في ذلك الصباح ، وقبل صعوده لمكتبه في مركز الشرطة .. إنتفض جاك رعباً بعد عثوره على جثة اريك (مصوّر المختبر الجنائيّ) عقب اشتمامه لرائحةٍ قذرة تفوح من صندوق سيارته !
والأسوء إنه قبل إسبوع ، شاهده موظفيّ المركز وهو يصرخ على اريك غاضباً ، بعد عودتهما من مسرح الجريمة لإحدى القضايا !
لهذا تردّد قليلاً قبل إبلاغ مديره بما حصل ، وهو يحلف أنه لا يعلم كيف وصلت جثة اريك لسيارته ، فهو لم يره منذ يوم المشكلة !
فاتصل مديره بموظّف المشرحة لأخذ الجثة وفحصها ، لمعرفة سبب الوفاة
وسرعان ما انتشر الخبر في المركز .. ليلاحظ جاك نظرات الشكّ في عيون الموظفين ، اثناء ذهابه مع المحقّق لإستجوابه عمّا جرى
***
في غرفة التحقيق .. وبعد تقديم القهوة له ، التي ارتشفها بيده المرتجفة.. قال المحقّق مايكل :
- اهدأ يا جاك ، واخبرني عن خلافك الأخير مع اريك ؟
فتنهّد جاك بضيق ، قائلاً :
- كنت طلبت منه تصوير الجثة قبل نقلها الى سيارة الإسعاف .. فصوّر كل شيء ، ما عداه ! مُتحجّجاً باستخدامه دورة المياه في شقة القتيل بعد مغصٍ أصابه .. وبسببه خسرنا صورةً مهمة ، تفيدنا بالتحقيقات .. الا يفترض ان ألومه على إهماله الوظيفيّ ؟
- بالطبع معق حقّ .. سؤالٌ آخر .. منذ متى تعرفه ؟
جاك : كلانا تخرّج من كلّية الشرطة قبل 13 سنة
- على حدّ علمي هو قريبك ، ورسب بإمتحانات الشرطة !
- هو ابن خالتي ، ولم ينجح بالإمتحان النهائيّ .. فتوسّطت له أن يكون مصوّر مسرح الجرائم ، لموهبته بالتصوير ..
المحقّق : وهو من نفس منطقتك ؟
- كلانا من الريف
- يبدو إن صدمتك بوجوده في سيارتك تفوق حزنك على قريبك الذي ترعرت معه ؟!
جاك : لوّ مات في مكانٍ آخر ، لكان الوضع مختلف .. لكن همّي الآن هو إبعاد التهمة عني
المحقّق : حسناً لنتكلّم بموضوعٍ آخر .. ماذا بشأن رصيدك البنكيّ ؟
- وما دخل اموالي بمقتل اريك ؟!
- قبل أن يوّكلني المدير بمهمّة التحقيق معك ، إتصلت بالبنك الذي نرسل رواتبك اليه .. فأخبروني انك سحبت معظم مدّخراتك قبل شهرين لشراء منزلٍ في المجمّع السياحيّ القريب من الغابة !
جاك : لأن بيتي القديم صغيرٌ جداً ، ويحتاج لترميم ..
المحقّق مقاطعاً : جميعنا منازلنا صغيرة ، لكن ليس في مقدورنا شراء منزلٍ بالمجمّع الفخم ! والأغرب إن اريك ايضاً لديه منزلاً هناك .. رغم كونكما قبل خمسة اعوام لم تملكا سوى رواتبكما ، فماذا حصل ؟ هل حصلتما على ورث ، او شيء من هذا القبيل ؟
- انا لست متزوجاً كما تعلم ، وأجمع معظم رواتبي ..واستفيد من خصومات المواد الغذائية لرجال الشرطة
- أنت معروفٌ بحرصك الشديد للمال ، بعكس قريبك مُدمن الحفلات .. فكيف برأيك جمع ثمن منزله الفخم ؟!
جاك بتهكّم : لا ادري ، اسأله انت
المحقّق بعصبية : أتستهزأ بي ؟!!
- وكيف لي ان اعرف !
- اليس قريبك ؟
جاك : لست زوجته لأتابع مصاريفه
- هل تشكّ بأنه شرطي فاسد ، وحصل على مكافآت من المجرمين لطمسه الأدلّة من مسارح الجريمة ، كما فعل بالصورة المفقودة ؟
فسكت جاك قليلاً ، قبل ان يقول بذهول :
- ربما كلامك صحيحاً ! فأنا ايضاً تفاجأت حين اخبرني بأنه اصبح جاري في ذلك المجمّع ، رغم تبذير ماله على الخمور والنساء ! الآن فهمت ما حصل
المحقّق باهتمام : وماذا فهمت ؟
- يبدو انه تقاعس في احدى الجرائم عن طمس جميع العيّنات والدلائل ، بعد حصوله على رشوةٍ مُقدّمة.. مما أدّى لسجن المجرم الحقيقي ، لتُرسل عصابته شخصاً يقتله !
- ولما وضعوه في سيارتك ؟
جاك : ربما لكوني قريبه
- او تهديداً لك
جاك بقلق : مصيبة إن كانوا يظنون انني متورّطٌاً معه ، فهذا يعني ان حياتي بخطر !
- تتكلّم كأنك تأكّدت من فساد اريك ؟!
- لا يوجد تفسيرٌ آخر لما حصل !
وهنا دخل الحارس ، ومعه تقرير المشرحة .. فقرأه المحقّق على عجل .. ليقاطعه جاك باهتمام :
- إخبرني كيف مات اريك ؟
المحقّق بصدمة : غرقاً !
جاك باستغراب : ماذا !
- انا ايضاً مُتفاجىء ، فالبحر يبعد عنا عشرات الكيلومترات ! والتقرير يُثبت ان الجثة وضعت في صندوقك بمنتصف الليل ، أيّ بعد ساعة من خروج اريك من البارّ .. فكيف تمكّنوا إيصاله الى مرآبك في الوقت المناسب ؟!
جاك : ربما لم يغرق في البحر
المحقّق باهتمام : ماذا تقصد ؟
جاك : ربما غرق في حوض الإستحمام
فنادى المحقّق الحارس الذي دخل الغرفة مجدداً..
مايكل : أطلب من موظفي المختبر الجنائي الذهاب الى منزل جاك لمسح الأدلّة وأخذ العيّنات ، خاصة من حوض استحمامه
ثم نظر لجاك الذي كان مصدوماً مما سمعه ، ومدّ يده قائلاً :
- هات مفاتيح منزلك ، كيّ لا يكسروا بابك الرئيسيّ
جاك معاتباً : ماذا تفعل يا مايكل ؟! أتظنني سأغرق قريبي في منزلي ، ثم أضعه في صندوق سيارتي التي قدّتها للعمل ، كيّ أبلّغ مديري عن الجثة ! لم اظنك غبياً لهذة الدرجة
المحقّق بحزم : اولاً !! اسمي المحقّق مايكل ..ثانياً !! أنت المشتبه الأول بهذه القضيّة ، بعد شهادة الموظفين بشجاركما العنيف قبل اسبوع من وفاة اريك .. لهذا أعطني المفاتيح دون اعتراض
فاضّطر جاك لإعطائه ما يريد .. ليبدأ فريق البحث الجنائي بمسح الأدلّة من منزل جاك
***
بعد ثلاث ساعات .. أُخرج جاك من الحجزّ ، واقتيد الى غرفة التحقيق ثانيةً ، لسماع الخبر الصادم .. فالأدلّة أكّدت أن اريك أُغرق بعنف في حمام جاك ، لوجود دمائه على حواف الحوض اثناء مقاومته الموت (ويبدو ان قتله لم يكن صعباً ، لنسبة الكحول المرتفعة في دمه ! بعد سهره طوال الليل في البارّ)
كما وجدت الشرطة فردة حذاء اريك في زاوية حمّام جاك.. وأكّدت التحاليل بوجود بول القتيل في مياه الحوض التي لم تُصرّف بعد ، اثناء مقاومته الموت
فصرخ جاك بعصبية : لم اكن نائماً في بيتي القديم البارحة .. بل سهرت في المجمّع ، كما أفعل كل ليلة أحد .. وأظن أعداء اريك استغلّوا غيابي ، لقتله في منزلي وتوريطي بالجريمة
المحقّق : وهل لديك دليل على وجودك في منزل المجمّع ؟
- لا ، كنت لوحدي.. ومن سوء حظي إن حارس المجمّع كان غائباً بسبب مرضه ، لهذا لم يرني احد وانا افتح البوّابة الرئيسيّة
المحقّق : سألت قبل قليل عن كاميرات المجمّع البالغ عددها عشرين كاميرا .. والغريب ان ثلاثة منها تعطّلت البارحة ، وهم : كاميرا البوّابة الرئيسية ، وإثنين قريبين من منزلك .. فهل هذه صدفة ؟
جاك : بالطبع لا ، يبدو ان القاتل ذكياً للغاية
- او يعمل في مجال الشرطة
جاك غاضباً : لا تفقدني اعصابي يا مايكل ، فأنا لا اكره اريك لدرجة قتله!
- آسف يا جاك ، لكن كل الأدلّة ضدّك .. لهذا ستُنقل للسجن الى حين محاكمتك
ورغم صراخ جاك واعتراضه ، الاّ انه اقتيد للسجن المركزي الذي فيه عشرات المجرمين ممّن حبسهم قبل اعوام .. وهذا يعني ان حياته ستظلّ في خطر ، لحين البتّ في قضيّته الغامضة !
***
بعد شهور من المحاكمة .. ازدادت الأمور سوءاً بعد انكشاف أدلّة جديدة تؤكّد تورّط جاك وقريبه اريك في مهمّة طمس الأدلّة من مسارح الجرائم لقضايا قيّدت ضدّ مجهول !
حيث يبدو انه اشترى منزله الفخم من الرشاوي التي اخذها من المجرمين الذين انقذهم من العقوبة ، تماماً كقريبه اريك .. بل ظهرت ايضاً الأسباب الحقيقة لشجاره الأخير مع القتيل الذي فشل بطمس دليلٌ مهم ، ادّى للقبض على بعض افراد العصابة .. وهو عكس ما قاله بالتحقيق الأولي !
***
لاحقاً .. حُكم على جاك بالسجن عشر سنوات بسبب فساده الوظيفيّ فحسب! لعدم وجود ادلّة قوية تؤكّد قتله لقريبه ، رغم موته في منزله والعثور على جثته في سيارته !
***
بعد إمضاء جاك شهرين برفقة المساجين ، قدّم طلباً لمدير السجن بنقله الى زنزانةٍ منفردة ، بعد تلقيه العديد من التهديدات بالقتل من المجرمين الذين تعرّفوا عليه ..
فوافق مدير السجن على طلبه ، بالإضافة لاستحمامه ونزوله الى الساحة بأوقاتٍ مغايرة عن بقيّة المساجين ..
***
في إحدى الليالي الباردة .. واثناء قراءته كتاباً في زنزانته المنفردة ، سمع طرقاً على بابه ، لشخصٍ ينادي :
- العشاء !!
فاستغرب جاك لأنهم قدّموا العشاء قبل ساعة !
فاقترب من فتحة الباب الصغيرة المُخصّصة لصحن الطعام ، ليسمع الحارس يقول من خلف الباب الحديديّ :
- ابن عمي يُهديك السلام
جاك باهتمام : ومن هو ابن عمك ؟!
- والد القتيلة المراهقة التي وجدتم جثتها على قارعة الطريق السريع قبل عامين ، هل تذكرها ؟
- ربما !
الحارس : قريبي يعلم بأنك قمت بإخفاء آثار قدميّ المجرم المنغرسة في الوحل .. كما أخفيت لبانته التي رماها هناك ، والتي كانت من الممكن فضح هوّيته .. وبسببك ، قيّدت قضيتها ضدّ مجهول
- ومن اعطاه تلك المعلومات ؟!
الحارس : اريك أخبره بها ، وهو يترجّاه أن لا يغرقه في حمامك.. فقريبي توظّف كعامل نظافة في مركزكم لسنةٍ كاملة ، كيّ يراقبك انت وقريبك .. وفي أحد الأيام نسيت مفتاح منزلك على مكتبك ، فأسرع بنسخهم من متجر الخرداوت القريب من المركز .. ومن بعدها لحقك الى موقف السيارات لإعادتهم اليك .. ليس هذا فحسب .. فقبل خطفه اريك من امام البار ، تنكّر كعامل تصليحات لإعطال الكاميرات التي تُظهر منزلك في المجّمع ، بعد وضعه سمّاً خفيفاً في شايّ الحارس الذي أُصيب بتوعّكٍ معويّ ، منعه من التواجد امام البوّابة الرئيسيّة للمجمّع ليلة الجريمة.. ولأنه يعلم انك تترك سيارتك القديمة في مرآب منزلك ، وتذهب بسيارتك الجديدة الى بيتك الفخم ..فقد قام بإغراق اريك في حوض استحمامك ، ثم وضعه في صندوق سيارتك
جاك بصدمة : أكل هذا ليفضحني بأني شرطي فاسد ؟!
- بل لأنك ساهمت بفرار قاتل ابنته الوحيدة .. وعلى فكرة ، عامل النظافة المسكين الذي كنت تتكرّم عليه ببقايا طعامك هو رجلٌ ثريّ ، وقد دفع مبلغاً كبيراً لحارسٍ فاسد في سجننا لقتلك..
جاك بخوف : وهل ستقتلني الآن ؟!!
الحارس : لا ، فقريبي يعلم انني لا اخالف القوانين .. لهذا عرّفته على زميلي الفاسد الذي يملك كل مفاتيح السجن ، بما فيها مفتاح زنزانتك المنفردة ... احلامٌ سعيدة ، سيد جاك
وتركه يرتجف رعباً في زنزانته مظلمة ، مُنتظراً الموت في أيّةِ لحظة !
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا