(قصة)
(العقد الشيطاني الأخير)
"كل إنسان له جانبه المظلم الذي يكمن داخله، وهذا الكائن الغامض إذا ارتد عنك، وتجسد بصورته الحقيقية أمامك، ينتج شيء من اثنين، إما أن تقضي عليه أو هو الذي سيقضي عليك.. وغالباً هذا ما يحدث".
مقدمة
في شاشة الحاسب الآلي يظهر مشهد غريب، كان يلتقط بثاً مباشراً لمكان مظلم.. غرفة يقيد داخلها ثلاثة رجال وامرأتان لأعمار مقتربة، جميعهم ملقى على الأرض بمسافات قريبة، كانوا مقيدين بحبال سميكة.
يقف ظل أمام شاشة الحاسب الآلي يدخن السيجارة بعمق، ينبعث الدخان منها بغزارة والتف ليبتعد عن الحاسب الآلي ليقف أمام شاشة التلفزيون، التقط جهاز التحكم ليرفع مستوى الصوت.
كان يظهر على شاشة التلفاز مذيع يبدو عليه الانزعاج، حين ارتفع صوت التلفاز، قال المذيع:
- لحد دلوقتي ما جلناش أي خبر عن المختطفين، إزاي ست كتاب مشهورين يتخطفوا كده لأ مش بس كده دا مدير دار (القمة) اتخطف، وكان في تعامل بين مدير الدار والمؤلفين، تعامل في النشر و....".
أخفض الظل صوت التلفاز وتوجه إلى الحاسب الآلي. أطفأ السيجارة في منفضة بجانب الحاسب الآلي، ونظر إلى البث، ثم قال بصوت أجش:
- لسه بدري عليكم قوي لحد ما تكتشفوا الباقي.. أو اللي هيحصل.
يرقد على الفراش (نجيب).. الكاتب المشهور (نجيب عبدالحي سلامة) في فترة قصيرة للغاية قد تمكن من الشهرة وحب الناس بكتاباته وأفكاره الغريبة والمشوقة، وتداول موضوعات لم يسبق لأحد أن قرأ عنها.
لم يكن (نجيب) ينوي أن يصبح كاتباً مشهوراً، إنه في الأصل كان مهندس إلكترونيات، يقيم في الخارج للعمل في (إنجلترا.. لندن) مع زوجته الإنجليزية.
بعد خلاف بينهما- أدى إلى الطلاق- عاد (نجيب) من الخارج في حالة مزرية، وبعد ذلك قد قرر كتابة الأدب.
رن منبه بجانبه، فاستيقظ مسرعاً، يجب أن يذهب إلى دار النشر اليوم، تأهباً لروايته الجديدة، ذهب إلى الدار للاتفاق على بعض التعديلات في الرواية، إنه ذاهب إلى دار (القمة) للنشر والتوزيع.
يجلس (لطفي داغر) على مقعد خلف مكتبه في دار (القمة) للنشر، ويجلس (نجيب) على مقعد بجانب المكتب، ثم قال (لطفي):
- على فكرة الرواية حلوة أوي، ومش محتاجة تعديل، سيبك من أني مدير الدار وأنت الكاتب، إحنا صحاب.
ابتسم (نجيب) بلطف وقال:
- عارف... بس أنا شايف حاجة تانية فا... لو..
- من غير ما تكمل، أنا كنت بس بقول رأيي، المهم هتعرف تخلص التعديل دا قبل المعرض بشهر.
- لأ... أنا أصلاً مخلصه.
وأخرج فلاشة من جيبه، وأعطاها له، ابتسم (لطفي) وهو يقول ساخراً:
- على طول أنت مخلص، آه الكل جاي دلوقتي.. أنت قاعد.
- ودي فيها كلام.. أنا قاعد فوق دماغكم.
- ماشي.
- في حاجة نفسي أسألها لك من زمان.
- اسأل.
- اللوحة دي اللي مكتوب فيها معناه إيه.
كان يشير إلى الحائط الذي خلف (لطفي).. ابتسم (لطفي) وقال:
- جملة لاقوها زمان في كهف حجري في أوروبا، بس أنا مش عارف معناها.
نظر (نجيب) إلى الجملة المعلقة داخل اللوحة بجمود، وقال سراً:
"أنت كاذب فاشل... وأنا أعرفك جيداً".
كانت الجملة بكتابة غريبة
؟؟؟
تحدث (نجيب) قائلاً:
- أنا كمان هغير اسم الرواية.
- هتخليها ايه.
- افتح ملف الوورد وشوف بنفسك.
التقط (لطفي) جهاز الحاسب الآلي، انتظر ثواني ليفتح، ووضع الفلاشة ثم فتح ملف الوورد، همهم وهو يقرأ العنوان، نظر إلى (نجيب) وقال مستغرباً:
- إيه!!!
- آخرين قرار داد دميون.
- دا إيه دا؟!!
ابتسم (نجيب) وقال مستنكراً:
- لما تعرف الكتابة اللي وراك الأول... أبقى أقول إيه دا.
- هتفضل طول عمرك كده، بس مش مهم... الرواية رعبتني بجد.
- شوفت، مع أن دي أول مرة أكتب فيها رعب.
- مش هتبقى آخر مرة... دي تحفة.
- أكيد.
نظر (نجيب) إلى ساعة يده، وانتصب واقفاً ثم قال:
- أنا همشي.
- مش قولت إنك قاعد.. علشان الشلة على وصول.
- شلة.. عيب دا أنت أكبر مني بست سنين، على العموم لما يوصلوا هاتهم وتعالى.
- ليه كدة بس.
- أصل عايزكم تشوفوا بيتي الجديد.
- أنت عزلت من غير ما تقول لي.
- لسه من يومين.
التقط (نجيب) ورقة وقلماً من أمام (لطفي) ودون العنوان عليها، أخذ (لطفي) الورقة وتفحص العنوان.
- المقطم.. مبروك، يوصلوا ونجيلك.
- وأنا مستني.
هذه الفيلا الصغيرة قد تم شراؤها منذ شهور، عندما قرر (نجيب) أن يبتعد عن منزله لفترة، كان جالساً شارداً، ينتظر أصدقاءه.. إنهم في طريقهم إلى بيته، دق جرس الباب، نهض وفتح الباب ليجدهم واقفين أمامه..
- مرحباً.
جلسوا على مقاعدهم.. (لطفي) والكاتبة (رنا إبراهيم) والكاتب (محمود سمير) والكاتب اللبناني (لؤي سميح) والكاتب الجزائري (أحمد محمد عبدالفتاح) والكاتبة (سارة موريس).. أما عن (نجيب) فأحضر لهم بعض المشروبات وجلس معهم، جميع الكتاب الذين وصلوا بجنسياتهم، كانوا يتكلمون العربية المصرية بطلاقة.
قال (نجيب):
- أنا عاملكم مفاجأة.
بعد اختطاف هؤلاء الروائيين، تم تحديد مكانهم بعد يوم تقريباً من الاختطاف، رصد رجال الشرطة المكان عن طريق الأجهزة، كان المكان مخزناً عملاقاً على طريق (إسماعيلية الصحراوي).
تحركت قوة من القوات الخاصة إلى المكان مسرعة، كان معهم الرائد (علاء الجهيني) من (الأمن الوطني) الذي تم تحويل ملف القضية إليه بعدما اكتشفوا أن للقضية علاقة بأمن البلد، وقد قرر الرائد (علاء الجهيني) أن يذهب مع القوات الخاصة ليتابع معهم، جرت القضية بشكل سريع لأنه تم إطلاق حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور منذ شهر، فكان من السهل أخذ إجراءات كثيرة دون الرجوع إلى النيابة.
وصلت سيارات الشرطة إلى المكان، وترجل منها جميع القوات الخاصة بزي أسود وقناع أسود أيضاً يخفي وجوههم ما عدا العينين فكانوا يرتدون نظارات كبيرة، وعددهم يتجاوز الثلاثين. يمسكون الرشاش الآلي بقوة.
ارتدى الرائد (علاء) واقياً من الرصاص، سحب مسدساً ووضعه في خصره وآخر في يده، نظر إلى قائد القوات وأشار له بالاقتحام فهز رأسه إيجاباً ثم أشار إلى القوات للاقتحام، تقدمت القوات في صفين متوازيين.
كان أمامهم باب عملاق، تقدم اثنان من القوات وثبتوا قنبلتين بحجم علبة السجائر في الباب. افترق الصفان ليكونا بجانب الجدار الخارجي، ضغط أحدهم على زر التفجير، انفجر الباب العملاق وأصدر ضوضاء رهيبة لانفجاره وسقوطه.
دخل الصفان مشهرين الرشاش بشعاعه الأحمر، كان الغبار حولهما كثيف، خلفهما دخل (علاء) وقائد القوات.
المكان خال حتى الآن، افترقت القوات في مجموعات صغيرة لتمشيط المكان، بعد دقائق قليلة اقترب أحدهم من القائد والرائد (علاء) وهو يرفع القناع، ويقول:
- مالقناش حاجة يا افندم... بس فيه جهاز (لاب توب).
امتلأ وجه (علاء) بالغضب، وقال:
- إحنا أضحك علينا.
هتف صوت من الجهاز اللاسلكي لـ (علاء).. التقط الجهاز.
- أيوة معاك الرائد (علاء الجهيني).
- أيوة يا (علاء).. معاك اللواء (سيف قنديل).
- تمام يا فندم، أنا في الموقع دلوقتي ومفيش أي أثر للرهاين.
- مش دا المهم.. المهم إن وزارة الخارجية كلموني، بنت السفير الإنجليزي السابق اللي هي المترجمة للسفارة (مادونا ألبرت) اتخطفت.. سيب اللي في إيدك وتعالى على مكتبي.
قال (علاء) باستسلام:
- علم وينفذ يا فندم.
قبل يومين، وفي إنجلترا (لندن) وبالتحديد في شارع (ريجنت) كانت (مادونا ألبرت) تكمن هناك في شقة.
نهضت (مادونا) لتقترب من جهاز الفاكس الذي أصدر صوتاً لاستخراج ورقة، التقطت الورقة المكتوبة بكتابة غريبة وقرأتها بعناية ثم وضعتها بجانبها والتقطت الهاتف، طلبت رقماً ما، وقالت بلكنتها البريطانية:
- أنا (مادونا ألبرت) مترجمة في وزارة الخارجية.. عايزة أحجز أول طيارة على مصر.
قبل حادثة الاختطاف، وفي تجمع هؤلاء الشخصيات البارزة في فيلا المقطم.
قالت (سارة):
- مفاجأة إيه؟
فقال (نجيب):
- حالاً هتعرفوا.
نهض (نجيب) ودخل غرفة في الطابق العلوي بينما الجالسون أخذوا يشربون المشروبات التي أمامهم، عاد (نجيب) وفي يده لوحة مغلفة، اقترب منهم حتى أصبح أمامهم، وقال:
- استعدوا.
تأهب الجميع بينما كان (نجيب) يمزق الغلاف، حتى أصبحت ظاهرة أمامهم، صعق الجميع "كيف لك أن تفعل هذا؟".
ابتسم (نجيب) وقال:
- أهلاً بيكم في العالم الجديد.
انتصب (محمود) وقال في ذعر ممزوج بغضب:
- إيه النقش دا؟
- يعني إنت مش عارف... أنا هقولكم. أنتوا شوية (ماسونيين). وأنا مجمعكم النهاردة علشان أموتكم.
وقف الجميع في ذعر، لكنهم شعروا أنهم غير متزنين، فقال (نجيب) وهو يلقي اللوحة على الأرض:
- ناموا... علشان نبدأ.
بدأ يسقط الجميع على الأرض، دق جرس الباب، اقترب (نجيب) من الباب وفتحه، دخلت (مادونا ألبرت) دون سابق إنذار، أغلق (نجيب) الباب، عندما رأت (مادونا) وجه (نجيب) قالت بصعوبة وبلغة عربية مصرية:
- (نجيب)... أنت إيه اللي بتعمله هنا.
- كنت بجمع صحابك.
سحب مسدسه من خصره، وأشهره في وجه (مادونا) وقال بحزم:
- يلا جنب صحابك على الأرض.
لم تتحرك (مادونا) من الصدمة، فقال (نجيب) بغضب:
- يلا.
بعد بضع ساعات، وفي غرفة مظلمة، قيد فيها (رنا) و(محمود) و(أحمد) و(سارة) و(لؤي).. بدأوا يستيقظون، اعتدل الجميع وهم ينظرون إلى بعضهم البعض، فقالت (رنا):
- إحنا فين.. أنا.. إحنا إزاي جينا هنا؟
فقال (لؤي):
- مش عارف.
تمكن (لطفي) من النهوض وهو لا يذكر كيف وصل إلى هنا، حين نهض، انزلقت جثة لفتاة مشنوقة متأرجحة في الهواء، صرخ (لطفي) من هول المشهد.
كان (نجيب) يراقبهم من خلال شاشة الحاسب الآلي... إنه الظل قد أرسل (نجيب) إلى الشرطة صوراً لهؤلاء البارزين، وقد أخفى (ip) حتى لا يتمكنون من تحديد المواقع أو المتابعة، ترك الغرفة التي فيها، وذهب إلى غرفة أخرى، كانت (مادونا) مقيدة ويوجد شريط لاصق على فمها، اقترب منها ونزع الشريط اللاصق بقوة وقال:
- أكيد دلوقتي بتسألي أنا ليه بعمل كدة... من حوالي 11 سنة كنتي مراتي.. وموتي ابني اللي في بطنك، بسبب طقس من الطقوس اللي كنتي بتعمليها... أنا اتجوزت (ماسونية) وأنا ماعرفش... دمرتي حياتي.
- أنت اللي غبي، الطقوس بتاعتنا طقوس طاهرة... روحانية... وكان لازم يكون في دم طاهر.
- ودم طاهر يعني جنين.
- أنت إيه اللي فكرك بالكلام دا بعد السنين دي كلها.
- أنا عمري ما نسيت... بس لما اكتشفت أن مدير دار النشر (ماسوني) واللي حواليه كمان كدة، قررت أنفذ فيكم العدل.
- واللي أنت بتعمله دا عدل؟
- هتتأكدي أنه عدل... لما تروحي للي خلقك... وبعدها تستقري في جهنم.
تخلص الجميع من قيودهم تقدم (أحمد) عند الباب لمحاولة فتحه لكن الغريب أن الباب فتح بكل بساطة، نظر إلى من خلفه، وقال:
- يلا... لازم نشوف مخرج.
خرج الجميع من الغرفة إلى ممر ضيق، كان الظلام يحيط بهم والرعب داخلهم، كان هناك شيء بداخلهم يحركهم جميعاً على المسار نفسه، وكأنهم يعرفون هذا المكان، وصلوا إلى تقاطع، فأشار الجميع في الوقت نفسه إلى اليسار، وقالوا معاً:
- من هنا؟
نظروا إلى بعضهم البعض باندهاش، كلا... ما الذي يحدث؟
سلكوا الطريق الأيسر في صمت، حتى قاطع هذا الصمت، صوت (رنا) وهي تقول بارتجاف:
- أنا آخر حاجة فاكراها أني كنت هنزل من البيت وهروح الدار.
فقال (محمود) بخوف:
- وأنا كمان.
وافقهما الجميع أن هذا أيضاً آخر ما يتذكرونه، قبل انتهاء هذا الممر، رأوا ظلاً أسوداً لرجل جالس على الأرض يبكي، توقفوا وقال (أحمد):
- لو سمحت إحنا فين، وأنت مين؟
توقف الرجل عن البكاء ونهض، اقترب منهم، بدا الذعر على وجوههم.. إنه ليس برجل، لأن هناك قرنين صغيرين يخرجان من رأسه، ولديه شعر مجعد كثير في جسده العاري.
صرخت (رنا) و(سارة) بينما أمسك هذا المخلوق بـ (أحمد) وألصق رأسه بالجدار بقوة، سقط (أحمد) فاقداً الوعي بينما ركض الجميع عائدين من هذا الممر، لكن المكان بأكمله اختلف شكله، أين الممر الآخر؟ هناك صوت صرير أعلاهم، فنظروا ليجدوا هذا المخلوق في السقف يمزق شيئاً ما والدم يتساقط.
قبل بضع ساعات عندما أرسل (نجيب) صور الضحايا إلى الشرطة...
لكن الغريب أنه كان أحد الضحايا، كانت خطة جيدة.. أنا أحد الضحايا الآن..
مرفق مع الصور كتابة غريبة، عندما تمت الإشارة للرائد (خالد سرور) ونظر إلى الملف والكتابة الغريبة أصبح مشوشاً.. هل أنا أصبحت داخل فيلم في (هوليود)؟! لا.. إنه الواقع.
كان يجلس في مكتب اللواء (أيمن عامر) فقال (أيمن):
- الملف دا في إيدك معدي الساعتين، إزاي ماتوصلش لحاجة؟
- يا فندم... الملف اتبعت لكم على النت.. شوفوا متخصص يتابع الإيميل.
- ما إحنا عملنا كده ومش عارفين نوصل.
صمت (خالد) لثوان، وقال في بهجة:
- عايز أروح غرفة المباحث الإلكترونية.
- ليه.
- لما أروح بس.
وصلا إلى الطابق العلوي، ودلفا إلى غرفة بها أجهزة حاسب آلي كثيرة، اقتربا من أحد الجالسين، فقال اللواء (أيمن) للضابط الجالس أمام شاشة الحاسب:
- اللواء (أيمن عامر).
نهض الضابط، وقال:
- تمام يا فندم.
قال (خالد):
- الرائد (خالد سرور) في ملف اتبعت عن ضحايا مشهورين.
- أيوة.. بس.
- اسمعني عايز أقول لك إيه الأول، كان في كتابة غريبة مبعوتة مع الصور، عايزك تنسخ الجملة على برنامج ترجمة غير (جوجل) بسرعة.
فعل الضابط مثلما قال له، حدق الجميع بالترجمة واللغة، فقال الضابط:
- الترجمة طلعت "العالم الماسوني الحقيقي" ومكتوبة باللغة (الأمهرية).
ثم تم تحويل ملف القضية إلى الأمن الوطني.
اصطدمت قدما الفتاة بصدر (لطفي). إن قدميها تخترقان صدري، ركض (لطفي) نحو الباب وفتحه، خرج من الغرفة إلى ممر واسع، وجد على صفي الجدار المقابلين شموعاً وسبعة رجال، لم ينظروا إليه، كانوا هؤلاء يرسمون الختم السليماني.
(النجمة السداسية) بدم وغراب مذبوح، ملقاة على الأرض، وأحاطوا النجمة بدائرة خارجية، وقف ستة منهم على أطراف الخطوط للنجمة، ووقف السابع في منتصف النجمة، وقال وهو يرفع يده إلى السقف وكأنه يشير إلى السماء:
- أقسمت بحق الدعوة (الأقطار).. "أجبني يا كسفيائيل" الملك يعرف عرفياه طاه طاه اه اه عرفيا عهديا شمعديا ملخيت بحكمين ميد هيد آلك هلم عريا شميدب ليوت طسوم طاسوم آيوم حيوم قايوم كميراوت... اري اري شلشهيش شلشهيش اهيليل اهيليل.. علشقوم علشقوم علشاقش علشاقش مهراقش مهراقش".
عم صمت كامل.
منذ عدة سنوات أجرى (نجيب) أبحاثاً غريبة، نصفها في مجال دراسته والأخرى خارج النطاق، كانت الأبحاث تجرى على أن للطاقة الكهربائية ودوائرها يمكن أن تتحكم في العقل البشري، وعندما كان يجري تلك الأبحاث في أحد المختبرات، علمت إنجلترا بهذه العقلية فأرسلوا له دعوة لتكملة الأبحاث في الخارج، قبل (نجيب) الدعوة هناك تعرف على (مادونا ألبرت) والتي كانت تتكلم العربية بطلاقة بحكم عملها مترجمة في وزارة الخارجية، بعدها بمدة قصيرة تزوجا. كان لدى (نجيب) شقة في شارع (أدجوير) المعروف بشارع (العرب) وبعد زواجهما بفترة قليلة، أصبحت (مادونا) حاملاً سر (نجيب) بهذا الخبر بشكل مبالغ فيه.
في أحد الأيام اجتمع ثلاثة رجال وثلاث نساء في منزل (نجيب) كان من بينهم (مادونا) حاملاً في الشهر الثالث، وكانوا يرتدون عباءات واسعة بيضاء اللون، جميعهم منتصبين و(مادونا) تضرب بطنها بقوة، ظهر أسفل العباءة سيل من الدم، إنها تحاول إجهاض نفسها. كلا.. هذا طقس من الطقوس الماسونية الغريبة (الدم الطاهر) فقررت أن تكون الأضحية جنينها، كان يمكن أن تكون حيواناً طاهراً.. لكن كلا.. الروحانيات لا تتدخل فيها الحيوانات، بعد قليل دخل (نجيب) من الباب وكان يضع قبعة صيفية على رأسه، ليجد هذا المشهد أمامه، لكن قد مضى الوقت.
كان الدم يتساقط من الأعلى بغزارة، صرخت (سارة).. أسكتتها (رنا) وبهدوء دلفوا إلى الممر مجدداً، حتى وصلوا عند (أحمد).. كان يخرج من فمه همهمة، إنه يستفيق، ساعده (محمود) و(لؤي) لينهض، ثم قالت (سارة):
- إحنا هنا ليه.
أمسكت (سارة) عنقها، إنها لا تستطيع التنفس، صعقت، ما هذا الذي في عنقي؟ إنه جرح، هناك خياطة عشوائية، أبعدت يدها بذهول، وقالت:
- يا جماعة، أنا في خياطة في رقبتي.
حدقوا بها بغير تصديق، كان (أحمد) يتكئ على الجدار، بدأ الجميع يتحسس عنقه، صعقوا جميعاً وحدقوا ببعضهم البعض في فزع، لقد تمت للتو جراحة في أعناقنا.
كان هذا المشهد ليس غريباً على (لطفي).. فإن الطقوس الماسونية تشبه هذا المشهد، لكن بدون قراءة تعاويذ، لماذا لا يرونه؟ ركض (لطفي) في الطريق المعاكس، حتى وجد باباً، دلف إلى الداخل، ليجد غرفة خالية، بها إضاءة خفيفة، ومنضدة في المنتصف عليها صندوق، فتح الصندوق، ليجد ورقة ومحقناً، فتح الورقة ليقرأها.
- أكيد عايز تفهم، قدامك الحقنة، خدها، هتغيب عن الوعي شوية لحد ما أنقلك من المكان اللي أنت فيه، وإلا هتفضل مكانك.
أسقط الورقة من يده، وضع يده على رأسه مفكراً، انزلقت يديه إلى عنقه، ما هذا، خياطة في عنقي.
استرخى الرائد (خالد سرور) خلف مكتبه، وكان يجري مكالمة هاتفية من هاتفه الخاص، انتظر لثوان، وقال:
- أنا مش مبسوط بلي عملته.. أنا آه ساعدتك علشان إحنا صحاب. علشان تطفي نارك.. بس كدة غلط يا (نجيب).
ابتسمت (مادونا) وقالت ساخرة:
- بقولك إيه ما تموتني أحسن.. بدل الجو اللي أنت عامله دا.
- ومين قال إني عايز أموتك.. أنا عايز أخليكي تتمني الموت وما تطولهوش.
انفجرت (مادونا) غاضبة:
- كل دا علشان ابنك... دا عدى زمن... سنين، أنت مجنون.
ضغط (نجيب) بأسنانه على شفته غاضباً، وقال:
- المهم إن موتك مش حل، بس الحل زمانه جاي.. كلها دقايق.
لم يستوعب (نجيب) هذا المشهد، وقف متجمداً مكانه، بينما جرى الرجال الثلاثة والمرأتان، اقترب (نجيب) من (مادونا) الجالسة على الأرض في حالة استرخاء مستندة بظهرها إلى الجدار، كانت دماؤها على الأرض، نزل جالساً على ركبة واحدة، وقال بهدوء:
- إيه اللي بيحصل؟
كانت (مادونا) لا تستطيع التنفس، وقالت بصعوبة:
- اطلب عربية إسعاف... بسرعة.
نهض (نجيب) في شرود وقال بغضب!
- مين دول.
- هفهمك بعدين... بموت.
استقلت (مادونا) سيارة الإسعاف وتبعها (نجيب).
بعدما استفاقت (مادونا).. أخبرت (نجيب) أنهم لصوص فلم يصدق هذه الكذبة.
عندما عاد إلى المنزل، صفعها بقوة وقال:
- ولاد الكلب دول. كانوا بيعملوا إيه هنا.
نظرت (مادونا) إلى (نجيب) بتحد، وقالت:
- كان طقس من الطقوس الماسونية، اللي أنا منهم.. وأوعى تكون فاكر أنك جيت هنا علشان عبقريتك، أنت هنا بمشروعك الماسوني، اللي بيعكس كل القوانين.
بعد ساعات قليلة تم سرقة اختراعه، ولم يعرف (نجيب) ماذا يفعل!
فقد قرر طلاق (مادونا) والعودة إلى بلده.
كانت عينا (محمود) تلمعان فزعاً، ما هذه الخياطة؟! لكن عقله لا يستجيب لأي فكرة إلا الركض.. الركض وحسب، حتى يخرج من هذا المكان، وجميعهم كانوا هكذا أيضاً، فقالت (رنا):
- إحنا لازم نمشي، أنا مش حاسة بأمان وأنا واقفة.
فجأة سمعوا صوت زئير، ليجدوا أن هناك شخصًا يقترب، حدقوا به وهو يتقدم تجاههم، إنه هذا المخلوق مجددًا، لكن إنه أضخم مما سبق ركضوا في الاتجاه المعاكس، لكن يوجد جدار.
منذ عدة شهور قليلة قرر (نجيب) أن يكتب (رواية) بمضمون جديد وغريب، الفكرة محتواها رعب وتاريخ وغموض، وإثارة وتشويق قرر كتابة اسم الرواية (الكارما) وبين قوسين (العدالة المخبأة) هذا كله بعدما اكتشف أن مدير دار (القمة) للنشر رجل ماسوني، وبعض الروائيين، قد اتضح الأمر أمامه، هذه الرواية ستسرد ما يحدث لكم... لكن ليس بالضبط.
منذ وقتٍ قليل عندما كان (نجيب) يشاهد البث الحي خلال الحاسب الآلي النقال، وكان جميعهم لم يستيقظوا بعد.
أخفض الظل صوت التلفاز وتوجه إلى الحاسب الآلي، أطفأ السيجارة في منفضة بجانب الحاسب الآلي، ونظر إلى البث ثم قال بصوتٍ أجش:
- لسه بدري عليكم قوي لحد ما تكتشفوا الباقي.. أو اللي هيحصل.
رن هاتفه المحمول فالتقطه، فجاء الصوت من الناحية الأخرى:
- أنا مش مبسوط بلي عملته.. أنا آه ساعدتك علشان إحنا صحاب علشان تطفي نارك... بس كده غلط يا (نجيب).
- المهم أنت وصلت لإيه؟
- عملت زي ما أنت قلت لي، والملف اتحول للأمن الوطني.
صعق (نجيب) وقال:
- بالسرعة دي.
- أنا قولت لك أن إحنا في حالة طوارئ، وفي حالة الطوارئ كل حاجة بتمشي بسرعة.
- أنا كنت عامل حسابي.
- عامل إيه.
- هوديهم مكان تاني خالص.
كان (لطفي) لا يستطيع التفكير إلا في شيء واحد، وهو يجب أن أحقن نفسي، لا بد من هذا، عقله لم يستوعب أن هذه الحقنة يمكن أن تقتله، التقط الحقنة وحقن ذراعه بها.
أومأت (مادونا) برأسها، وقالت:
- حل إيه؟
زفر (نجيب) وجلس بالقرب منها على الأرض، وقال:
- ازاي البحث بتاعي كان ماسوني؟
- البحث بتاعك كان بيتكلم عن قوة خارجية بتتحكم في العقل البشري، وزي ما البحث بيقول "الطاقة الكهربية إذا تدفقت في العقل البشري خلال ألياف ضوئية وبسرعة وقوة معينة على حسب السن وكهرباء الجسم، وبهذا يمكن أن نضع أي تصور داخل المخ عبر الشحنات الكهربائية، وبعدها يرى الشخص ما نريده وليس الصورة الحقيقية".. بمعنى أن أنا لو جبت شخص وعملت فيه كده، ممكن أخليه يشوف هلاوس، أزرع أي معلومة في عقله كده، أنت اللي قولت كده في البحث، وأي بحث أو تجربة خارجة عن النطاق الطبيعي بينضموا لينا.... أنتوا بتسموا الأفكار دي أفكار ملحدة، وإحنا بنسميها أفكار متحررة.
ضحك (نجيب) وقال ساخرًا:
- يعني أنتوا جبتوني علشان أنا ملحد... مين قال أن أنا ملحد؟
- ما حدش قال أنك ملحد، أنت أفكارك متحررة، ودا اللى جابك.
- ليه وإحنا بنتجوز ما قولت ليش أنك ماسونية؟
- كانت هتفرق معاك.
- هتفرق... انطقي.
- علشان أنت غبي أو أهبل، الماسونيين بيكونوا معروفين، أنا بنت (جون ألبرت) السفير والماسوني المعروف، ومش علشان كده لازم أكون ماسونية، أنا اللي اخترت، يعني أنا بنت ماسوني وكنت تسأل.
شرد (نجيب) وقال:
- صح أنا اللي غبي.
ثم نهض وترك الغرفة.
جلس (نجيب) أمام حاسبه الآلي النقال في غضب، كان يعلم بما حدث في المخزن الذي على طريق (الإسماعيلية).
فتح متصفح دون (vpn) وأرسل إلى الأمن الوطني عنوان فيلاته، كنت أنتظر هذه اللحظة، فالموت آت لا محالة، ولا وقت يجب أن يهدر أكثر من ذلك، نهض من أمام الحاسب، وتوجه إلى آخر وحمله، ثم ذهب إلى (مادونا) ووضع الحاسب أمامها، وقال بغضب:
- فاكرة يا بنت الجزمة مين دول.
اتسعت عينا (مادونا) وحدقت في وجه (نجيب).
دخل (نجيب) من الباب وكان يضع قبعة صيفية على رأسه، ليجد هذا المشهد أمامه، لكن قد مضى الوقت.
لم يستوعب (نجيب) هذا المشهد، وقف متجمدًا مكانه بينما جرى الرجال الثلاثة والمرأتان على السلم، كانوا هؤلاء الخمسة هم: (رنا) و (سارة) و(محمود) و(لؤي) و(أحمد) ليجدوا (لطفي) صاعدًا، فقال لهم:
- في إيه؟
أجاب (محمود) مسرعًا:
- جوزها جه، وهي بتنزف فوق.
قال (نجيب) لـ (مادونا):
- لما شوفتهم قولت شبهم، لكن اللوحة اللي في الدار بينت كل حاجة.
كان يشير إلى الحائط الذي خلف (لطفي).. ابتسم (لطفي) قائلًا:
- جملة لاقوها زمان في كهف حجري في أوروبا، بس أنا مش عارف معناها.
نظر (نجيب) إلى الجملة المعلقة داخل لوحة بجمودٍ وقال سرًا:
"أنت كاذب فاشل... وأنا أعرفك جيدًا."
كانت الجملة بكتابةٍ غريبة
؟؟؟
- اسمعني عايز أقول لك إيه الأول، كان في كتابة غريبة مبعوتة مع الصور، عايزك تنسخ الجملة على برنامج ترجمة غير (جوجل)... بسرعة.
فعل الضابط مثلما قال له، حدق الجميع بالترجمة واللغة، فقال الضابط:
- الترجمة طلعت "العالم الماسوني الحقيقي" ومكتوبة باللغة (الأمهرية).
؟؟؟
العالم الماسوني الحقيقي
يجلس اللواء (سيف قنديل) خلف مكتبه وأمامه على مقعد (علاء الجهيني) فقال (علاء):
- يا فندم، المكان كان خالي، ما كنش فيه غير الجهاز اللي في المعمل دلوقتي... أنا عارف أن الدنيا مقلوبة لكن مفيش حاجة بإدينا.
- أكيد جماعة إرهابية اللي عملت كدة... مش اللي اتخطفوا ماسونيين إلا (نجيب) ومكتوب عليه الضحية.
طرق الباب، ودخل ضابط برتبةٍ أقل، وهو يقول:
- في رسالة اتبعتت، بأن المخطوفين في فيلا في كورنيش المقطم، ولما رصدنا الإيميل، طلع فيلا 4 كورنيش المقطم.
نهض (علاء).
- أنا عايز قوة تتحرك معايا فورًا.
كان يشعر الجميع بالخوف، شيطان أمامنا وجدار خلفنا، لكن قد تبخر الشيطان فجأة.
قالت (مادونا):
- أنت وصلت لهم ازاي؟
- اسمعي المهم، هحكي تاريخ الماسونية باختصار، الفصيلة... مجموعة رجالة اتجمعوا علشان سياسة، بس واجهتهم مشكلة في الطقوس وعلشان كدة دخلوا النسوان الجماعة... سياسة.. اتفاقات.. شغل عالمي، صح.
- هتعرفي
كانت خطة (نجيب) في منتهى الذكاء، لقد اشترى بكل أمواله هذه الفيلا، وحفر الكثير من الأنفاق أسفل البناية، وابتكر شريحة مثل شريحة ضبط الكهرباء للإنسان، لكن معدلة قليلًا، لقد أنشأ بداخلها محتوى (لعبة) وهكذا تمت الخطة.
حقنهم بـ (المورفين) كي لا يعمل العقل بشكل طبيعي ووضع الشريحة في شريان موصل لكهرباء العقل، في اليد اليمني فعل هذا كله بنفسه، بعد أبحاث ودراساتٍ كثيرة، إلا الحفر، فقد استعان بمتخصص.
عندما أرسل إلى (مادونا) رسالة الفاكس، كانت الجملة الشهيرة للمنظمة التي هي منهم "العالم الماسوني الحقيقي".
اقتحمت القوات الخاصة البناية، وكان (نجيب) واقفًا على بعدٍ يكفي، أشهروا الأسلحة بينما دخل (علاء)..
- سبوه.
- هي الإنفاق اللي تحت والباب من الأوضة اللي جنب السلم.
أشار (علاء) إلى مجموعة للنزول، فقال (نجيب):
- و(مادونا) في الأوضة اللي هناك.
أشار بإصبعه إلى إحدى الغرف، فأشار إلى أحدهم، دخل الغرفة وفك قيودها ثم خرجا.
قال (علاء):
- إيه اللي بيحصل؟
- أنا اللي خطفتهم، وأنا اللي عملت كل دا.
كانت عينا (مادونا) تطلق شررًا، صعد الضباط بالمخطوفين، لكن كانوا يحملون (لطفي).
- وعملت كل دا ليه؟
- ماسونييين.
- أنت ورط نفسك في قضايا كتير.
ثم تركه، وهو يقول:
- هاتوه.
أخرج (نجيب) مسدسًا وأشهره على (علاء) قائلًا:
- أنا مش هروح في أي حتة.
أشهر باقي الضباط أسلحتهم على (نجيب).. نظر (علاء) وقال له:
- ما تورطش نفسك أكتر من كدة.
- ومين قال أني بورط نفسي... أنا بعدلها.
وضع (نجيب) فوهة المسدس على رأسه، وأطلق رصاصة اخترقت رأسه، سقط أرضًا، الدم قد ملأ الأرض.
حين يكمن الموت داخلك.. لا تستطيع الهروب.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا