الأساطير والخرافات 2

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-05-01

2. المصباح المسحور:
تتشابه هذه الأسطورة الهندية مع أسطورة علاء الدين والمصباح السحري التي روت في كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى حد كبير. وقد ذرتهما معا في هذا الكتاب معا ليستطيع القارئ المقارنة بين القصتين ويعرف أثر الثقافة العربية والثقافة الهندية على كل منهما. وهناك نسخ أخرى من نفس الأسطورة في مناطق متعددة من العالم؛ تأثرت كل واحدة منها بالبيئة التي نشأت فيها؛ فكانت حكاية مختلفة. لكني في هذا الكتاب اكتفيت بذكر الحكايتين الهندية والعربية.
تقول الحكاية الهندية:
 فتحت سيدة باب بيتها فوجدت أمامها عملاقا أسود قبيح الخلقة؛ بدا كأنه عفريت ظهر أمامها فجأة. من هول المفاجأة همت بإغلاق الباب إلا أنه وضع قدمه أمام الباب ومنعها من ذلك.
قال الرجل: ما كنت أظن أن هذه هي الطريقة المناسبة التي يمكن أن تقابلين بها شقيق زوجك.
صعقت المرأة من كلام الرجل وفكرت طويلا. هل هذا العملاق شقيق زوجها بالفعل؟ شقيق زوجها مات قبل سنوات طوال. زوجها خفيف السمرة وهذا الرجل زنجي. كان زوجها قصير القامة وهذا الرجل عملاق.
أبعد صياح الرجل تلك المرأة عن أفكارها عندما قال: لقد تركت تجارتي في بلاد بعيدة وجئت لأطمئن على أخي الذي فارقته قبل عشرين عاما. وأنا الآن أشعر بالبرد الشديد والجوع؛ فخذيني قرب النار لأتدفأ بينما تعدين لي طعاما.
جلس الرجل يأكل أمام المدفأة ويستمع إلى أرملة أخيه وهي تحكي كيف مات أخوه في حادث في البحر؛ وكيف أنهم أخرجوه وهو يردد كلمة واحدة لم تستطع معرفة مقصده منها. كان يردد: الكنز.. الكنز.
فكر الرجل قليلا وهو يمضغ طعامه وقال: الكنز يا زوجة أخي.. نعم.. هل لك أن تأذني لأبنك في الخروج معي.. سنبحث عن الكنز الذي علمنا أنا وزجك أنه في أحد الأودية ذات ليلة.. سنعود بجواهر وكنوز لا مثيل لها. تبسمت المرأة لأنها عرفت سر الكنز أخيراً.
وبعد استضافة استمرت عدة أيام؛ خرج الرجل ومعه الظلام؛ ومعها كيس كبير مملوء بالطعام والشراب وكل ما يلزم الرحلة سار الرجل والغلام لعدة أيام في طرق وعرة.. وفجأة تعب الغلام وأصبح غير قادر على مواصلة السير.
عنف الرجل الغلام لتهاونه وضعفه؛ فاندفع الغلام يسير بأقصى سرعة يمكن أن يتحملها جسده الضعيف. وفي نهاية الطريق؛ توقفا قرب تل تسلقاه معا. وعندما وصلا إلى قمة التل؛ أمر الرجل الغلام بجمع الحطب وإشعال النار فيه. جمع الغلام الحطب ووقف وهو لا يدري كيف يشعله. فأمره الرجل بالنفخ في الحطب كما لو كان ينفخ في النار. ففعل الشاب ولم يحدث أي شيء.
فقال لعمه: "عماه...
لم يجعله الرجل يكمل كلامه وصفعه صفعة قوية وقل له:
"أسكت أيها الغبي.. أنا لست عما لأحد.. انفخ".
واصل الغلام النفخ والأفكار تدور في رأسه. هذا الرجل ليس عمه إذن. كما أنه يعذبه ويضربه دون سبب واضح.
فوجئ الغلام بالرجل يلطمه مرة أخرى ويقول: "انفخ جيداً.. انفخ وإلا قتلتك".
وظل يضرب فيه إلى أن أنهك تماما؛ وراح الغلام ينفخ في الحطب بقوة؛ فاشتعلت النار فجأة وقضت على كل ما أحضر من حطب وحولته إلى رماد. ومن بين الرماد ظهر باب سحري أمره الرجل أن يفتحه.
كان الباب حديديا وثقيلا جداً؛ فلم يستطع الشاب فتحه إلا بعد جهد جهيد وصفعات وركلات ولوم تفريع من الرجل الغريب. رأى الشاب سردابا طويلا تحت الباب وهو مضاء بمصباح تكتلت حوله كميات كبيرة من زهور صنعت من الذهب.
أمر الرجل الشاب بالنزول في السرداب وحذره من أن يطأ الزهور بقدميه، وعليه أن يستخدم المصباح ويجمع من الزهور الذهبية قدر ما يستطيع في وعاء كبير من الذهب كان داخل السرداب.
نفذ الغلام أوامر الرجل الغريب. ورفع الوعاء المملوء بالذهب وهم بالخروج. لكن الرجل الغادر ما أن أستلم منه الوعاء المليء بالقطع الذهبية حتى أغلق باب السرداب عليه مرة أخرى.
ظل الغلام يبكي ويستغيث داخل السرداب المظلم المخيف. لكن كيف لصوته الواهن أن يخرج خارج ذلك السرداب المحكم الغلق، ومرت الساعات وبدأ اليأس يسري في قلب الغلام. كان الجوع والتعب وحدهما كفيلان بالقضاء عليه.
خطر على رأس الغلام فكرة أن يتحرك داخل السرداب عله يجد ما يقتات به. فمد يده على الأرض بجواره فاحتك خاتم يده بالمصباح الذي كان بجواره على الأرض. أضاء المصباح بقوة في نفس اللحظة وخرج منه مارد قال للغلام: "مولاي.. أنا خادمك المطيع. قل ما تريده أنفذه لك في الحال".
ارتعد الشاب بقوة من هول ما رأى؛ غير أن كلمات الاحترام والتبجيل ساعدته على التماسك أمام المارد. قال الغلام: "هل تستطيع إخراجي من هنا" ولم يكد ينهي كلامه حتى أطاح المارد بالباب الحديدي الثقيل ووجد الشاب نفسه خارج السرداب. ثم اختفى المارد في لمح البصر.
انطلق الغلام يركض عائداً وفي يده المصباح حتى وصل داره بعد يومين. وعندما وصل ألقى بنفسه في أحضان أمه التي هالها ما رأت ما كان عليه من اعياه وهزال. سألته عما به؛ فطلب طعاما يشد رمقه أولا حتى يستطيع التحدث.
صورة
قالت الأم: "آه يا ولدي البائس.. ليس في البيت ما أقدمه لك"
قال الشاب: "سأبيع هذا المصباح في السوق وأشترى بثمنه ما يكفينا من طعام" وبدأ يحك المصباح لينظفه قبل البيع. فإذا بالخاتم يلمس جانب المصباح مرة أخرى ويخرج المارد قائلا: "مولاي.. أنا خادمك المطيع. قل ما تريد أنفذه لك في الحال".
لم يرتعد الشاب هذه المرة بل طلب طعاما مطهيا وأخر غير مطهي. وسرعان ما وجدت الشاب أمامه هو وأمه مائدة مليئة بأطباق الأرز الساخنة واللحوم والخضراوات والفاكهة. وأكياس من خزين الأطعمة بجوار المائدة.
تعجبت الأم وسألت عما جرى فحكى لها.. وظل حال الأسرة على هذا المنوال. فتبدلت الأحوال وتغير البيت ببيت أجمل وكان للأسرة من الملابس والمجوهرات والأثاث ما يريدون. ونسيت الأسرة تماما أمر المصباح.
وفي يوم صادف الغلام أبنه أمير البلاد في أحد الشوارع فخفق لها قلبه وألح على أمه أن تذهب لطلب يدها من الأمير، قال الأمير للأم: "لا مانع عندي، أتراه لا يزال موجوداً؟ إذن فليجرب. فأسرع إلى المصباح في غرفة الكرار وحك جانب المصباح بخاتمه؛ ما أن طالبه الشاب بما يريد حتى كان لديه من الأموال أضعاف ما عند الأمير.
حمل الشاب الكنز إلى قصر الأمير الذي أصيب بدهشة كبرى ووافق على الخطبة. ثم حدد موعد الزفاف.
حل الموعد والأمير لا يريد الوفاء بوعده. كان يتهرب من أم الشاب كلما ألحت عليه ويتعلل بأسباب واهية. ولما ضيقت عليه؛ طلب أن يشيد الشاب قصراً لابنته لا يقل روعه عن قصره.
عاد الشاب إلى المصباح من جديد؛ وفي صباح اليوم التالي كان المارد قد بنى قصراً فخما بجوار كوخ الشاب الصغير. لم تعد هناك حجة للأمير يتعلل بها. وتروج من الأمير الجميلة في حفل كبير حضره أغلب أهل المدينة.
علم الرجل الشرير بما حدث مع الشاب وظهور القصر المنيف خلال يوم واحد وزواجه من ابنه الأمير. وأخذ يتقصى الأمر من بعيد حتى علم بأمر المصباح السحري. ثم انتهز فرصة غياب الشاب عن بيته واحتال على زوجته وأخذ منها المصباح القديم.
وما أن أصبح المصباح مع الرجل حتى حكه وأملي على المارد طلباته وكان أولها أن ينقل القصر والأميرة بداخله إلى دولة بعيدة جداً. وحينما عاد الشاب ولم يجد القصر ظل يصرخ كالمجنون. وكانت أمه تحاول أن تواسيه. أما الأمير فكان في دهشة ولا يدري كيف حدث ذلك الخطب الكبير. لكنه قال للشاب: "هذا الأمر غريب جداً. لكني أمهلك 12 يوما؛ فإن لم تعد ابنتي؛ قطعت رأسك.
دار الشاب في جميع أنحاء البلاد بحثا دون جدوى. وفي اليوم الثاني عشر ظن الشاب أنه هالك لا محالة. فجلس فوق صخرة في نفس المكان الذي كان فيه السرداب؛ فاحتك الخاتم بالصخرة فظهرت له جنية غريبة الشكل.
قالت: "مولاي.. أنا خادمتك. قل ما تريد أنفذه لك في الحال".
حكى الشاب لها عما جرى وعن قصة المصباح. فقالت الجنية أنها قادرة على نقله إلى داخل القصر الذي أخذه التاجر إلى دولة بعيدة في الحال؛ وأن زوجته حبيسة في ذلك القصر. وخلال ثوان وجد الشاب نفسه داخل القصر. وفي غرفة زوجته الحزينة. فحكى لها عن كل شيء؛ وأخبرته بدورها عن أحوال التاجر وعاداته. فقالت إنه لا يترك المصباح أبداً ويعلقه في رقبته حيثما يكون. فكر الشاب وزوجته في حيلة. فقالت الزوجة إن الشر لا يقدر عليه سوى الشر. وقد قررت أن أدس له سما في الطعام هذا المساء.
عاد الرجل في المساء؛ وما أن انتهى من تناول طعام العشاء حتى سقط من الألم وخر صريعا. فظهر الزوج وخلع المصباح من رقبة الرجل وطلب من المارد أن يعيده هو وزوجته والقصر إلى حيث كانوا؛ ففعل. لكنه قبل أن يختفي أقسم ألا يعود مرة ثانية أبداً: فما عاد يطيق حمل القصر من مكان إلى مكان.
وفي هذه الرواية الكثير من التساؤلات التي لا تغيب عن ذهن القارئ الواعي؛ منها:
ما هو ذلك السبب الذي أدى بالرجل العملاق إلى الاستعانة بشاب صغير السن للحصول على كنز من الذهب والفضة وهو قادر على الحصول عليه بمفره؟ ألم يحبس الشاب في السرداب وأغلق عليه الباب الحديدي الضخم ثقيل الوزن؟
لماذا اختار ذلك الرجل الغريب تلك الأسرة الفقيرة بالذات؟
لكن هذه الأسطورة مثل كل الأساطير؛ لابد أن يكون فيها الكثير من اللامعقول.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا