاريخ، بعثوا له بنوءتهم التي تقول بأنه سيهزم، وستكون نهايته مؤلمة، فجن جنون "قمبيز" حتى إنه أرسل حملة إلى اللوحة لهدم المعبد، وكان قوام تلك الحملة 50 ألف جندي حسب ما ذكره المؤرخ هيرودوت، ولكن يقال بأن عواصف شديدة هبت عليهم وهم في طريقهم إلى هناك، فدفنوا تحت الرمال ولم ينج أحد منهم، وإلى الآن لم يتم العثور على جيش قمبيز المفقود في صحراء مصر الغربية!
أما بالنسبة إلى النبوءة الخاصة بـ قمبيز نفسه، فقد وصلته أخبار سيئة عن بلاده وهو في سوريا، وعندما كان يهم كي يركب جواده، أصابه نصل سيفه في فخذه، وتوفي بعدها متأثراً بتسمم جرحه، فجن جنون الفرس بعد تحقق نبوءة كهنة أمون بشكل كامل..
وقد لاحقت تلك اللعنة أيضاً بعض المسلات المصرية التي تم نقلها إلى خارج البلاد في عصور مختلفة مثل:
مسلة الفاتيكان:
وهي تعتبر أكبر مسلة مصرية في الخارج، وكانت في عين شمس قبل أن ينقلها بعض أباطرة اليونان من مصر، وقد أقامها الملك، تحتمس الثالث، ومات قبل أن ينتهي منها فقام بإكمالها ونصبها حفيده تحوتمس الرابع، وفي عام 330 أمر قسطنطين الأكبر عاهل الدولة الرومانية بنقلها من مكانها في هليوبليس (تقع في عين شمس والمطرية حاليا) إلى مدينة الإسكندرية، تمهيداً لإرسالها إلى بيزنطة لتجميل عاصمة ملكة الجديد، لكن محاولة نقل المسلة الضخمة إلى بيزنطة واجهت عدة صعوبات فبقيت مكانها على شاطئ الإسكندرية لمدة 27 عاما، حتى قام ابنه قسطنطينوس عام 357م بنقلها إلى روما، وأعطى أوامره بإقامتها في ميدان مكسيموس، ويحدثنا المؤرخون هنا عن لعنة قد أصابتها من وقت نقلها من هليوبليس، فلم يتمتع الإمبراطور قسطنطين برؤيتها تزين عاصمة ملكه، وقد تبعت اللعنة ابنه، فبعد المجهود الشاق الذي لاقاه في نقلها من الاسكندرية إلى روما، وحين أرادوا الاحتفال بإقامتها، فإذا بها تتصدع فجأة عند محاولة رفعها، وبعد وقت قليل وقبل أن تمر السنة على وصول المسلة، مات الإمبراطور قسطنطينوس فتركت المسلة مكانها ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو محاولة ترميمها أو نقلها، وفي عام 1587 أي بعد مرور حوالي 1230 عاما على نقلها إلى روما، فإنها وجدت محطمة إلى ثلاث قطع، فقام رومينكو فونتانا بأمر من البابا سكوتش الخامس، بترميمها وإقامتها أمام كنيسة القديس يوحنا باللاتيران.
مسلة لندن:
يبدو بأن الملك تحوتمس الثالث، كان سيئ الحظ في المسلات التي أقامها فلا تكاد تستقر في مكانها أبداً، فقد كانت المسلة الثانية التي تم نقلها إلى لندن من مسلاته أيضاً، وهي إحدى المسلتين التوأمتين التي أقامهما أمام معبد الشمس بـ هليوبليس (وتوأمتها الأخرى هي الموجودة الآن في مدينة نيويورك)، وقد نقلهما مهندس إغريقي يدعى بنتيوس إلى الاسكندرية ليتم وضعهما أمام معبد إيزيس، وقد سقطت تلك المسلة من فوق قاعدتها في القرن الرابع عشر الميلادي، ثم أهداها، محمد علي باشا إلى بريطانيا، عام 1831م، حيث ظلت ملقاة على الأرض لوقت طويل بعدها لعدم التمكن من نقلها، حتى تكفل السير أرزمس ولسن فيما بعد بحل تلك المشكلة، فصنع لها سفينة خاصة تجرها باخرة من أجل نقلها، وقيل بأن السفينة أصيبت بـ لعنة الفراعنة حتى إنها تعرضت في طريقها للغرق نتيجة لتعرضها إلى عاصفة في خليج بسكاي فاصطدمت الباخرة بباخرة أخرى، مما أدى إلى فقدان عدد من رجالها، فتم فصل السفينة الحاملة للمسلة عن الباخرة كي لا تغرق الأخيرة بمن عليها، وتركوا المسلة لمصيرها الذي كانوا متأكدين بأنه الغرق، ولكن ما حدث هو أنهم وجدوا السفينة فيما بعد سليمة تماما وأرسلوا سفينة أخرى لتقطرها، وقيل في بعض الأساطير بأنهم وجدوها ترسو هائة بالقرب من أحد السواحل، كما قالوا بأن "عين حورس" المنقوشة فوقها هي التي حمتها، ثم سقطت تلك المسلة في لندن فوق عمال كانوا يعملون على تركيبها بعد تقطع الحبال التي كانت تربطها ولكنها نجت بطريقة عجيبة أيضاً من دون خدش أو ضرر!
***
فهل يوجد تفسير علمي ما لتلك الأسطورة التي تم إطلاق اسم لعنة الفراعنة عليها بعد كل ذلك، أم أن هناك شيئاً آخر لم ننجح في تفسيره بشكل سليم؟
أظن بأنه ما زال أمامنا الكثير مما لم يتم فك غموضه بعد عن تلك الحضارة العظيمة، فنحن لم ننجح سوى في معرفة أقل القليل عنها حتى الآن، وما زالت أعماق الأرض التي تكشف لنا كل يوم عن كشف جديد شاهدة على أن ما يختفي في الأعماق أكثر كثيراً مما ظهر.
***
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا