خالد (18سنة) طالب في المرحلة الثانوية .. مقبول الشكل .. كثيف الشعر .. طوله متوسط .. بشرته تميل إلى البياض .. يتمتع بالمراحة وروح الشباب وخفة الظل .. والاهم من ذلك كله خامة الصوت التي أنعمها الله سبحانه وتعالى عليه …
كان خالد مولعاً جداً بالغناء .. منغمساً في سماع الكثير الكثير من اغاني المطربين .. كان يطمح عند تخرجه من الثانوية أن يُبتعث للخارج لكي يدرس الموسيقى .. كان يمتع اقرانه بغناء صوته الجميل في أحد الاستراحات التي كانوا يترددون ويجتمعون فيها ..
***
“خالد انتبه لنفسك جيداً فالبرد قارصا في البر”
هتفت بذلك أمه من خوفها عليه أثناء خروجه من البيت .. فقد اتفق خالد مع اصحابه للاقامة لعدة ليالي في البر بأحد الصحاري التي تبعد من مدينته قرابة 200 كيلو متر ..
قطن خالد وأصحابه في أحد الاماكن المختارة في الصحراء ونصبوا الخيام .. وقضوا أيام ممتعة تتخللها البهجة والسرور والشواء وأكل مالذ وطاب وبعض المقالب البسيطة التي أعتاد أحد أصحاب خالد القيام بها .. فضلاً على ذلك كله .. صوت خالد .. غناؤه الذي يتردد يومياً .. كان في آخر الليل حيث تحلى السهرة ..
***
بعد قضاء تلك الليالي الممتعة في الصحراء .. عاد خالد إلى البيت .. وهنا بدأت الانتكاسه..أصبح ينتابه شعورا بالاكتئاب وضيق الصدر .. أصبح انطوائياً .. حاد الطباع .. سريع الغضب .. كثير القلق .. يقضي معظم اوقاته لوحده شارد الذهن .. لا يعلم ماذا جرى له ..
استمر خالد على هذه الحال قرابة اسبوع حتى أتى ذلك اليوم كان فيه مستلقياً على فراشه لينام لكي يتهرب من يومه الكئيب .. فلم تمضي سوى دقائق إلا وغط في نوم عميق ..
فجأةً!! أخترق عقله ذلك الصوت الذي ينادي اسمه .. “خالد..خالد” ..
صوت غريب.. مزيج بين الانوثة وفحيح الافاعي .. أصاب خالد برجفة شديدة في جسده.. ضربات قلبه أصبحت تزداد… برودة في جسمه .. شعر بالهلع من جراء هذا الصوت الذي ينادي اسمه.. فأطلق صرخة فزع كافية لاختراق جدران البيت..
“لاااااااااااااااااااا”
“مابك يابني”.. هتفت بذلك أمه بعد أن خرجت إليه من غرفتها مفجوعةً من صارخ ابنها..
“لاشي أمي..مجرد كابوس بسيط”..
“أمتأكد انت”..
“نعم يا أمي.. اطمئني”..
***
تكرر الحلم في اليوم التالي.. لكن هذه المرة بشكل مختلف..
ضربات قلبه بازدياد كالمرة السابقة وكذلك رجفة في جسده وخوف الخ.. وصوت يخترق عقله..”صوتك جميل ياخلودي” قالتها إمرأة ظهرت له بمظهر جميل وفاتن.. بفستان ناصع البياض.. يفوح منها رائحة العطر والبخور.. شعرها يميل إلى الشقار..وأصبحت تقترب منه تدريجياً..
“أعجبني صوت غنائك في الصحراء.. فلحقت بك إلى أن عرفت بيتك”.. ذُعر خالد من هذه المرأة.. لم يستطيع الرد عليها من صدمة مارآه.. “لاتخف ستعتاد علي”
بدت هذه الجملة الاخيرة الممزوجة بين الصوت الانوثة وفحيح الافاعي تتردد في ذهنه.. إلى أن خفت صوتها بشكل تدريجي..
استيقظ خالد من نومه ولكن دون صراخ هذه المرة.. بدى له شعور بالخوف من هذا الحلم.. إلا أنه في نفس الوقت ينتابه بشعور من الارتياح لكلام هذه المرأة.. ولكن لاحظ بها شيئا غريبا .. فعيونها مشقوقتان طولياً!!
***
مضى خالد يومين بعد ذلك اللقاء وهو على حاله الاخير.. كئيباً وانطوئياً.. لايخرج من البيت سوى المدرسة.. ولايخرج غير ذلك إلا بشق الانفس وبإلحاح شديد من والديه لزيارة أقاربه وأجداده.. إلى أن أتى ذلك اليوم وأشرفت الساعة إلى الواحدة ليلاً.. وكان مستلقياً على سريره وغط في نوم عميق واتاه ذالك الصوت الغريب مرة أخرى وظهرت له المرأة وتكررت حالته التي كانت تحدث له كالمعتاد.. خوف رجفة في الجسد الخ..
“أعلم أنك مندهش ياخالد” “لاتخف لن أؤذيك”
انتابه الارتياح لحديثها معه.. وتشجع وقال.. “من أنتي”
“أنا جنية”
تشجع مرة أخرى.. “ماذا تريدين مني”
“منذ اللحظة التي سمعت فيها صوتك انتابني شعور مختلف.. دخلت جسدك وفرضت سيطرتي عليه”
“لماذا دخلتي جسدي”
“إنه العشق ياخلودي”
كان خالد متردداً بالرد على مشاعر هذه الجنية.. جزء منه كان خائفا منها.. والجزء آخر هو الشعور بالارتياح حيال هذه الجنية..
“سأجعلك أسعد إنسان على وجه الارض”
كان سكوت خالد يوحي بالقناعة والرضى إزاء الاخيرة.. بدى له شعور بالاستلطاف تجاه هذه الجنية..
***
استمر لقاء هذين العشيقين عدة أسابيع.. تغير فيها خالد.. أصبح يشعر بلهفة في لقياها كل يوم.. وأصبح ينتظر حلول منتصف الليل حتي ينام ويلتقي بها.. كان برنامجه اليومي فقط الذهاب إلى المدرسة والمكوث في البيت (لايخرج غير ذلك إلا في أضيق الحدود)..
يرجع ذلك إلى عشقه لهذه الجنية.. فقد كانت تسعده و تظهر بمنظر أجمل جميلات الانس وأشهر مشاهير النساء في العالم.. فخالد في سن المراهقة وهذا مما يزيد الطين بلّه..
***
في أحد الايام دبّ شجار بينه وبين أحد زملائه في المدرسة.. يُدعى فواز.. كان فواز صاحب مشاكل.. يمارس الفتوة بالمدرسة وكان معظم الطلاب تهابه.. كان كل يوم تقريباً يختار ضحيته من الطلاب ويتعارك معه.. فنظراً لحظ خالد السيئ وقع الاختيار عليه.. أتاه فواز وكان خالد جالساً في مكانه في الفصل شارد الذهن ..
“اسمع.. اليوم لدي حفلة مع أصحابي في الاستراحة.. نريدك أن تطربنا”
“لااستطيع”
“ماذا قلت”
“قلت لااستطيع”
“أعد ماقلت”
انفعل خالد ازاء اسلوب فواز الاستفزازي ولكن بصوت أكثر حدة..”قلت لااااا استطيع”
مد فواز يده محاولاً لكم خالد بلكمة قوية..إلا أنه حدث ماحدث.. فور أن مد فواز يده للضرب تعرض لنوبة صرع مفاجئة ألقت به على الارض!! انتفض خالد من مكانه وكذلك بقية طلاب فصله من هول مارأوه, ونقل فواز إثرها إلى المستشفى..عاد خالد إلى بيته من المدرسة مندهشاً من الحالة المفاجئة التي تعرض لها زميله فواز لم يجد لها تفسيراً..
***
في احدى المرات كان خالد يقود سيارته بسرعة عالية بعد عودته من المدرسة متجهاً إلى البيت.. وأثناء مروره في التقاطع, خرجت أمامه سيارة بطريقة مباغتة من الشارع الفرعي..كبس خالد على مكابح السيارة وهو مفجوعاً كي تتوقف السيارة ولكن كان متأخراً, وعندما أوشك على الاصطدام .. أحس بشيء غريب كهبة هواء قوية أبعدته من وقوع الحادث ونجى من الحادث (بفضل لله سبحانه).
عادت إليه الجنية في اليوم التالي: “أرأيت كيف فعلت بذلك الطالب الذي حاول ضربك”
“لايكون..”
“نعم أنا التي فعلت ذلك.. لن أسمح لذلك المتعجرف بأن يؤذي خلودي حبيبي”
شعر خالد بالخوف من هذه الجنية فبدت له أنها خطيرة ولكن للاسف مازال حبه لها هو سيد الموقف.. وقضيا مع بعضهما مايقضي به العشاق..
***
“مابها ابنة عمك منال.. لاينقصها شيء..جمال ودلال وأخلاق”
“لا أعيب فيها شيء ولكنني مازلت يا أمي صغيراً على الزواج”
عرضت أم خالد على ابنها فكرة الزواج من ابنة عمه منال إلا أن خالد يرى بأن مسألة زواجه مازال مبكراً عليه..
“نخطبها لك حتى لاتفوتنا الفرصة.. وعندما تدخل الجامعة وتتخرج وتحصل على وظيفة نزوجها لك”
أقتنع خالد بفكرة الخطبة المنطقية من ابنة عمه ووافق على ذلك..
ظهرت له الجنية في اليوم التالي,إلا أنه هذه المرة ظهرت له بشكل ابنة عمه.. اندهش منها خالد فمالذي يحضرها أمامه,, ولكن في النهاية عرف بأنها الجنية فعيونها المشقوقتان طولياً تفضحها.. اقتربت الجنية منه تدريجياً وهي على هيئة ابنة عمه..
“مارأيك فيني .. أيعجبك شكلي” “استطيع أن أتحول إلى أي هيئة تريدها.. أستطيع أن أجعلك سعيداً,لكن..”
قاطعها خالد مجيباً ..
“لكن ماذا”
“اترك تلك الانسية وانسى مسألة زواجك من أية أنسية من الآن وصاعداً”
“لماذا”
“لن أسمح أية أنسية بأن تسرقك مني”
“لكن يحق لي الزواج فأنا بشر كأي انسان بشري يريد الزواج في المستقبل وأن يكون له بيت وذرية “
أزدادت حدة نبرة صوت الجنية غضباً والذي هو صوت فحيح الافاعي..
“لن تتزوج فأنت عشيقي إلى الأبد”
ارتبك خالد من ردة فعل الجنية..”لنؤجل مسألة الحديث عن زواجي لاحقاٌ ودعينا نقضي معاً اوقات ممتعة”
شعرت الجنية في داخلها بأن خالد يخفي شئياً ويحاول تغيير الموضوع ليتملص من الاستمرار في حديثه عن الزواج.. لم تطمئن الجنية بما قاله خالد..وقضيا مع بعضهما كما هو المعتاد..
بعد فترة وجيزة أتى خالد خبر من أمه عن نقل ابنة عمه منال إلى المستشفى اثر نزيف حاد بالمخ بسبب سقوطها من درج صالة منزلها..شك خالد بأن للجنية علاقة بالأمر… وفي نفس اليوم والساعة تشير إلى السادسة مساءً.. كان خالد في المطبخ يصلح الشاي وكانت نافذة المطبخ تطل على حوش بيته, وبطريقة مفاجئة دخل قط أسود من النافذة محاولاً مهاجمة خالد..
لوح خالد بيده محاولاً إخافة القط واخراجه من المنزل ولكن القط لم يتجاوب لذلك.. شعر خالد بخوف من هذا القط..فأمسك بأداة حادة وضرب بها القط وسقط ميتاً.. ورماه في حاوية النفايات التي بقرب منزله.. ظهرت له الجنية في اليوم التالي كما هي العادة..
“خلودي حبيبي”
دخل خالد بالموضوع مباشرةً ودون أية مقدمات.. “أأنت فعلتي ذلك بابنة عمي”
كان يحاول خالد أن يقطع الشك باليقين من جراء هذا السؤال,لكن كان رد الجنية..
“تلك الحمقاء نالت ماتستحق”
“لماذا انتي مصرة على الوقوف بطريق زواجي”
“قلت لك لأن أسمح أي انسية أن تسرقك مني, فأنت عشيقي إلى الابد”
“لكن من حقي أن اتزوج”
“وأنا لن أسمح بذلك”
“مجنونة”
“اتنعتني بالمجنونة”
“عشقك لي قد يشكل خطورة علي وعلى أهلي وأقاربي وكل من أحب”
اشتد الجدال بين هذين العشيقين..
“لماذا تفعل بي ذلك بعد كل مافعلت لك وأنت تنعتني بالمجنونة”
رد خالد مستهتراً..
“ماذا فعلتي أصلاً”
“أنا التي عشقتك وتتبعتك من الصحراء وحميتك من الطالب المتعجرف و أنا التي حميتك من وقوع الحادث”
اندهش خالد من عبارتها الاخيرة فهي التي تدعي بأنها حمته من ذلك الحادث الذي كان ان يفضي بحياته الى الموت..لكن استجمع خالد شجاعته وقال : “بالنسبة لنجاتي من الحادث فهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى,ولم يكتب لي وفاتي أو اذائي منه”
“والقط الاسود..أنسيت..لقد كان ابن عمي.. كان يغار منك لأني مولعةً بك, وهاجمك لهذا السبب,وأنت قتلته.. ومع كل ذلك مازلت أعشقك” اندهش خالد من كل ماقلته تلك الجنية وعرف أنها هي السبب في الاحداث الغريبه التي كانت تحصل له..
أراد خالد أن يضع حداً لهذه العلاقة مستجمعاً كل شجاعته قائلاً بصيغة أمر الضابط العسكري..
“يجب أن تتركيني للأبد”
لاحظت الجنية صرامة خالد في توجيه الأمر بأن تتركه للأبد, وردت مستهترةً..
” لن تستطيع فعل شيئ فأنا داخله في هذا الجسد.. مسيطرةً عليه”
“ستخرجين مذلولة بإذن لله تعالى”
أُصيب خالد بصوت رنين حاداً أزعجه كثيراً.. لأن الجدال انقلب إلى تحدي.. واستيقظ من نومه مفجوعاً..
***
لاحظت أم خالد في الفترة الاخيرة حالة ابنها تزداد سوءً أكثر مما قبل.. أصبح يغيب عن المدرسة.. شديد الكآبة..حزيناً جداً..شارد الذهن, كل ذلك لأنه كان مهموماً بالازمة التي حلت به والتي هي تحديه مع هذه الجنية..
شكت أمه بأن خالد مصاب بمرض روحي.. لذا اقترحت على ابيه فكرة عرضه على راقي شرعي واقتنع ابيه بذلك..واقنعا خالد بهذه الفكرة..
عند لجوئه إلى الراقي الشرعي.. بدأ في القراءة عليه,ومضت أول ربع ساعة وخالد طبيعياً.. إلى أن بدأ بالتغير فبدأ يصرخ ويتجشأ ويتألم..وأصبح ينزع اجزاء من شعر رأسه,كما ان صوته بدأ بالتغير..
ومع استمرار الراقي الشرعي بالقراءة ومع رفع صوته.. اشتد صراخ خالد أكثر فأكثر إلى أن قام بإلقاء صفعة قوية للراقي أودعت به أرضاً..ولكن مع ذلك صبر الراقي واحتسب واستمر في الرقية..
استمرت الرقية عدة جلسات وعدة مرات..ومازال الصراع مستمر بين الراقي والجنية..
رقرقت دموع ام خالد وهي تشاهد ابنها يتعذب..ولكن مع العسر يسر دائماً.. فقد خرجت تلك الجنية من جسده تاركته إلى الابد..
بدأ يستعيد خالد عافيته تدريجياً.. بدأت تشعر أمه بالسعادة كأن روحها ردت عليها.. ولكن هناك مقابل.. هناك ثمن..هناك مهر.. هناك ضريبه..
خرجت تلك الشيطانه من خلال الفم مما تسببت بإتلاف معظم احباله الصوتيه.. أصبح صوت خالد مبحوحا.ً. فلم يعد ذلك الصوت الذي يضفي للالفاظ والعبارات نكهات لاتمل الآذان من سماعها..فالنعمة انقلبت الى نقمة..
.
.
.
.
انها النهاية
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا