بائع النظارات واختراع التلسكوب

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-03-15


بائع النظارات..
واختراع التلسكوب!!

الاختراعات العلمية لم تكن كلها قد اخترعت بطريقة واحدة فمنها ما اخترع بعد جهد مضن وعمل دؤوب من قبل المخترع لأنه كان يعرف ما يريد ولكن القسم الآخر منها كان اختراعاً وليد الصدفة فإما أن يكون المخترع بصدد بحث معين وتفاجئه نتائج أخرى أو أن تكون الصدفة هي صاحبة الدور الأكبر.. وهكذا كان التلسكوب.
التلسكوب جهاز يستخدم لرؤية الأجسام البعيدة ومنه ما يستخدم لرؤية الأجسام على سطح الأرض مثل المسارح والسباقات وغيرها ويسمى التلسكوب الأرضي ومنها ما يستخدم لرؤية الأجرام السماوية كالنجوم والكواكب ويسمى التلسكوب الفلكي. 
وهناك العديد من أنواع التلسكوبات حسب نوع الأشعة التي تستقبلها مثل الأشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية والأشعة السنينة. وجميعها تتفق في أساس عملها إلا أن بينها فروقاً عملية كبيرة في التصميم وأكثرها استخداماً التلسكوب الضوئي الذي يعمل في منطقة الضوء المنظور ويعمل التلسكوب الفلكي على جمع أكبر كمية من الأشعة من الجرم السماوي البعيد وتستخدم في ذلك إما عدسة كبيرة أو مرآة مقعرة كبيرة وتتجمع الأشعة في بؤرة العدسة أو المرآة مكونة صورة حقيقية مصغرة مقلوبة للجسم يتم تكبيرها ورؤيتها أو تسجيلها على فيلم حساس أو نقلها كهروضوئياً إلى شاشة تليفزيونية.
وقد صنعت التلسكوبات في أول الأمر من العدسات وتسمى انكسارية وأكبر تلسكوب من هذا النوع موجود في مرصد "بيركز" في "وسكونسن" ويبلغ قطر عدسته 102 سم وطول أنبوبته 18 متراً وتفضل المرايا في صناعة التلسكوبات لعدة أسباب منها:
أن العدسة تثبت عند حافتها فقط ونظراً لثقل مثل هذه العدسة الضخمة يمكن أن يتغير شكلها تحت هذا الثقل ويحدث تشويها في الصورة أما المرآة المقعرة الكبيرة فيمكن تثبيتها بسهولة على كل مساحتها. بالإضافة إلى ذلك فالمرآة تحتاج إلى صقل جانب واحد بخلاف العدسة التي تحتاج لصقل جانبين. كذلك فإن تشوه الصورة الناتج عن الزيغ اللوني غير موجود في المرآة.
لذلك فإن جميع التلسكوبات الضخمة في العالم تستخدم المرآة المقعرة. وفكرة عمل التلسكوب الفلكي ذي المرآة تتخلص في سقوط الأشعة الآتية من الجرم السماوي البعيد عن المرآة المقعرة المثبتة في قاع أنبوبة التلسكوب فتجمع الأشعة المنعكسة. وتعمل مرآة مستوية صغيرة على توجيه الأشعة المنعكسة اتجاه عينيه التلسكوب وهي عبارة في هذه الحالة عن عدسة لامة تضبط بحيث تكون الصورة الحقيقية المتكونة عن المرآة عند بؤرتها.
صورة
وفي اختراع الناظور أو التلسكوب كانت الصدفة لها الدور الأكبر في هذا الاختراع ففي هولندا كان بائع نظارات قد أمسك بعدستين ونظر من خلالهما صدفة وإذا به يرى الأشياء تبدو مقلوبة وأكبر من حجمها وبدأ بتطوير عمله هذا وما أن سمع العالم الإيطالي غاليليو بهذا الأمر حتى عكف على البحث والتجربة إلى أن أوصله العمل الدقيق إلى اكتشاف أول تلسكوب عملي استطاع به أن يشاهد الفوهات البركانية على سطح القمر.
وقد تطورت التلسكوبات حتى خرجت للحياة أجيال وأجيال لعل أشهرها تلسكوب "هابل" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
وتحتفل وكالة ناسا يوم 20 مايو من كل عام بمرور الذكرى على وصول أول صورة من التلسكوب الفضائي هابل، والذي تم إرساله إلى الفضاء في 24 من أبريل عام 1990، وذلك باستخدام المكوك الفضائي دسكفري.
وهابل هو أول تلسكوب فضائي يوضع في مدار حول الأرض، وقد أمد الفلكيين بأفضل وأوضع رؤية للكون على الإطلاق بعد طول معاناتهم من التلسكوب الأرضية التي يقف في طريق وضوح رؤيتها الكثير من العوائق سواء جو الأرض المليء بالأتربة والغبار أم المؤثرات البصرية الخادعة لجو الأرض والتي تؤثر في دقة النتائج؛ لذلك بدأ التفكير في وضع تلسكوب في الفضاء بعيداً عن كل تلك العوائق يستطيع أن يكتشف ويسجل الضوء القادم من النجوم أو المجرات والأجرام السماوية المختلفة قبل أن يمتص في الفضاء أو يشوه بأي شكل من الأشكال وهذا ما لا يقدر عليه أقوى تلسكوب أرضي.
كان أول عرض لفكرة التلسكوب الفضائي على يد الفلكي ليمان سيبتزر في عام 1940م، وفي عام 1970 قامت وكالة الفضاء الأوروبية بالتعاون مع إدارة الفضاء الأمريكية بتصميم وبناء ما يشبه التلسكوب الفضائي هابل، وفي 25 أبريل عام 1990م قام خمسة من رواد الفضاء على متن المكوك الفضائي دسكفري بوضع التلسكوب هابل في مداره على بعد 612 كيلومتراً من سطح الأرض، وأصبحت الصور الرائعة التي يرسلها هابل يومياً هي تحقيق لحلم عمره خمسون عاماً، ونتيجة لأكثر من عشرين عاماً من التعاون بين العلماء والمهندسين والمقاولين والمؤسسات من جميع أنحاء العالم، وقد أطلقت وكالة ناسا على أول تلسكوب فضائي اسم الفلكي الأمريكي ادوين هابل (1889-1953) الذي أثبت في عام 1920 أن الكون يتمدد مع الوقت بقيمة ثابتة لكنه لم يحددها، وهذه الحقيقة تساند أحد أهم نظريات نشأة الكون وهي نظرية الانفجار العظيم والتي تقترح أن الكون بأجرامه السماوية المختلفة نشأ كنتيجة لاصطدام نجمين كبيرين.
ويبلغ العمر الافتراضي للتلسكوب هابل 20 عاماً يتم خلالها عمل خمس عمليات صيانة له وتزويده ببعض المعدات الحديثة، وحتى الآن تم صيانته ثلاث مرات في ديسمبر 1993م وفي فبراير 1997م وفي ديسمبر 1999م.
أما طول التلسكوب هابل 15,9 ووزنه 11,11 كجم وأقصى قطر له 4,2م أي أنه تقريباً في حجم حافلة كبرى (أتوبيس كبير).
ويحمل هابل مرآتين إحديهما أساسية والأخرى ثانوية؛ وذلك لتجميع الصور للكون من حوله؛ الأساسية قطرها 2,4م ووزنها 826 كجم، والثانوية قطرها 0,3م ووزنها 12,3 كجم.
صورة
وقد بلغت تكلفة هابل حوالي 2,2 بليون دولار أمريكي.
ويتم هابل دورة كاملة في مداره حول الأرض في 97 دقيقة وسرعته 28000 كيلو متر في الساعة.
وتم إرسال أول صورة من هابل في 20 مايو 1990 وكانت لإحدى التجمعات النجمية.
ويرسل هابل يومياً بيانات وصوراً تملأ من ثلاث إلى خمسة جيجا بيت أي ما يساوي حوالي خمس موسوعات.
ويعمل هابل بالطاقة الشمسية بطاقة 2400 وات، ويخزن طاقته اللازمة في ست بطاريات من النيكل – هيدروجين سعتها التخزينية توازي 20 بطارية سيارة.
ومن أهم اكتشافات هابل:
- في عام 1994 تابع التلسكوب هابل عن كثب اختراق بعض الأجزاء من المذنب شوماخر – ليفي 9 للغلاف الجوي للمشترى وارتطامها بسطحه، والذي يحدث مرة كل ألف سنة ولأول مرة يستطيع العلماء متابعة مثل هذه الظاهرة بهذه الدقة في الرؤية واستنتاج بعض الحقائق عن مثل تلك الظواهر.

— تابع هابل ميلاد وموت الكثير من نجوم تلك الأجرام السماوية المضيئة، وأعطى الدليل البصري على أن الأتربة التي تدور حول النجوم ظاهرة عامة مقترحاً أنها المادة الخام لتكوين الكوكب حول تلك النجوم.
— كان هابل أول من اكتشف وجود الثقوب السوداء في الكون وساعد العلماء في قياس حجم العديد من تلك الثقوب.
— قام هابل بدراسة المجرات وتاريخها منذ بداية نشأة الكون وأظهر بعض الاستنتاجات عن أن المجرات في بدايات الكون كانت أكثر عدداً وأصغر حجماً وتأخذ أشكالاً غير منتظمة، أي ليست كالتي يراها الفلكيون الآن بالقرب من مجرتنا في الفضاء الخارجي.
— بعد أن استنتج العالم الأمريكي ادوين هابل نظرية تمدد الكون، عكف العلماء على حساب سرعة تمدد الكون فيما عرف بثابت هابل، وقد كان لهابل دور كبير في هذا حيث أعلن العلماء في مايو 1999 أنهم أخيراً توصلوا إلى قيمة ثابت هابل.
— أما عن آخر اكتشافات هابل فقد اكتشف أماكن اختزان كميات كبيرة من الهيدروجين في الفضاء الكوني والتي نتجت عن الانفجار العظيم، ولم يكن أحد يعرف أين ذهبت رغم تأكيد العلماء وجودها كناتج للانفجار.
وقد قام الفلكيون حتى الآن بنشر حوالي 2651 بحثاً علمياً معتمداً على البيانات المرسلة من هابل.
أما أحدث ابتكارات العلماء في مجال رصد مكونات الفضاء المختلفة تلسكوب Green Bank أو الضفة الخضراء التي تم افتتاحه قريباً، ويعد أضخم تلسكوب لرصد الأشعة، ويمكن التحكم في توجيهه في العالم، وقد اكتسب هذا التلسكوب اسمه نسبة إلى موقعه؛ حيث يقع في منطقة Green bank بمقاطعة Pocahontas بولاية وست فيرجينيا West Virginia وتكلف إنشاؤه 74500000 دولار وهو تابع للمرصد القومي للأشعة الفلكية بالولايات المتحدة.
وعلى خلاف التلسكوبات العادية لا يقوم الفلكيون بالنظر من خلال هذا التلسكوب؛ حيث يحتوي على أجهزة رصد إلكترونية وأجهزة كمبيوتر تقوم بتحويل الموجات الإشعاعية التي يجمعها التلسكوب إلى صور ومعلومات تحليلية وخرائط رادارية عن الأجرام الفضائية بالمختلفة التي تصدر تلك الموجات، ومن المتوقع أن يساهم هذا التلسكوب للأتربة والغارات الموجودة في تلك المجرات، وعملية ميلاد النجوم، ودراسة الكواكب والأقمار داخل المجموعة الشمسية.
يبلغ طول هذا التلسكوب 148 متراً، وهو بذلك أطول من تمثال الحرية، ويصل وزنه إلى 7,3 ملايين كيلوجرام، وهو ما يوازي وزن 19 طائرة بوينج S747 ورغم هذا الوزن والطول الشاهق، فهو يمكن توجيهه بدقة تصل إلى واحد ثانية قوسية arcsecond أي ما يساوي عرض شعرة آدمية ترى على بعد مترين.
تم صنع سطح الطبق الهوائي الخاص بالتلسكوب من 2004 ألواح من الألمونيوم، وتبلغ مساحته 8000 متر مربع أي مرة ونصف مساحة ملعب كرة القدم، ويتركب التلسكوب من طبق هوائي وعجلة تدور في مضمار؛ لتتيح له رؤية للسماء كلية، ويبلغ قطر المضمار الذي تدور فيه العجلة حوالي 60 متراً.
يعمل التلسكوب ليلاً ونهاراً؛ حيث إن الموجات الإشعاعية التي يجمعها لا تحجبها شمس النهار، وقد صمم التلسكوب ليستوعب مدى واسع من الأطوال الموجية، فهو يستوعب من طول موجي قدره ثلاثة أمتار إلى ثلاثة مليمترات، كما أن التلسكوب يستقبل فقط تلك الإشارات الفضائية (الموجات الإشعاعية) لكنه لا يرسل أياً منها.
يتميز هذا التلسكوب بتصميم غير عادي، فعلى خلاف التلسكوب التقليدية التي تحتوي على سلسلة من الدعامات في منتصف السطح تقوم باستقبال الأشعة المرصودة فإن منتصف سطح هذا التلسكوب لا يوجد به أي عوائق، وبالتالي تقابل تلك الأشعة السطح مباشرة، والذي يقوم برصدها مما يزيد من المساحة المستفاد منها من سطح التلسكوب ويزيل المشكلة التقليدية لانعكاس الأشعة وحيودها والتي عادة تعقد أسلوب استجابة التلسكوب لتلك الأشعة، ولتحقيق هذا تم تزويد التلسكوب بذراع غير محورية تحمل الطبق الهوائي وتبرز إلى أعلى من طرف واحد، كما صمم سطح التلسكوب بشكل غير متناسق، ولقد زاد افتقاد التلسكوب للتماثل الدائري من تعقيد تصميمه وتركيبه.
ومما يميزه أيضاً احتواء الألواح المعدنية المكونة لسطحه على مكابس صغيرة تعمل بمحركات؛ لتسهيل عملية ضبط السطح بدقة متناهية بعد إتمام تركيبه؛ وذلك للحصول على أدق نتائج ممكنة.
لذلك يعتبر هذا التلسكوب من أدق التلسكوبات الأرضية الموجودة حتى الآن.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا