مرحبا… انا (محمود) هل تذكرون طالب الطب الذي دخل الى ذلك المنزل و…..لا تذكرون؟ لا بأس لكن وعدتكم بقصة الكتاب الملعون … بالطبع لم يكن شمس المعارف .. انه كتاب لا تعرفونه او تعرفونه وتذكرتموه انه كتاب (العزيف).
***
– “كم اكره عملي ”
كنت دائما اقولها لنفسي وانا اعمل في تلك الكافتيريا الصغيرة اتعلم لماذا؟ .. ليس بسبب الراتب الضئيل ولا الرئيس الذي يصرخ دائما بل بسبب … معذرة لقد ابتعدت عن الموضوع نحن بشر ولا احد منا لا يقاوم لذة الحديث عن نفسه.
هذا لا يهمنا الآن احداث القصة بدأت عندما خرجت في منتصف الليل من العمل قاصدا شقتي , كم اعشق السكون والصمت.. الليل هادئ…ولا صوت غير صوت خطواتي …
وبينما انا امشي أرى ذلك الشخص يجلس تحت عمود النور وأمامه عدد من الكتب.. اقتربت منه نظرت اليه , وجهه لا يظهر منه شيء لأن الإضاءة قادمة من الأعلى …
نظرت الى الكتب .. كتب قديمة واوراقها مصفرة وبعض الكتب …هل ما اره حقيقة ام وهم.. العنوان بالعربية اذن هو بالعربية .. قلت وانا اشير الى كتاب معين : “بكم هذا الكتاب؟” .
دوى صوت البائع المخيف: “أحسنت الاختيار ،اخبرني ما تعرفه عن هذا السفر (الكتاب) ايها الغريب ولسوف اعطيك اياه بلا دنانير ذهبية!” .
دنانير ذهبية! .. انه يظن نفسه في عصر الجاهلية لكني سأخبره بما اعرفه عن الكتاب مادام سأحصل عليه من دون دنانير الذهب! ..
– “كتاب (العزيف) هو كتاب كتبه عبد الله الحظرد ويتكلم عن كيانات سكنت الارض قبل البشر وسوف يعودون يوما ما ليستردوا الارض , عرف الحظرد هذه الامور بفن استنطاق الجثث , وقد توفي الحظرد في صراع مع وحش خفي التهمه بالكامل عام 738 وقد ترجم الكتاب الى …..”
– “هراء! .. ايها الغريب ان أي كتاب غير العزيف المكتوب باللغة العربية هو مزيف!”
– “هل تعني ان هذا الكتاب هو الأصلي؟”
– “اجل ايها الغريب انه كتاب الحظرد الذي خطه بنفسه، انت تعرف معلومات عنه اذن هو لك ”
امسك الكتاب وكتب شيء ما بداخله وناولني اياه.
واخذت الكتاب وبعد ان ابتعدت بمسافة عن موضع بائع الكتب … بدأت افكر ماذا يمكن ان اجده من اسرار في هذا الكتاب لقد وجدت كتاب العزيف بالعربية… هل نجحت فيما عجز عنه (ادريس شاه)!.
عندما افقت من احلام اليقظة وجدت نفسي امام البناية التي اسكن فيها والاغرب اني غصت في احلام اليقظة اكثر من اللازم لا استطيع ان اذكر ما رأيت بعد ان اخذت الكتاب ولا كيف عرفت الطريق لكن يبدو ان عقلي الباطن تكفل بالأمر …
دخلت البناية الكئيبة المكونة من طابقين كنت امشي في الممر عندما ..
– “توقف”
تصلبت في مكاني واستدرت لأرى تلك العجوز الشمطاء – وهي صاحبة البناية – تنظر الي في كراهية حينها تذكرت انني متأخر عن دفع الايجار .
– “اين الايجار ايها الشاب؟”
كنت اريد ان اقول انا لا املك مال وان لم تصدق فيمكنها تفتيشي لكنها سبقتني وأردفت :
– “لا اريد اي أعذار ان لم تدفع الاسبوع القادم فستبيت في الشارع” .. واستدارت واختفت في شقتها…
اخيرا غرفتي .. اعرف انها ليست آية في النظافة لكنها – على الأقل – صالحة للعيش . وضعت الكتاب فوق الطاولة في الصالة وذهبت إلى الفراش وانا مرهق جدا , لهذا لن اقرأ الكتاب الليلة , السرير بارد ويجعل النوم اسهل , شرعت ارمق السقف وانا افكر ..
الأيجار … الكتاب… العمل ..
الأيجار … الكتاب ..
الأيجار …
الأيـ …
***
استيقظت فزعا من النوم واستغرقت بضع ثوان لأعرف اين انا وفي أي يوم … نظرت الى المنبه… الساعة التاسعة لقد تأخرت على المحاضرة! .. ارتديت ملابسي على عجل وخرجت اركض واتمنى ان لا اخوض موقعة حامية في المواصلات ..
اصدمت بأحد المارة , قلت له وانا امسك رأسي
– “الا تنظر امامك ايها الا….”
نظرت له في دهشة وهو ينظر نفس النظرة إلي ..
– “(محمود)”
– “(كمال)”
وبعد السؤال عن الحال والأحوال سألني :
– ” لماذا أنت مسرع هكذا؟”
– “أحاول أن أدرك المحاضرة ”
– “إذن لن أعطلك تابع طريقك”
وتابع طريقه وأنا انظر إليه حتى اختفى .
(كمال) هو صديق قديم لي , لكن لماذا لم اعد اراه؟ .. هل تشاجرنا؟ .. لا اعتقد هذا , انا اعرف السبب ولكن- بسبب ذاكرتي الضعيفة – نسيته…. تبا لقد نسيت المحاضرة!.
وبعد يوم مرهق وصلت إلى شقتي في العصر ونمت إلى الثامنة مساء واستيقظت … دائما يجب أن تمر بضع ثواني حتى اعرف أين أنا … وجدت أن التيار الكهربائي مقطوع , قفزت من السرير واصطدمت بالكثير من الأشياء وتعثرت برجل الطاولة وقلت في نفسي : يجب ان اهدأ ان استمررت هكذا فسأكسر عنقي لا يجب ان يخيفني الظلام…
وبحذر وصلت المطبخ واشعلت شمعتين بعود ثقاب وثبتتها بالشمع الساخن على الطاولة بجانب الكتاب أدركت هنا ان خيال الظلال مخيف .. مخيف جدا.
حاولت ان أقضي الوقت في التأمل انهم يقولون انه ينشط طاقة الكاي لدى الشخص…
وبعد قليل انطفئت الشموع كيف هذا ليس هناك نسمة هواء كافية لاطفاء الشموع..!
***
أشعلت الشمعتان مجددا … و وضعت علبة الثقاب في جيبي كي لا اضر ان اذهب في هذا الظلام الى المطبخ في حال انطفاء الشمعتان مجددا … اتسمعون هذا اللحن … كيف لا تسمعونه؟ .. انه لحن يمكن للاصم ان يسمعه من شدة روعته … لحن لا يمكن ان يعزفه انسان … لحن يجعلك تغمض عينيك وتسافر الى عالم الاحلام … لحن لا استطيع وصفه بالكلمات … من اين ياتي هذا اللحن؟ ..
ارهفت السمع انه ياتي من شقتي هنا!..
وبعد ان انتبهت الى هذا اختفى اللحن .. أقنعت نفسي اني اتوهم .. الان لماذا لا اقرأ الكتاب امسكت الكتاب .. ملمسه خشن .. ماذا اتوقع من غلاف مصنوع من جلد الموتى! ..
فتحت الصفحة الاولى كانت فارغة الا من توقيع مؤلف الكتاب.. لحظة توقيع المؤلف في الغلاف.. اذن هذا هو ما كتبه البائع.. لكن التوقيعين متطابقين .. ما معنى هذا .. نظرت بطرف عيني الى الحائط المفترض ان يكون ظلي واقع عليه لكن لم اجده..! فركت عيني… انه موجود.. ان خيالي بدأ يخيفني ..
رن الهاتف الذي كان بجانبي ..
رفعت السماعة :
– “الو ،من معي؟”
قال المتكلم بنبرات حزينة :
– “مرحبا (محمود) انا(محمد) -هو بالمناسبة اخ (كمال) – اردت اخبارك ان (كمال) مات اليوم بعد موت سريري دام عدة شهور” ..
– “ماذا .. مات!” ..
وبعد الكثير من المواساة وضعت السماعة وأنا اشعر بالحزن.
لقد كان بصحة جيدة في الصباح …
***
الصباح ..؟
لقد دق (محمد) جرس في رأسي , (كمال)كان ميت سريريا من عدة شهور…اذن من الذي التقيت به صباح اليوم؟ ..
سمعت ضوضاء تأتي من غرفة النوم… في تلك اللحظة عاد التيار الكهربي.. بهدوء توجهت الى غرفة نومي فتحت الباب بطريقة تجعلني ارى جيدا ولا يلاحظ الشخص داخل الغرفة هذا… انهم مجموعة من الأشخاص.. اغلقت الباب ببطء…. الشرطة؟ .. لا .. لا اظن ان الشرطة ستجد شيئا عندما تصل ولن يصدقوا حكايتي عن اشخاص بلا وجوه في غرفة نومي! .. الا ترى معي هذا؟.. لن اجلس في هذه الشقة بعد ما رأيت…
خرجت من الشقة ومعي الكتاب وانا افكر لماذا بدأت هذه الأشياء بالحدوث… صحيح اني كنت اتمنى ان تحدث معي لكن حدوثها مخيف مثل ان تتخيل ان تقابل مصاص دماء امام منزلك لكن لا تريد ان يحدث ذلك…
كنت غارقا في خواطري لكن قدمي حملتني الى الطريق الذي قابلت فيه بائع الكتب الذي اعطاني الكتاب… اترون ذلك الشخص الذي يجلس تحت عمود النور… لا ترى وجهه لأن الإضاءة قادمة من اعلى … انه بائع الكتب.. لكن ليس امامه كتب… كنت مار امامه حين قال لي:
– “انهم يلعبون معك حتى الآن ايها الغريب”
نظرت له في دهشة:
– “هم..من هم؟”
– “العشرين شيطان ايها الغريب”
نظرت له غير فاهم ..
– “ألم تربط بين الأشياء التي تحدث معك والكتاب الذي بين يديك”
نظرت الى الكتاب… كلامه صحيح منذ ان اخذت الكتاب اقابل الأموات… واسمع الالحان في شقتي… ورأيت اشخاص بلا وجوه في غرفتي… لكن كيف عرف؟ ..
– “كيف عرفت هذا؟”
– “اعرف ما سيحصل لمالك الكتاب مسبقا”
– “اذن لماذا لم تخبرني بهذا؟”
– “انت اخذت الكتاب بأختيارك… وانت تعرف ماذا يحصل لصاحب الكتاب.. العشرين شيطان لن يتركوك .. قريبا ستموت ايها الغريب” .
لهذا سألني ان كنت اعرف معلومات عنه…. كان يريد ان يبيع الكتاب لشخص يعرف ما ينتظره .. هناك من يقول ان الكيانات هي عشرين شيطان .. ويقضون على كل من يعرف كثيرا او من يظنون انه يعرف.
– “لكن الكتاب كان عندك ولم يحدث لك شيء”
– “لقد حدث منذ زمن ايها الغريب”
– “خذ كتابك اللعين،لا اريده”
قال بصوت كالفحيح : “فات الاوان ايها الغريب”
واختفي كالدخان ..
لابد انه هو.. هذا الشخص انه شبح الحظرد… التوقيعين المتماثلين … وقوله انه حدث منذ زمن … واختفائه فجأة … كل هذا لا يهم يجب علي التخلص من هذا الكتاب بأي طريقة …
غريب أن الشارع فيه بعض الاشخاص في هذا الوقت… خطرت لي فكرة لماذا لا احرق الكتاب وهكذا اتخلص منه…اخرجت علبة الثقاب من جيبي واشعلت عود ثقاب…هنا لاحظت ان الاشخاص الذين كانوا متناثرين في الشارع بدءوا يتجمعون حولي… لكن دققت النظر رأيت ان مشيتهم غريبة… جميعهم يمتلكون تجاويف فارغة في مكان العينين…ولديهم وجوه لن تحلم بها في أسوء كوابيسك …
***
“العشرين شيطان لن يتركوك…ستموت قريبا ايها الغريب”
***
انهم هم…العشرين شيطان … سأحرق هذا الكتاب فلربما كان خلاصي في حرقه… أدنيت عود الثقاب من الكتاب واشتعل وبدأت الصرخات المريعة من حولي… بقعة سوداء بدأت بالتضخم أمام عيني … أصبحت قدماي لا تقوى على حملي….
***
فتحت عيني… ارى السماء والنجوم … لابد اني فقدت الوعي … انهض لأرى كتلة من الورق المتفحم … انه الكتاب … نظرت حولي … لقد كنت على حق … حرق الكتاب أبعدهم عني … هل سيعودون؟ .. سؤال لن اعرف جوابه إلا في الايام القادمة… نهضت متثاقلا ومشيت نحو البناية الكئيبة.
(انتهت المذكرات)
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا