4. الكنز:
في الدانمارك عاش أشهر من أعاد لنا الكثير من الأساطير القديمة وهو "هانز كرستيان أندرسن". وقد أعاد "هانز" الكثير من الأساطير التي كان أهل الدانمارك قد نسوها أو اندثرت.
وهذه الأسطورة من الدانمارك تقول إن رجلا وجد فجأة كنزاً من الذهب والفضة وهو يحرث الأرض. لم يكن يتصور أن ذلك من الممكن أن يحدث.
تصرف الرجل بسرعة ولم تظهر عليه أي علامة من علامات الفرح أو الاندهاش حتى لا يعرف الفلاحين القريبين منه أنه وجد صندوقا به كنز تحت الأرض. وأعاد تغطية صندوق الكنز بالتراب مرة أخرى. كان المحرك قد ضرب الصندوق بالصدفة وهو يحرث.
وعندما هم الجميع بالذهاب آخر النهار؛ تظاهر الرجل أنه لم يكمل ما عليه من أعمال الحرث؛ وعليه أن يمل لفترة إضافية ليكمل عمله. ولم يكشف الصندوق مرة أخرى ويفتحه إلا عندما غادر الجميع المكان واطمأن أنه وحيد.
حمل الرجل صندوق الكنز وسار وهو سعيد. فهو صاحب الكنز؛ لأن من دفنه لابد وأن يكون قد مات منذ زمن بعيد. فالصندوق يبدو قديما جداً. وقد قرر الرجل ألا يخبر أحداً عن الصندوق حتى لا يطالبه به صاحب الأرض. لكنه لم يفكر مطلقا بإخفاء الأمر عن زوجته؛ فحكى لها الحكاية كاملة وطلب منها ألا تخبر أحداً.
إلا أن زوجته كانت مثل كل النساء على وجه الأرض؛ فأخفت الأمر عن الجميع عدا مجموعة قليلة من صديقاتها. وهكذا بدأت كل صديقة منهم إخفاء الأمر عن الجميع إلا عدد قليل من الصديقات. وهكذا وصل الخبر إلى صاحب الأرض بعد أن مر بمبالغات عديدة؛ وربما أصبح الصندوق صناديقنا متعددة بعد أن تحدثت عنه كل الألسن وأدلى كل ناقل للقصة بدلوه وأبدع في التهويل.
وبعد أيام قليلة سمعت زوجة الفلاح طرقا شديداً ومتواصلا على باب الدار. ولأول مرة تجد أن صاحب المزرعة جاء إلى دارهم المتواضعة وهو غاضب وثائر بشدة. أرغي الرجل وأزيد وتوعد وتهدد. وضيق الخناق عليها وكان زوجها قد أخرج أول دفعة من الكنز وذهب إلى السوق ليبيعها.
لم تقو الزوجة على المراوغة وبدأت تحكي للسيد الكبير صاحب الأرض عن الكنز. وأكدت له أنها لا تعلم مكان الكنز بعدما أخفاه زوجها. فخرج صاحب الأرض ووعدها بالعودة فوراً بعدما يعود الزوج من السوق.
عاد الزوج وحكت له الزوجة البائسة ما حدث؛ فارتعد الرجل واغتاظ بشدة. إلا أنه كظم غيظه وأسرع إلى عربته التي يجرها حصان قوي. أخذ زوجته معه وانطلق إلى المدينة.
سيطر على المرأة إحساس مبهم بأن زوجها سينتقم منها لأنها أفشت سر الكنز فزاد اضطرابها وخوفها؛ وبدأت ترتعش في خوف. لكنها فوجئت بزوجها يتوقف أمام مطعم كبير وطلب منها أن تنزل معه. ولفرط دهشتها؛ دعاها زوجها للجلوس على مائدة لم تكن تظن أنها ستجلس عليها ذات يوم. وزادت الدهشة والحيرة عندما تناولا وجبة وشرابا لم تذق مثلهما طوال حياتها. لكن الزوج استأذنها لساعة ذهب خلالها لإخفاء الكنز في مكان أمين. ثم عاد وعلى كتفه كيسا مملوءاً بفتات الخبز. وضعه فوق العربة دون أن يخبر زوجته؛ بحيث تتساقط كسرات الخبز على الجالسين في العربة كلما صادفت مطبات وهي تسير.
وفي المساء تبدلت الأحوال واشتد البرد وبدأ المطر يتساقط. وكانت العربة تشق طريقها عائدة إلى المزرعة. وكانت المرأة تتعجب من ذلك فهي لم تحظ برحلة مثل هذه الرحلة ولا بوجبة ومشروب مثلما وجدت في المطعم. ورغم كل شيء استسلمت للنوم العميق فالرحلة طويلة. ومن حين إلى آخر كانت تستيقظ على ضربة على رأسها توقظها لتجد أنها قطعة من الخبز اليابس سقطت على رأسها. وتكرر نفس الأمر عدة مرات أثناء الرحلة. لكنها لم تعرف مصدر سقوط تلك القطع من الخبز اليابس.
لكن بعدما تكرر الأمر؛ استيقظت المرأة وقالت:
"ماذا يحدث؟ هل أنا في حلم أم في حقيقة؟ أتمطر السماء خبرا؟"
فرد الزوج: "أمر غريب جداً. ولكنه صحيح. الرياح شديدة والخبز بتساقط علينا من كل ناحية".
وعندما مرت العربة أمام قصر السيد صاحب الأرض؛ سمعت المرأة صوت نهيق عجيب. وقبل أن تنطق أسكتها زوجها بقوله إنه صوت نهيق السيد صاحب القصر. فقد استدان مالا من جني منذ سنوات طوال ولم يسدد الدين. ويأتي الجني كل يوم ليضربه بالسوط.
تعجبت المرأة وطالبته بأن يسرع مبتعداً عن القصر. ففعل وألهب ظهر الجواد بالسوط. ولما تماسكت المرأة واستعادت رباطة جأشها قال لها زوجها: "أحمدي الله يا امرأة فقد سمعت مني خبر واحد فقط؛ فما بال لو أخبرتك بكل ما عندي؛ سترتعشين حتى الموت".
ظلت المرأة تلح على زوجها أن يخبرها بهذا الأمر العجيب وتعده أنها ستتماسك ولن تنهار. وأخيراً وبعد إلحاح وجهد جهيد وافق الزوج على أن يخبرها؛ فقال: "دخلت جيوش الأعداء بلادنا. والخطر محيط بنا من كل جانب" لذلك فعندما نعود إلى البيت لابد أن تختبئ في القبو. أما أنا فسأصعد فوق السطح ومعي سلاحي لأدافع عن الدار إن حاول الأعداء السيطرة عليها. ولن أستسلم أبداً ما دمت حيا.
لم يكد الرجل ينهي حديثه حتى فزعت زوجته؛ ولم يكن قد بقي من الرحلة شيئاً؛ فنزلت من العربة إلى القبو فوراً. وأعد الزوج بندقيته أمامها وصعد إلى سطح الدار.
وما هي إلا دقائق حتى سمعت المرأة أصوات طلقات نارية كثيفة وضجيج وصياح. وبعد عدة دقائق فوجئت بزوجها يدخل القبو رافعا سلاحه وهو مبتهج ويقول:
"اطمئني يا زوجتي.. انتصرت على الأعداء؛ قضيت على عدد كبير منهم وهرب الباقون وهم يحملون القتلى. اندفعت المرأة نحو زوجها فهنأته وقبلت يديه ورأسه؛ وأشادت بتلك البطولة التي هدأت أعصابها تماما؛ ثم راحت في نوم عميق.
وفي صباح اليوم التالي؛ كان الفلاح الماكر يجلس في صحن داره في هدوء وسكينة حين جاء صاحب الأرض. فنهض الرجل بسرعة يرحب بصاحب الأرض ويحييه. إلا أن الرجل بادره بالكلام وهو في شدة الغضب؛ فقال: "أين الكنز الذي وجدته في أرضي؟"
تظاهر الرجل بالدهشة الشديدة ونظر إلى صاحب الأرض في تعجب واستغراب؛ وكأنما يشك في سلامة عقله؛ ورد:
"أي كنز يا سيدي؟"
رفع صاحب الأرض السوط وقال: "لا تحاول الإنكار. فقد اعترفت زوجتك أمامي بكل شيء". ضحك الفلاح بشدة وقال: "أهي زوجتي.. ألا تعلم يا سيدي أنها مجنونة وتهذي بما لم يحدث أبداً؟"
هدأ صاحب الأرض وأنزل السوط من يده. وأمر الرجل بأن تأتي زوجته. فجاءت المرأة وارتعدت عندما رأت صاحب الأرض فأعادت أمامه كل ما قالته له بالأمس. كيف عثر زوجها على الكنز وزادت أنها رافقته إلى المدينة خلال الليل وعاداً في نفس الليلة بعد أن أخفى الكنز هناك.
نظر صاحب الأرض إلى الفلاح نظرة المنتصر. إلا أن المرأة واصلت حديثها قائلة: "وفي طريق العودة هبت عاصفة وأمطرت السماء خبزا" قال صاحب الأرض: "أتهزأين بي يا امرأة.. متى كان ذلك؟" ردت المرأة: "قبل أن تصل إلى بيتنا هذا وتبدأ المعركة مع الأعداء" قال صاحب الأرض: "إن لم تخبريني بالحقيقة قطعت لسانك؛ متى حمل زوجك الكنز إلى المدينة؟"
ردت المرأة بثقة: "في نفس الليلة التي جاءك فيها الجني يطالبك بسداد الدين، وكان نهيقك عال جداً. لقد سمعت صوت سياط الجني وهي تنهال عليك يا مسكين".
وهنا تأكد صاحب الأرض أن المرأة مجنونة وقال: "ضاع وقتي وجهدي هباء أيتها المجنونة" ولسعها بالسوط وخرج غاضباً.
يقول أهل القرية إن ذلك الفلاح اختفى بعد عدة أيام. لكنه عاود الظهور في مكان بعيد من بلادهم؛ وهو صاحب مزرعة كبيرة وقصر كبير عاش فيه مع زوجته التي ادعى أنها مجنونة.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا