أحياناً يدفع الفشل في الحياة بعض المجرمين إلى أن يكونوا سفاحين ناقمين على المجتمع ، لا همّ لهم إلا أن ينشروا الرعب بين المواطنيين .
تجمعت الأسرة على طاولة العشاء يأكلون و يتسامرون بمنزلهم في أحد أحياء بغداد ، لم يكونوا يعلمون أنه هذا هو عشاءهم الأخير و أن الأغطية التي تغطوا بها عند نومهم سوف تكون أكفانهم ، فعندما خلدوا إلى النوم خرج ” أبو طبر ” من مخبئه و أخرج قضيباً حديدياً من بين ثيابه و انهال بضربة قوية على رب الأسرة فهشم بها رأسه ليموت على الفور ، ثم ضرب زوجته على رأسها تاركاً إياها جثةً هامدةً ، و عندما هم بالخروج لاحظ السفاح غطاء أحد الأسرة يتحرك فتوجه إليه و سمع صوت بكاءٍ مكتوم ، فرفع الغطاء ليجد طفلاً يبكي مرعوباً من هول ما شاهد ، ترجاه الطفل بصوتٍ متقطعٍ ” حباً في الله ارحمني يا عمي ” لكن أبو طبر لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ، فرفع الحديدة و أنزلها على رأس الصبي ليتركه يسبح في بركة من الدماء .
من هو أبو طبر ؟
اسمه حاتم كاظم هضم ، من مواليد عام 1932 م في قضاء المسيب بالحلة ، سُمي ابو طبر لأنه أشيع بين الناس أنه كان يقتل ضحاياه بالفأس ، لكنه بالحقيقة كان يهشم رؤوس ضحاياه بقضيب حديدي بين عامي 1973-1974م ، أكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة عام 1946- 1949م ، و درس في كلية المفوضين و تخرج منها عام 1951م برتبة مفوض ، و انتسب إلى شرطة لواء الحلة لكنه فصل من الخدمة بعد سنة ؛ بسبب أخلاقه السيئة ، و بنفس العام عاد للدراسة و أكمل الثانوية العامة عام 1953م ، التحق بكلية القوة الجوية و فصل منها و هو بالصف الثالث لأنه تعمد تخريب طائرة التدريب بسبب طيشه و تهوره ، سافر إلى الكويت عام 1957م و عاد للعراق بعد عامين و عمل بوظيفة محاسب جباية في دائرة أوقاف ” كركوك ” و لكنه فصل منها بسبب اختلاسه الأموال ، و تم سجنه سنتين و نصف ، ثم سافر إلى أوروبا عام 1962م ، تنقل بين بلجيكا و النمسا و ألمانيا و سويسرا و اليونان و ايطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم استقر بميونخ في ألمانيا الغربية حيث أصبح يجيد عدة لغات غير العربية ، منها الانجليزية و الألمانية و الفارسية و الكردية ، عمل في تهريب السيارات و السلاح من بلجيكا و ألمانيا إلى اليونان و تركيا و سوريا لحساب مهربين ألمان و يونانيين ، كانت حياته هناك حياه عبثية من تدخين و شرب الكحول و ممارسة الجنس بالذات مع الطبيبات ، تم اعتقاله عدة مرات في أوروبا بسبب عدة جرائم منها التهريب حيث سجن عشرة شهور ، فعاد إلى العراق عام 1970م وحاول استصدار شهادة عدم محكومية لكن تاريخه كان مليء بالمخالفات لهذا زور الشهادة ، نزع الصورة و ثبت صورته ، كما محا الاسم و كتب اسمه و رسم الختم فوق الصورة حتى يصبح سجله نظيف ، سكن في بغداد هو و زوجته ” ساجدة ” بجانب مسجد أم الطبول حيث ابتدأ جرائمه عام 1973م .
مشاركه أسرته بالجرائم :
العائلة الكريمة !!
أسرته المكونة من : شقيقيه حازم و غالب ، و أمه و زوجته ساجدة و ابن شقيقته ” حسين علي حسون ” – الذي كان مرافقاً له في اغلب جرائمه – كانت تساعده في بيع الأغراض المسروقة من ضحاياه ، كما كانت زوجته ساجدة تذهب للعمل كخادمة في المنازل حيث كانت تعطي المعلومات لزوجها عن المداخل و المخارج للبيوت ، كما تدله على بيوت الأسر الغنية لغرض سرقتها ، ثم تترك العمل عندهم حتى لا يشك بأمرها ، كما أنهم كانوا يعطوه المعلومات عن البيوت التي هاجر أهلها إلى لخارج ليقوم بسرقتها ، كانت أدواته هي قضيب حديد اشتهر به و مسدس و قفزات لليد و حبال لتوثيق ضحاياه و تسلق الأسطح .
سجل جرائم ابو طبر :
– أولى جرائمه قتل رجل يهودي في منطقة ” البتاوين ” بضربه على رأسه ، ظن أنه غني لكنه لم يجد معه شيء .
– اقتحم منزل ” ماجدة الحمامي ” بمساعده ابن شقيقته ” حسين علي حسون ” و قاموا بتوثيق الضحية بالحبل و سؤالها عن مكان ذهبها و أموالها لكنها رفضت إخباره ، فغضب و شج رأسها بالقضيب الحديدي ثم قتلها و سرق بعض الذهب و الأثاث ثم هرب بسيارة القتيلة و تركها في منطقة العامرية ، اعتقلت الشرطة زوجها ” رشيد مراد رشيد ” و اتهمته بقتل زوجته ، أطلقوا سراحه بعد تعذيبه و التحقيق معه
– في يوم 1973/9/4م ارتكب جريمة قتل عميد الشرطة المتقاعد ” بشير احمد السلمان ” و عائلته في مدينة الشرطة ، حيث تسلل هو و ابن شقيقته حسين إلى حديقة الجيران و ظلا هناك من الساعة 1 ظهراً إلى 2 ليلاً من دون طعام أو شراب ، ثم تسلقوا إلى المنزل من جدار الجيران عبر السخان و بعدها من فتحة التبريد إلى سطح منزل المجني عليهم حيث كانوا نائمين على سطح المنزل بسبب الحر ، قام أولاً بقتل بشير ثم زوجته ” بشرى احمد خليل ” ، كانت معلمة في مدرسة الازدهار ، ثم قتل ابنهم أحمد البالغ من العمر 12 سنة و طالب بالصف الرابع الابتدائي .
كما قتل شخصاً رابعاً و تبين أنه ” إحسان جميل أحمد ” البالغ من العمر 21 سنة ، و هو طالب جامعي ، هو ابن شقيق زوجه بشير ، كان ضيفاً لديهم في تلك الليلة المشئومة ، بعد هذا نقل السفاح و مساعده الجثث إلى حوض الاستحمام ، و وضع جثة الزوجة فوق السرير ( السفاح يعاني من النيكروفيليا ) ثم حملوا المسروقات في سيارة المجني عليه و بعدها تركوا السيارة خلف مستشفى اليرموك .
– في أواخر شهر أيلول لعام 1973م ارتكب جريمة قتل عائلة اليهودي ” جان آرنست ” في منطقة ” كرادة مريم ” على بعد 200 متر من بوابة القصر الجمهوري عند جسر المعلق ، داخل من الباب الخارجي ثم طرق الباب الداخلي فخرجت له زوجه جان ، سألها إذا كان أحد من الأسرة مسافراً خارج العراق ، فأجابته أنهم غداً سيسافرون ، لكن ابو طبر لاحظ علامات الشك و الاستغراب على وجهها ، خشي أن ينكشف أمره فباغتها بضربه على رأسها بالحديدة فخرت صريعة ، سمعت ابنتها أصواتاً عند الباب فأسرعت لتنجد والدتها فقتلها ابو طبر أيضاً ، دخل هو و مساعده حسين للبيت فشاهدتهم الخادمة ، هربت للمطبخ فلحقها ابو طبر و ضربها على رأسها ، لكن لحسن حظها لم تمت و نجت بعد ذلك ، ثم نقلوا الأغراض المسروقة إلى سيارة الضحية و أخفوا الأغراض بمنزلهم في ام الطبول ، ثم ترك السيارة في منطقة الشرطة و عادوا لمنزلهم بسيارة أجرة .
– آخر جرائم القتل عندما قتل حلاقاً في منطقة ” النعيرية و الكيارة ” بمساعدة قريبه المدعو ” حمد عبد المهدي ” و قام بسرقة ما بحوزته من ذهب و نقود و سجاد و نقلها بسيارة القتيل ثم تركها في منطقة الشعلة .
– اقتحم منزل الطبيب ” احمد العندليب ” حيث ترصد له ، لكن لحسن حظه لم يكن موجود فسرق الذهب و النقود و نقلها لمنزله .
أسطورة ابو طبر و إرعاب سكان بغداد :
عم الرعب في العاصمة بغداد و كان الناس يتناوبون على حراسة منازلهم ليلاً ، و انتشرت أسطورة الرعب شمال و شرق العراق حتى خاف الناس في الأرياف و البوادي ، حيث زعم البعض أنهم شاهدوه هناك رغم أن عمليات القتل اقتصرت على مناطق في بغداد فقط ، في حين انتشرت إشاعات أن ابو طبر عبارة عن مؤامرة ، و بنفس الوقت كان هناك ضغط على المسئولين الأمنيين للقبض عليه ..
رُبّ ضارة نافعة :
على الرغم من جرائم ابو طبر الفظيعة و البشعة إلا أنها تسببت في عدة أمور :
– تكاتف و تعاون الناس و الأهل مع بعضهم البعض لغرض الحراسة.
– انخفاض نسبة السرقة لخوف اللصوص من اتهامهم بأنهم هم السفاح إذا اعتقلوا .
– انخفاض أسعار المنازل في مناطق بغداد خصوصاً تلك التي وقعت فيها الجرائم ( مصائب قوم عن قوم فوائد )
مواقف مضحكة من جرائم السفاح :
– في حرب تشرين العاشر من رمضان 1973م و انشغال الناس بمتابعة أخبار الجيش العراقي ، توقفت جرائم ابو طبر مؤقتاً حتى قال الناس بسخرية أنه ذهب للقتال بالجبهة .
– ذهب ابو طبر لعلاج زوجته عند أحد الأطباء ، و طلب منه الطبيب الخروج من الغرفة لمعاينه زوجته ، لكن ابو طبر رفض الخروج فطرده الطبيب بالقوة ، و بعدما عالج الطبيب زوجته ذهب ابو طبر بها لبيته و عاد لينتقم من الطبيب ، صعد في الصندوق الخلفي لسيارته و في الليل خرج ابو طبر لقتل الطبيب لكنه سمع أصوات أناس تصرخ و تبكي ، فاكتشف أن الطبيب مات ، فعاد لمنزله ( الموت سبق ابو طبر ).
– و في أحد الأيام تشاجر مع حلاق على أجرة حلق شعره و قال له الحلاق ” لو معي صمغ لألصقت شعرك ” ، فقتله و سرق ما معه .
جهود الدولة و الشرط للقبض عليه:
في البداية اتهمت الشرطة أهالي القتلى ، فكانوا يعتقلون زوج المقتولة أو زوجة المقتول ، لكن بعد جريمة مقتل العقيد المتقاعد بشير و أسرته بدا واضحاً أنهم يواجهون سفاحاً ، لهذا أعلنت الدولة جائزة قيمتها 500 دينار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على هذا السفاح ، و فرض حظر التجول في بغداد ، كما منعت حركة الطيران من و إلى مطار بغداد ، و انتشرت نقاط التفتيش و قسمت بغداد إلى مربعات أمنية ، و استعانت الدولة بمدير أمن فرنسا و مدير أمن الاتحاد السوفيتي لكنهم فشلوا و السبب أن ابو طبر كان منتسباُ للحزب الحاكم ، و لهذا كان يشارك الشرطة في عمليات البحث و التفتيش و يعرف تحركاتهم .
اعتقال ابو طبر و التحقيق معه
في تاريخ 1974/3/30م اقتحم ابو طبر منزل الطبيب ” يوسف بولص الجادرجي ” في شارع الصناعة حيث كان الطبيب مسافراً للخارج ، و لكن الحارس كان في المنزل و صرخ عندما شاهد ابو طبر الذي ارتبك بدوره و حاول الهرب ، لكن شباب المنطقة حاصروه و قامت معلمة من بيت عائلة ” أميل رؤوف ” في نفس الشارع بتبليغ الشرطة التي أرسلت دورية للمنزل و قبضت على ابو طبر .. كان كلامه متناقضاً فتارة ادعى انه طيار متقاعد و تارة أخرى قال أنه صاحب محل في منطقة الإسكندرية ، كما ضبطت الشرطة معه حقيبة فيها مسدس مع عشر طلقات و قضيب حديدي و بعض الأدوات ، تم تسليمه إلى مكتب مكافحة الإجرام في الكرادة حيث استدعوا العقيد ” فيصل محجوب ” قائد القسم الذي حقق معه بدون تعذيب ؛ لأنه عُرف بأسلوبه الهادئ في التحقيق ، و اعترف ابو طبر بكل جرائمه ..
و عندما سأله عن أصعب جرائمه ؟ أجاب أن قتل العقيد بشير و أسرته أصعب جريمة ؛ لأنه بقي بدون طعام أو شراب لوقت طويل ، من 1 ظهراً إلى 2 ليلاً.
و سأله عن ما إذا شعر بالذنب أو تأنيب الضمير؟ أجاب أنه تردد في قتل طفل صرخ ” لا تقتلني ” لكنه قتله
و سأله عن شعوره بإرعاب الناس؟ قال أنه رمى حجر إلى أحد البيوت فأطلق السكان النار خوفاً ففرح لأنه أرعب الناس .
و سأله إن خاف أن ينكشف أمره ؟ فقال لم اخف من الشرطة لكني خفت من طفل صغير وجدته بالشارع و أشار بإصبعه إلي و قال ” هذا ابو طبر “
و سأله لماذا قتل هؤلاء الضحايا و كان يستطيع سرقتهم دون قتل ؟ أجاب أنه كان يقتحم البيوت فلهذا سوف يواجه سكانهت ، لذلك يجب قتلهم حتى يسرق و يغتصب براحته ، و قال أنه يستمتع بقتل الناس حتى لو شرب من دمائهم ، و تم نقل بعض مشاهد التحقيق على التلفاز .
و بعد تفتيش منزله وجدوا الكثير من الأغراض المسروقة منها سروال من قماش نادر سرقه من منزل ” جان آرنيست ” و راديو مسجل نادر ، كما تم ضبط تلفزيون صغير مع منشفة حمام كان قد حملها من منزل الضحية ” ماجدة الحمامي ” ، كل هذه الأدلة إضافة لشهادة الخادمة التي نجت من الهجوم في منزل ” جان آرنيست ” ، أثبتت التهم عليه و تم إعدامه و تسليم جثته لدار الطب الشرعي الذي أثبت وفاته ، ارتاح الناس من شره أما بقية أسرته فقد تم الحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة لمشاركتهم في جرائمه .
المصادر
موسوعة ويكيبيديا
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا