الخرافات والمعتقدات في العالم
إن الإيمان بالخرافات والمعتقدات لم يأت من فراغ، إنما هو ميراث تاريخي توارثته الأجيال منذ قديم الزمان عبر العصور سواءً كان ذلك أساطير أو خرافات أو ممارسة شعائر بمختلف أنواعها وأشكالها.
وقد لعب الجهل دوراً كبيراً في انتشار هذه الخرافات والمعتقدات غير العقلانية التي لا أساس لها من الصحة، والتمسك بها والتعايش معها. كما أنها تتغلغل داخل المجتمع وتتوارث، وقد بلا تزول بزوال الجهل في بعض الأحيان لأنها ذات جذور عميقة ومتشعبة بداخله. ويرجع انتشار الخرافات والمعتقدات إلى تدنى المستوى التعليمي والثقافي عند المجتمع.
ولكل مجتمع إنساني معتقداته وخرافاته التي تتحكم به وتسيطر عليه، لكنها بلا تفسير واضح لأن أصولها الأولى ضاعت وتلاشت.
وهنالك خلط بين المعتقد والخرافة عند أغلب الناس ولهذا فقد أحببت أن أوضح لكم الفرق بينهما.
وخلاصة القول ...
أن الأدب الشعبي، أي الأسطورة والحكاية الشعبية، على اختلاف أوطانه وتنوع ثقافات شعوبه، أدب راقٍ وإن كان يستعين باللهجات العامية أو المحلية أحياناً.
الخرافة والمعتقد
تعريف الخرافة
هي الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود أسباب عقلانية أو منطقية مبنية على العلم والمعرفة، وترتبط الخرافات بفلكور الشعوب حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثاً تاريخياً تتناقله الأجيال.
"والخرافة هي الأسطورة، والأسطورة هي الخرافة والحكاية التي ليس لها أصل".
وحسب لسان العرب لابن منظور فإن "الخرافة هي الحديث المستملح من الكذب وقالوا: حديث خرافة، ذكر ابن الكلبي في قولهم حديث خرافة أن خرافة من بني عذره أو جهينة اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه فجرى على ألسن الناس"
فالخرافة تعتبر من القصص القصيرة التي تحمل مغزى ومعنى أخلاقي وغالباً أشخاصها وأبطالها كائنات أو جمادات.
تاريخ الخرافة:
لقد ارتبطت الخرافة منذ الأزل بحياة الإنسان، ومنشأها تفسيرات خاطئة للأحداث الطبيعية المختلفة التي تدول حوله وفي البيئة التي يعيش فيها، وخوفه من المجهول الذي يترصد به. وأحياناً يلعب الفضول وحب الاستطلاع دوراً في صنع هذه الخرافة.
وتأتي الخرافة على أنماط مختلفة؛ دينية أو ثقافية أو اجتماعية. فعلى سبيل المثال القط الأسود يتم ربطه بالتشاؤم والأحداث المرعبة التي تأتي من ورائه، وأنه تتلبسه الشياطين، ربما المواقف أو أحداث قد يكون مر بها الإنسان وعايشها مع هذا القط. فالخرافة هي سلوك ليس له أصل أو تفسير تاريخي أو عقلاني، أو قد تكون لتاريخ مفقود تقادم عليه الزمن ونُسيت قصته الحقيقية وبقى خرافة.
وكما ذكرنا من قبل فإن الخرافة قد تكون قصة قصيرة تحمل معنى أخلاقي. ولقد وصل إلينا إرث لا يستهان به من القصص الخرافية من مختلف الحضارات القديمة كالفرعونية، اليونانية، الصينية، الهندية والفارسية، ولكن اختلف في أيها كان له السبق في هذا المجال.
وعلى الرغم من ذلك، فيعتقد أن من أقدم الخرافات المكتوبة في العالم هي التي وصلت إلينا من خلال كتاب (كليلة ودمنة) لإبن المقفع. فكتاب كليلة ودمنة هو نسخة مترجمة عن البينج تنترا (البنشاتنترا)، وتعني الفصول الخمسة، من تأليف الفيلسوف الهندي الذي عرفه إبن المقفع بإسم بيديا، أي الرجل الحكيم باللغة السنسكريتية. وقد احتوت البنشاتنترا على مواعظ وحكم أنطق بها كاتبها الجماد والحيوان والنبات إلى جانب الإنسان.
ويمكن القول إن هذه القصص هي الأكثر انتشاراً في العالم حيث تم ترجمتها إلى اللغة الفارسية ومنها وصلت إلى الأديب ابن المقفع فدوَّن وسطَّر أجمل قصص الكائنات الحية في كتابه الشهير (كليلة ودمنة) وزاد عليه أجزاء أخرى تعتبر من روائع الأدب في العالم أجمع وتوالت بعد ذلك الترجمات التي وصلت إلى أكثر من خمسين لغة وكان لها أثر كبير على الأدب في البلدان التي ترجم لها.
أما في شبه الجزيرة العربية، فتعتبر الجاهلية بداية انحدار وزمن انتشار الخرافة. وروي عن ابن خالويه "أن هذا اللفظ أطلق في الإسلام على الزمن الذي كان قبل البعثة".
وعصر الجاهلية هو الزمن الذي كثر فيه الضلال والجهل وهو زمن الكفر مطلقاً فهذه الفترة قد أنتجت الخرافات والمعتقدات عند جميع الشعوب.
وخرافات الأمم والشعوب ومعتقداتها لا تُحفظ إلا بعد أن تُكتب وتُدون في أدبها وتاريخها. فأدب الشعوب السامية قليل وكل ما وصل إلينا في الوقت الحاضر عن خرافات العرب مع أساطير الساميين إنما هي أخبار ومعلومات مبعثرة ومتقطعة لأن الأدب القديم لعرب الجاهلية قد ضاع وذلك لانعدام صناعة الكتب عندهم. كما أن الأدب الجاهلي مع الأسف قد دُوّن في عصر متأخر من عصور الجاهلية لهذا لا يُعد مستنداً تاريخياً عند العلماء.
وثد وُجدت الخرافة والمعتقد عبر التاريخ في معظم المجتمعات البشرية ويؤمن بها بعضهم حتى أولئك الذي تلقوا تعليماً عالياً.
إن المعتقد أو الأسطورة أو الخرافة ليست بأشياء ثابتة، بل إنها قابلة للتغيير عبر الزمن، وغالباً ما تستند إلى شعائر دينية تؤديها أو تفسرها، ولا يتم تأليفها إلا بعد ضياع الفكرة الأساسية التي دعت إلى الاعتماد على تلك الشعائر الدينية أو التقاليد والعادات الشعوبية.
فدراسة الأسطورة أو الخرافة هي دراسة كل ما سطره الجاهليون تاريخاً أو عقيدة لأن العلم كان محدوداً في ذلك الزمان، وهي صورة من سور الفكر البدائي عندما كانت مطبوعة في الأذهان، فالخرافات هي موروثات شعبية بنكهات عصرية تنشط في لحظات الخطر وفقدان اليقين.
ويربط البعض بين الخرافة والأسطورة ويجعل منهما شيئاً واحداً، بينما يجعل البعض الآخر من الخرافة لوناً من ألوان الأسطورة. وفي تراثنا العربي يوجد تلازم بين الحكايات الخرافية والأساطير يجعل الفصل بينهما مستحيلاً لأن الفروق التي بينهما تكون ذائبة تماماً، فالأساطير تسرد أعمالاً بتفصيلاتها الخرافية.
وبعد نزول القرآن الكريم ورد ذكر أساطير الأولين في تسعة مواضع وذلك في سياق تكذيب المشركين لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله سبحانه، حيث كان المشركون يصفون ويتقولون على القرآن الكريم بأنه أساطير الأولين أي بمعنى خرافات الأولين. قال تعالى:
* {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)} [سورة الأنعام: 25]
* {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)} [سورة النحل: 24]
* {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)} [سورة المطففين: 13]
* {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)} [سورة الأنفال: 31]
ولهذه الآية الكريمة حدث وقصة.
كان النضر بن الحارث من زعماء مكة من الذين يقودهم إلى طريق الغواية والضلالة، ذهب إلى بلاد فارض وأحضر قصصاً عن ملوكهم. فلما جاء إلى مكة، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، فقال للمشركين: لو شئت لقلت مثل هذا ودائماً يرد (قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا). فكان كلما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن، أتى بعده النضر ويجلس ويحدث الكفار بأخبار ملوك الفرس والروم وغيرهم من الحضارات ويتحدى بالقول: أينا أحسن قصصاً؟ أنا أم محمد؟ سبحان الله، تعالى عما يقولون علواً كبيراً.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا