الحضارة الهندية
هي تلك الحضارة التي وقعت في بلاد شبه القارة الهندية، والتي بدأت منذ انتهاء حضارة وادي السند وصولاً إلى اندماج الثقافة الهندوآرية التي شكلت الحضارة الفيدية، وانتشار الهندوسية والجاينية والبوذية، وتعاقب الدول والإمبراطوريات القوية على مدى أكثر من ثلاث ألفيات في تلك الأراضي، والتي تعتبر أقدم ثالث حضارة تاريخية في فترة ما بعد الطوفان.
المكان: مدينة سومنات - على الساحل الغربي لـــ "كوجارات" بالهند.
الزمان: 8 يناير 1026م.
الحدث: طقوس دينية معتادة ومكررة أمام الصنم الوثني الشهير "شيفا" بمعبد "سومنات"، والقائم على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، أما معبد "سومنات" نفسه فهو يقف شامخاً مبنياً من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان، وصلت الطقوس حدتها مع مطلع الشمس، بسبب الشعور بالخطر، والاحتياج التام لمناجاة الإله، فلهذا الصنم وصلت عشرة آلاف قرية لتتبارك، تحت إمرة ألف كاهن، واقفين يؤدون طقوس العبادة، وثلاثمائة حلاق يحلقون رؤوس ولحى الزائرين، وما يقارب من ثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم لكي يشفع لهم، يتقربون للإله "شيفا" أحد أهم الآلهة في الهندوسية، فغالباً ما يسمى "المسيطر"، وهو أحد الآلهة في "التريمورتي" إلى جانب "براهما" الخالق و"فيشنو" الحافظ، وفي الطائفة "الشيفية" هذه هو الإله الأعلى.
كان كل الموجودين يعلمون أن هناك حملات عسكرية جبارة يشنها المسلمون بقيادة السلطان المسلم "محمود بن سبكتكين الغزنوي"، لكنهم لا يهابون، فهم في حضرة الإله الأعظم الذي سيحميهم. كان قد هزمهم في خمس عشرة حملة ناجحة واجتاح غالبية ربوع الهند لمدة 25 عاماً، وأيضاً هم ينتظرون مدد الإله "شيفا" لكي يحميهم إلى الآن. كان المسلمون مستمرين في فتوحاتهم وانتصاراتهم واحدة تلو الأخرى وهؤلاء مستمرون في العبادة، منتظرين المدد، فطيلة هذه السنين هم يتوسلون لـــ "شيفا" كي ينصرهم. كان السلطان "محمود" قد فتح إقليم "كشمير"، وحوله لبلد مسلم، وبسبب ذلك دخل العديد من أمراء الهند في الإسلام .. و"شيفا" لم يتحرك، لم يتحرك إلى الآن. عبر السلطان "محمود" بجيوشه نهر "الجانج" وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسي، ثم هاجم أكبر مراكز "البراهمة" في "موجهاوان" وواصل تقدمه وهو يحطم أي قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد، ومستمراً في تحطيم أصنام الآلهة الوثنية، و"شيفا" الإله الأعظم لم يحمهم.
كان يعلم أتباع "شيفا" أنه قد تأخر في إرسال النصر، كانوا يعلمون أنه طيلة 25 سنة لم يقدم لهم شيئاً لكي ينصر دينه، ولكن كان لهم مبرراتهم المقنعة، فلقد قالوا إن تلك البلاد والمعابد والأصنام التي اجتاحها المسلمون قد سخط عليها الإله، ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء. واستمروا في عبادة "شيفا سومانت" أعظم أصنام وآلهة الهنود، فهم يعتقدون فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ، فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عندهم إنما هو عبادة البحر له.
مرت ساعات على هؤلاء الواقفين في المعبد، رغم وصولهم أنباء بأن السلطان "محمود" قد بلغ بجيوشه مدينة "دبولواره" على بعد مرحلتين من "سومنات"، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم "سومنات" يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا جيشها بأكمله، بعدما اخترقوا الصحاري، واصطدموا بالعديد من الجيوش الهندية وهم في طريقهم إلى "سومنات". وللعلم، السلطان محمود كان قد أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان "سومنات" سيدافع عن نفسه أم لا يستطيع.
وقفوا خاشعين في عبادة "شيفا" أكثر وزادت الطبول في قرعها، وزاد الراقصون في رقصهم بشكل هيستري، فلقد وصلتهم أنباء جديدة بأن جيوش المسلمين قد وصلت مدينة "سومنات" بالفعل في الليلة الماضية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يشاهدون المسلمين واثقين أن معبودهم سيقطع دابرهم ويهلكهم ولن يستطيعوا التغلب على الحصن، ولكن اجتاح المسلمون الأسوار و"شيفا" لم يتدخل أبداً.
وقف المسلمون على أعتاب "سومنات" في هذه اللحظة، وكان هذا اليوم يوافق هجرياً يوم الجمعة 16 ذي القعدة، منتظرين وقت الزوال كما هي عادة فتوحاتهم، ينظرون إلى هذه الرقعة الشاسعة الذي يمتد تاريخها لفترة ظهور المستوطنات والتجمعات البشرية على أراضي شبه القارة الهندية في عصور ما قبل التاريخ، فهي نتاج للزحف الحضاري من حضارة وادي السند. فكانت حضارة وادي السند أول حضارة إنسانية قامت في جنوب آسيا، حيث ازدهرت وتوسعت في الشمال الغربي من شبه القارة الهندية، خلال الفترة المتراوحة من نحو عام 3300 حتى 1300 ق.م، وبعد ذلك ظهرت سلالة جديدة.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا