بداية عصر الأسر:
إن التصنيف الذي ما يزال يستعمل اليوم، والذي صنف تاريخ أسر الفراعنة بداية من "مينا" إلى 30 أسرة حاكمة، لم يكن تصنيفاً حديثاً، فكان قد قام به كاهن مصري في القرن الثالث قبل الميلاد، واختار أن يبدأ تصنيفه الرسمي بالملك "مينا"، الذي ورد لنا عنه أنه استطاع توحيد مملكتي مصر العليا والسفلى معاً في عام 3200 ق.م، وتبقى حياة مينا لغزاً للكثير من الباحثين، فلم توجد سجلات معاصرة تذكره على الإطلاق، فتوقع بعض الباحثين أن "مينا" الأسطوري هو نفسه الفرعون "نارمر"، واستشهدوا بتلك الصورة التي ظهر فيها مرتدياً الزي الملكي على لوحة "نارمر" الاحتفالية في خطوة رمزية للتوحيد.
بسط أول حاكم لمصر الموحدة قوته وسيطرته على كل ربوع مصر في عصر الأسر المبكرة نحو 3100 ق.م، وقام بإنشاء عاصمة في "ممفيس"، التي كان الغرض منها السيطرة على القوة العاملة والزراعة في منطقة الدلتا الخصبة، وعرفت مصر نظام الدولة بإضفاء عامل الشرعية في سيطرة الحكم على الأرض والعمل والموارد التي لا غنى عنها، لبقاء ونمو الحضارة المصرية القديمة، وسيطر الملك على حركة التجارة المتجهة إلى الشام، وبدأت تظهر حضارة وادي النيل بشكل أكثر حداثة، وظهرت معالم القوة والنفوذ والنقش على مقابرهم وهياكلها، وبدأت تُستخدم تلك الطقوس كمراسم للاحتفال بالملك بعد وفاته، ثم بعد ذلك اتسعت البلاد وزادت رقعتها بعد ما زاد الخير، ومع مرور الوقت انهارت الحكومة المركزية في مصر في نهاية هذا العصر الملكي القديم، ليشهد فترة انتقالية حساسة.
الفترة الانتقالية الأولى (عصر الاضمحلال الأول),َ
بعد انهيار المملكة القديمة، عجزت الإدارة عن السيطرة على الأوضاع، واهتز الاستقرار في البلاد، وتأثر الاقتصاد، ومن كثرة الأزمات عجز حكام الأقاليم عن إخبار الملك بشكل سريع، وفقدوا مساعدته وقت الأزمات، فتدهور الاقتصاد أكثر، ونقص الغذاء، وانتشرت في البلاد النزاعات والخلافات السياسية، فتسبب ذلك في ظهور المجاعات والحروب الأهلية صغيرة الحجم، وعلى الرغم من تلك المشاكل الصعبة، أقدم حكام الأقاليم على خطوة خطيرة، وهي الاستقلال عن المملكة، وقاموا بتأسيس حضارات مستقلة خاصة بهم، وسيطر كل واحد منهم على موارد المقاطعة الخاصة به، لدرجة أن الأقاليم والمقاطعات أصبحت أكثر ثراء من الناحية الاقتصادية عن المملكة الحاكمة. بدأ ظهور التمرد الثقافي، واستخدم الحرفيون المحليون زخارفاً كانت ممنوعة ومحظورة سابقاً في عصر الدولة القديمة.
اندثر مبدأ الولاء للملك، وتنافس حكام الأقاليم على السلطة وحدود الأقاليم السياسية، وزاد الأمر سوءاً، واشتد الصراع في ما بينهم حتى سيطر الحكام في "هيراكليوبولس" على مصر السفلى، وسيطرت أسرة "إنتيف" إحدى العشائر المنافسة في طيبة على مصر العليا، وتقدمت "إنتيف" إلى الشمال لتفرض نفوذها وسيطرتها على القطر كله، وأصبح الصدام بين العشيرتين أمراً حتمياً، ولكن تدخلت قوات "طيبة" في الوقت المناسب بقيادة "نتوحوتب الثاني" وهزمت حاكم "هيراكليوبولس" الذي لم يخضع للصلح، وأعلنوا توحيد البلاد من جديد، ليبدأ تاريخياً عصر نهضة ثقافية واقتصادية جديدة عرفت باسم الدولة المصرية الوسطى عام 2160 ق.م.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا