الغول
وغولاً قفرة ذكر وأنثى كأن عليهما قطع البجاد
الغول في اللغة من غاله غيلة واغتيالاً وهو الإهلاك غدراً والرجل الداهية يقال عنه غول، والخمر غول لأنها تغتال العقل لذلك قال الله تعالى عن خمر الجنة {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] أي لا تغتال عقولهم بالسكر، وقيل من التلون والتبدل فيقال تغولت المرأة لزوجها أي تجلت له وتصنعت وفي ذلك يقول الشاعر:
فما تدوم على حال تكون بها كما تلون في أثوابها الغول
وقال عباس بن مرداس:
أصابت العام رعلاً غول قومهم وسط البيوت ولون الغول ألوان
والغيلان عند العرب هم سحرة الجن ساكني الفلوات الذين يوقعون بالمسافرين في الفيافي فيهلكونهم وربما يأكلونهم أيضاً يقول ابن الأثير في النهاية: الغول: أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً: أي تتلون تلوناً في صور شتى، وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم.
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا غول) ولقد فسر العلماء هذا الحديث بأن النبي لم يقصد نفي جنس الغول، وإنما نفي المعتقد العربي فيه وأنها لا تستطيع أن تضل أحداً مع ذكر الله والتوكل عليه، أما الغول نفسه فقد وردت آثار تثبت وجودها.
ويذكر أن الغيلان ذكرت عند عمر بن الخطاب قال أن أحداً لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا.
وهذا الكلام يوافق ما سبق ذكره من أن الغيلان هم سحرة الجن لذلك فهم قادرون على التبدل والتلون في الأشكال كما ورد عن عمر رضي الله عنه.
* * *
ما لا تستطيع الغول تغييره:
كان العرب يعتقدون أن رجلي الغول كرجلي العنز - وقد انتشر هذا المعتقد فيما بعد على جميع الجن - فكان أحدهم إذا عرض له الغول في الفيافي يصيح مرتجزاً:
يا رجل عنز انهقي نهيقاً لن نترك السبب والطريقا
واعتقدوا أيضاً أن الغول مهما تبدل وتلون في الأشكال إلا أن هناك شيئان لا يستطيع الغول أن يغيرهما في خلقته وهما رجله فهي كما قلت كرجل العنز والشيء الآخر العين فهي عندهم مشقوقة بالطول وليس العرض، أي أن محجر العين بالطول وهذا تفسير والتفسير الآخر أن إنسان العين (النني) طولياً كعيون الثعابين والقطط، وفي هذا يقول الشاعر:
وحافر عنز في ساق مدملجة وجفن عين خلاف الإنس بالطول
* * *
قتلة الغيلان:
وتذكر كتب الأدب العربي بعض من لقوا الغول في الصحاري فقاتلوهم وقتلوهم ومنهم الشاعر الفحل (أبو الغول الطهوي) صاحب القصيدة الشهيرة من شعر الحماسة والتي مطلعها:
فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدقوا فيهم ظنوني
فيحكى أنه لقي الغول فقتلها فلقب بأبي الغول.
ومنهم أيضاً الشاعر الصعلوك الشهير (تأبط شراً) وهو ثابت بن جابر الفهمي من بني فهم وإنما لقب بتأبط شرا لأنه قابل الغول فصارعها وقتلها ثم حملها تحت إبطه وعاد بها لقبيلته فرآه الناس فقالوا أن ثابت قد تأبط شراً.
ويحكي تأبط شراً هذا اللقاء العجيب ومصارعته للغول في قصيدة عجيبة يحكي فيها كيف لقيها في مكان يسمى (رحى بطان) وأنها حاولت التلون له وإغوائه ولكنه تنبه لها فحمل عليها بالسيف فضربها ضربة جندلتها وأن الغول وهي تصارع الموت طلبت منه أن يضربها ضربة أخرى (ومن هنا جاء الاعتقاد بأن الغول تموت من ضربة واحدة وأن حاولت أن تضربها ثانية تقوم وتصح) ولكن تأبط شراً لم يقع في هذه الحيلة وتركها تموت وانتظر حتى الصباح ليرى ما هذا الشيء الذي قتله فوجد مسخاً دميماً هو خليط من أشكال حيوانية ووبر وشعر كثيف.
وإليك قصيدة تأبط شراً وصراعه مع الغول.
ألا من مبلغ فتيان فهم بما لاقيت عند رحى بطان
بأني قد لقيت الغول تهوي بسهب الصحيفة صحصحان
فقلت لها كلانا نضو أين أخو سفر في أي مكاني
فشدت شدة نحوي فأهوى لها كفي لمصقول يماني
فأضربها بلا دهش فخرت صريعاً لليدين وللجران
فقالت عُد فقلت لها رويداً مكانك إنني ثبت الجنان
فلم أنفك متكئ لديها لأنظر مصبحاً ماذا أتاني
إذا عينان في رأس قبيح كرأس الهر مشقوق اللسان
وساقا مخدج وشواة كلب وثوب من عباء أو شنان
* * *
صديق الغيلان:
ومن العرب من عرف عنه إنسه بالجن وتفضيله لصحبتهم عن صحبة الناس ومنهم الشاعر الصعلوك (عبيد بن أيوب العنبري), وقد كان لصاً وهو من الشعراء الصعاليك ولكنه لم يكن من صعاليك الجاهلية بل من صعاليك العصر الأموي كان مطلوبا للمحاكمة فخاف وفر هارباً في البراري والقفار وكان يزعم أنه يصادق كثير من أصناف الجن مثل الغول والسعلاة (السعلاة هي صنف من الجن وهو أنثى تشبه الغول في تلونها) حتى سخر منه الناس وظنوا به الجنون فقال يرد على لائميه.
وساخرة مني ولو أن عيونها رأت ما ألاقيه من الهول جنت
أزل، وسعلاة، وغول بقفرة إذا الليل وارى الجن فيه ارنت
وكان عبيد بن أيوب خائفاً من البشر أشد الخوف ولم يعد يطيقهم حتى أنه يقول لم أعد أعتقد أن الناس ينظرون إلى أحد غيري وإذا رأى اثنين يتهامسان ظن أنهما يتكلمان عنه َ
لقد جفت حتى خلت أن ليس ناظر إلى أحد غيري فكدت أطير
وليس فم إلا بسري محدث وليس يد إلا إليّ تشير
ويصف خوفه أن لو رفت حمامة بالقرب منه لطار فزعاً وظن أنها صوت قوم يريدون أخذه:
لقد خفت حتى لم تمر حمامة لقلت عدو أو طليعة معشر
لذلك اعتزل الناس وهام في البراري يستأنس بالوحوش والغيلان وفي ذلك يقول في قصيدته المشهورة.
فلله در الغول أي رفيقة لصاحب قفر خائف متنفر
أتت بلحن بعد لحن وأوقدت حولي نيران تلوح وتزهر
فغريب أمر هذا الخائف الذي لو رفت بالقرب منه حمامة لطار فزعاً ولكنه يأنس لمخالطة الغول والسعلاة ويفضلها على صحبة بني البشر!!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا