ياسر : خفف السرعة قليلا يا رجل.
– اتركه يا باسم ، يبدو انه يهيئنا لسماع قصصه المرعبة من جديد ، صحيح لم تعرفنا على صديقك الجديد. ؟
نظر ياسر من خلال مرآة السيارة إلى ذلك الشاب بالخلف و الذي كان منطوياً ولم يشاركهم النقاش والضحك ثم تابع قائلاً :
– هذا صديقي ساهر .
وهؤلاء أصدقائي المجانين ، تابعها بضحك قائلاً :
– الجالس بجوارك هذا باسم ، أما الأخر فهو كرم.
نظر ساهر إليهم ثم ابتسم ابتسامة خفيفة متابعاً : مرحبا ، وعاد مجدداً لينظر للطريق من دون اهتمام لتلك الأسئلة…. من أين أنت وكم عمرك ؟ وغيرها.
شعر باسم الذي طرح الأسئلة بالإحراج لعدم الرد ثم اعتدل بجلسته وتابع النظر لياسر متابعاً :
– إلى أين تأخذنا هذه المرة ؟ يفضل ألا يكون منزلاً مسكوناً كالمرة السابقة.
– انه سر ، اصبر قليلاً لقد اقتربنا .
نظر الجميع حولهم إلى ذلك المكان انه لا يقل رعباً عن تلك الأماكن التي اعتادوا قضاء سهراتهم بها ، لم يكن منزلاً أو غيره إنما مجرد مكان بالعراء تقربه أشجار الغابة ، انعطف ياسر بالسيارة وبدأ الجميع بالنزول منها ثم احضروا عدة السهر ما بين بعض الحطب لإشعال النار وبعض الطعام للشواء وأيضاً المشروبات الباردة ، أشعلوا النار واصطفوا حولها وتركوا ضوء السيارة لينير لهم ، فذلك المكان كان خالي تماماً من الإضاءة ، وضعوا بعض الطعام على النار ثم التفت كرم لياسر متابعاً :
– هيا يا ياسر أبدأ بقصتك و يجدر أن تكون مرعبة وليس كعادتك ثم أمذ يضحك ..
التفت ياسر لساهر ثم تابع قائلاً :
– اخبرني ساهر أن لديه قصة ستعجبكم .
التفت الجميع لساهر منتظرين ليبدأ قصته
حرك ساهر النار بعصاه متابعاً :
سأخبركم بقصة ” أم الصبيان ” أنها قصة حقيقية ، أم الصبيان كانت جنية خالفت…. قاطعه باسم متابعاً….
– مهلاً مهلاً ، هل قلت جنية وقصة حقيقية بجملة واحدة ؟ ثم أكمل ضاحكا .. أنت بالتأكيد تمزح كيف تصدق تلك التخاريف ، لم يكن باسم من اللذين يصدقون بوجود الجن والأشباح وغيرهم لأنه لم يشاهدهم من قبل.
لم يبادله ساهر الرد بل اكتفى بتلك النظرة ، لم تكن نظرة لشخص يحب المزاح حتى ، وبالفعل شعر باسم بالإحراج للمرة الثانية ثم تابع قائلاً اعتذر : أكمل لو سمحت.
تابع ساهر…
كما قلت أم الصبيان كانت جنية خالفت تقاليد وعادات عشيرتها وتزوجت من الإنس ، لقد أحبت ذلك الشاب بجنون لكنه اخفى ذلك الأمر عن عائلته حتى لا ينعته احد بالمجنون بل اكتفى فقط برفضه الزواج من بنات الإنس ، حملت بعدها وكان حملها ليس كالبشر إنما كان يكتمل ويتسارع يوماً بعد يوم حتى جاءت تلك الليلة الباردة من ليالي الشتاء وجاء موعد الولادة وأنجبت صبيان توئم ، كانوا مزيجاً ما بين الجن والبشر ، خاصة ذلك الفتى الأصغر بثوان معدودة ما ميزه عن البشر هو عيناه السوداء وصراخه الكفيل بإيقاف قلب من حوله ، لكن بالرغم من ذلك كان يحسد على جماله وبراءة ابتسامته .
لم تتقبل عائلتها هولاْ الأطفال كما لم يتقبلوا زواجها من قبل فرفضوها ولم تدري إلى أين تذهب ، فأخذتها عجوز الجن تلك التي ساعدتها على الولادة ، كانت شاكرة لفضلها لكن لم تمر الأيام حتى بدأت حالة ذلك الطفل الشبيه بالإنس تتدهور ولم تدري أم الصبيان ما به حتى أخبرتها العجوز : لم يكن فقط شبيها بالإنس بهيئته بل لم يستطع أيضا أن يعيش بعالم الجن وتحتم عليها أن ترفعه لعالم الإنس ، لكن لم تدري لأين ولمن تتركه بذلك العالم ؟ ذهبت إلى زوجها لعله يساعدها وبالفعل لم يتأخر بذلك ، لكن عائلته لم تتقبل ذلك الطفل وأخبرته أن يتركه بالملجأ ، عارض الأمر كثيراً فهو لم يكن ليتخلى عنه ، لكن أم الصبيان لم ترد إهانة زوجها أكثر من ذلك ، فأخذت طفلها وظلت تطوف الطريق تحت المطر البارد وهي لا تعلم إلى أين تذهب ؟ حتى وقعت عيناها على ذلك المكان ، منزل بسيط تلمع به الأنوار وتنبعث منه رائحة الخبز ، قبلت ذلك الطفل ودمعت عيناها وهو يتمسك بأصابعه الصغيرة بيدها ويرفض تركها لكنها همست له متابعة : لن أتركك يا صغيري .. سأظل أراقبك.
طرقت الباب ثم وضعته وهي تتأمل عينيه اللتين بدأتا تتغيران لتلائمان ذلك العالم ، لم ترد أن يكشف أحد أمره ويصيبه بأذى.
– مجد ، ضع المزيد من الحطب بالمدفأة فالجو بارد جداً.
تقدم مجد للمدفأة ووضع بعض الحطب مقلباً النار وهو ينظر للنوافذ قائلاً :
– البرد قارص جداً والمطر يهطل منذ ساعة ، أشعر أن النوافذ ستطير من مكانها من قوة الرياح ، قاطع مجد صوت طرق على الباب ، ترك الحطب من يده متجها ناحية الباب ليفتحه وكأنه سيطير به من مكانه من هذا الجو ومجد يقاوم ذلك متجهاً بنظره حول المكان ، لا يوجد أحد ، من هذا الطارق هل هذا جو يصلح فيه المزاج ؟
هكذا كان يتمتم مجد بغضب ، عاد بنظره للداخل ليغلق الباب خلفه لكن لفت انتباهه تلك اللفة أمام المنزل المبتلة بالكامل ، اقترب منها أكثر ليتأكد منها ، انه طفل رضيع ويا له من طفل جميل بل جماله زائد عن الحد ، قاطع مجد صوت زوجته تسأله من الطارق ؟
فيجيبها بتعجب ممزوج بالفرح :
– انه طفل رضيع ، أحداً ما تركه هنا .
أخذه وتوجه به للداخل ، لكنه شعر أن أحداً ما يراقبه ، التفت لينظر بالخارج لا يوجد أحد عدا تلك الأمطار والرياح بصوتها المرعب كعادتها .
أسرع للداخل مغلقاً الباب خلفه ثم نظر لزوجته بابتسامة متابعاً :
– تعالي ألقي نظرة على هذا الطفل الجميل ، كيف يتخلى عنه أهله هكذا وبذلك الجو كم قلوبهم متحجرة ؟
اقتربت من الطفل زوجة مجد لينعكس على عينيها ذلك الجمال بعينيه السوداوين الجميلتين كسواد الليل وبشرته البيضاء كضوء القمر ، تنهدت متابعة :
– يا له من طفل جميل ، ثم نظرت إلى زوجها بسرعة متابعة : أسرع بإحضار ملابس جافة له قبل أن يمرض ، سامح الله أهله على فعلهم هذا.
أسرع مجد بإحضار الملابس وبعض الحليب الدافئ وسرعان ما غط الطفل بنوم عميق وكأنه ينام لأول مرة ، مرت الأيام ولم تساور أحد الشكوك ولو للحظة أن ذلك الفتى ليس انسياً مثلهم بل شعرت زوجة مجد أنه طفلها خاصة أنها لا تنجب.
واستمرت أم الصبيان بمراقبة طفلها من الحين للأخر حتى أن زوجة مجد كانت تستيقظ على صوت تهويدة لطفل ولا تعلم من أين تأتي تلك التهويدة ، بل كانت تستغرب من أنها تجد ذلك الطفل مستيقظاً بكل مرة ينظر إلى السقف وهو يبتسم ويضحك وكأن أحداً ما يداعبه.
كان مجد يعمل بدوام ليلي كحارس لأحدى الشركات بالإضافة إلى معاشه الحكومي الذي لم يكن يكفي لنفقاتهم بالإضافة إلى مرض زوجته الذي كان يأكلها يوما بعد يوم.
كان عمله يمضي بدون عقبات حتى جاء ذلك اليوم الذي غير كل شيء ، مضى كعادته يراقب المكان ذهاباً وإياباً حتى سمع صوتاً يصدر من ممر الشركة ، اقترب أكثر فأكثر حتى شعر يشخصاً ما خلفه موجهاً ذلك المسدس إلى رأسه ، شعر مجد وقتها أن هذه هي النهاية وتأكد من ذلك عندما جعله يجثو على الأرض وصوت المسدس يصدر ذلك الصوت للاستعداد لإطلاق الرصاصة ، أغمض مجد عينيه للاستعداد للموت ، لكنه سمعه يتجادل مع شخص أخر معه.
– ماذا تريد منه ؟ معنا المال هيا نذهب بسرعة.
– اذهب أنت سألحق بك.
– هل جننت ؟ انه رجل عجوز ماذا تريد منه ؟ سحبه من ذراعه متابعاً : هيا قبل أن تأتي الشرطة.
– قلت لك اذهب آنت ، قالها بصراخ وتابعها بدفعة لصديقه أسقطته على الأرض .
لم يكن يملك مجد الجرأة للنظر إليهم فهم بالتأكيد لن يتركوه حياً أن تعرف عليهم وهو بعنقه مسؤولية زوجته المريضة وأطفال الملجأ فلا وقت لتمثيل دور الشجاع أو الفضولي ، قطعت أفكاره صراخهم.
– احترس خلفك !
لم يسمع بعدها سوى صرخة الرجل ثم اختفت لتبادرها توسلات الرجل الأخر :
– لا أرجوكِ ، اتركيني لم افعل شيئاً.
ساور مجد الفضول أكثر بعدما حل الصمت ليفتح عينيه ، لكنه لم يجد سوى رجل واحد فقط كان يجلس بركن مظلم وصوت بكائه ذاك جعل مجد يقترب منه متسائلاً عن سبب ذلك الصراخ والبكاء ، امسكه من كتفه ، لكن ذلك الرجل انتفض متابعاً :
– لا أرجوكِ اتركيني ، لم أفعل شيئاً.
دب الرعب بقلب مجد عندما نظر لعينيه تلك التي ابيضت تماماً ولا يعلم ما الذي حدث أو من فعل ذلك ؟ لكن شيئاً ما أثار فضوله للنظر خلفه ليجد تلك المرأة التي غطاها السواد كاملاً ، ابتعد أكثر فأكثر حتى التصق بالجدار ولقد علم الآن من فعل ذلك بهم.
كان يحدث نفسه ما هذا اليوم المشؤوم ؟ الإنس والجن يريدون قتله ما هذا الحظ ؟ لكنها استدارت وتقدمت تجاه الجدار ثم اختفت وتركته بحيرة من أمره ، امسك مجد الهاتف متابعاً اتصاله بالشرطة وما أن وصلت الشرطة حتى امتلأ المكان ما بين رؤساء تلك الشركة ورجال الشرطة وبرغم التحقيق مع مجد إلا انه لم يذكر إي شيء حول ما رآه وسمعه ، فلم يرد أن يزيد حظه سوءا بإدخاله مشفى الأمراض العقلية مثل ذلك الرجل الذي لم يفعل شيئا سوي أنه كان يردد : أبعدوها عني.
مرت الأيام على تلك الحادثة وقرر مجد أن يترك ذلك العمل فيكفيه ما مر به ، ظن انه سيستريح قليلاً ، لكنه كان مخطئا فلقد كان يراها مرة تدخل غرفة الطفل ومرة أخرى يراها تحمله وعندما يشعل الضوء أو يركض خلفها تكون اختفت ، اقتربت منه زوجته لتسأله عن شروده المستمر فأخبرها بما حدث منذ الحادثة حتى وقتهم هذا وانه يشعر أن ذلك الطفل له علاقة بما يحدث ، لم يستطع عقلها استيعاب ما يقصه زوجها حتى رأت ذلك بعينها ،
بيوم من الأيام كانت نائمة بجانب الطفل وكان يلعب بدميته ، استيقظت على صراخه الذي جعل الرعب يدب بقلبها وانتفضت بعيداً من شدة رعبها وهي تنظر إلى صراخه يزداد و ملامحه تتحول للأسود ، لفت انتباهها دميته على الأرض لكنها لم تكن تملك الجرأة حتى للاقتراب منه ، بذلك الوقت ظهرت أم الصبيان بالغرفة وكان السواد يلفها وكأن ظلام الغرفة لم يكن كافياً لزيادة الرعب بقلب زوجة مجد التي ظلت تنظر بخوف إلى تلك الجنية وهي تقترب من الطفل ثم حملته وأخذت تهدئه حتى استغرق بالنوم ، و ما أن رأت زوجة مجد ما يحدث حتى علمت أن ذلك الطفل من الجن وتلك هي والدته ، لكن ما كان يشغلها هو ماذا سيحدث لها الآن ؟
اعتقدت انه سيصيبها أذى منها لكنها لم تفعل ذلك بل وضعت طفلها بمكان نومه ثم اقتربت منها وأخذت تطمئنها أنها لن تصيبها بأذى ثم بدأت تقص لها ما حدث معها وإنها تحتاج لأحد من الإنس كي يعتني بطفلها كونه لا يستطيع تحمل أجواء العالم الأخر .
ظلت تراقب صمتها بل ذعرها فهي لا تصدق أنها الآن وحدها مع اثنان من الجن و لا تعلم هل هناك غيرهم بالغرفة أم لا ؟ تأملت أم الصبيان ذلك الصمت الذي طال ثم انسحبت بهدوء.
تباعدت خطواتها تجاه الطفل وقبل أن تحمله استعادت زوجة مجد رشدها ، لقد شعرت أنها تأخذ طفلها هي وليس طفل الجنية، ذلك الطفل الذي شعرت معه بمعنى الأمومة ولا يهم أن كان من الجن أو حتى مخلوق ما .
قبل أن تختفي به أسرعت بقولها :
– لا اتركيه ، أعدك لن ادع شيئا ما يصيبه بأذى .
التفتت لها أم الصبيان وبهدوء تركت الطفل مكانه وما أن اختفت حتى ركضت تجاهه زوجة مجد وأخذت تضمه وقلبها يشعر أن ذلك الطفل هو قطعة منها ولا تستطيع التخلي عنه ، لكن للأسف لم تدم سعادتها طويلاً فمرضها كان يصارع رغبتها بالحياة .
لأخر يوم بحياتها كانت متمسكة بذلك الطفل حتى فارقت الحياة وتكاثرت المسؤولية على مجد وقرر أن يودع الطفل بالملجأ ، فكيف لرجل عجوز مثله أن يتحمل تلك المسؤولية الكبيرة.
ذهب به إلى الملجأ لكن التساؤلات ظلت تساور عقله ، هل سيكون بخير ؟ هل سيتبناه احد ؟ والكثير من التساؤلات فظل يتردد على ذلك الملجأ حتى اطمئن أن رجل أعمال و زوجته قد طلبوا تبنيه ، شعر بذلك الوقت انه الآن اطمئن عليه وانه سيحيى حياة كريمة ، لكنه كان مخطئا ، لم يخطر له و لو للحظة أن تلك ستكون نهاية الطفل المسكين ، وأيضاً نهاية تلك العائلة
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا