حضارة ما قبل الأسرات:
قبل أن يبدأ عصر ما قبل الأسرات، كانت الحياة في مصر مختلفة كثيرا عن الحياة الحالية، ولم يكن مناخها المصري قاحلاً كما هو قاحل اليوم، وساهم نهر النيل والمناطق القاطنة على شطوطه في ازدهار الخير، فظهرت وتكاثرت مجموعات جميلة من الطيور المائية، أما اليابسة فقد غطتها حشائش السافانا في مناطق واسعة، واجتازتها قطعان الرعي من ذوات الحوافر، وكانت الثروة الحيوانية والنباتية أكثر غزارة من الآن في جميع المناطق، ثم استأنس الإنسان العديد من الحيوانات، وأكل ما يتاح له، وكان الصيد من المهن الشائعة بين المصريين في تلك الفترة.
بدأت معالم الحضارة والتجمعات البشرية في النهوض قبل نحو 5000 ق.م، ونمت وتطورت تلك القبائل الصغيرة في جنة من جنان الأرض وقتها، وطورت من أساليب الزراعة وتربية الحيوانات، ثم عرفوا الصناعة كما أشارت المقتنيات من الفخار والممتلكات الخاصة التي عُثر عليها، ونمت وازدهرت في تلك الوقت ثلاث حضارات هي الأقدم:
في مصر العليا: حضارة "البداري"، وكانت أكبرهم وأولهم.
في الشمال: حضارتا "غيرزيان" و"أمراتيان".
في الجنوب: حضارة "نقادة"، وكانت موازية لتقدم حضارة "البداري".
وجاءت على النحو التالي:
كانت أكبر تلك الحضارات هي حضارة "البداري" في مصر العليا، وتتميز "البداري" بأنها من أقدم الحضارات في التاريخ المصري، نسبة لما وجده العلماء من آثار قرية الهمامية (محافظة أسيوط)، وهذه الحضارة تعتبر أول دليل على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا في العام 5000 قبل الميلاد دون أدنى شك، وقد تم اكتشاف أكثر من 40 موقعاً و600 مدفناً تدل على تقدم التقسيم الاجتماعي بين طبقات مجتمعهم، واشتهرت تلك الحضارة بصناعة السيراميك عالي الجودة، والأدوات الحجرية، واستخدامها للنحاس، وعرفوا التصدير والاستيراد، واعتمد اقتصادها على الصيد والزراعة وتربية الحيوان، فتم العثور على أدوات مختلفة في المقابر، مثل الأسهم والأدوات الزراعية، والمحاصيل مثل القمح والعدس.
ثم بعد ذلك تبعت حضارة "البداري" في الشمال حضارتان، هما "أمراتيان" و"غيرزيان"، واللتان شهدتا تطوراً تكنولوجياً سابقاً لعصره أثناء فترة حضارة "غيرزيان" بالذات، وكان لهما علاقات تاريخية بارزة مع "ساحل جبيل" و"كنعان".
أما في الجنوب فبدأت حضارة "النقادة" في التوسع على طول النيل في غضون 4000 ق.م، وكان عرف الإنسان وقتها الاستيراد والتصدير بشكل موسع، فاستورد المصريون القدماء حجر السج من إثيوبيا، وتوسعت تجارتهم مع سكان النوبة في الجنوب، ومع واحات الصحراء الغربية في الغرب، وأيضاً مع سكان شرق البحر المتوسط في الشرق، وتطورت حضارة "النقادة" من مجتمعات زراعية صغيرة إلى حضارة قوية، كان لقادتها السيطرة الكاملة على الناس والموارد في وادي النيل لمدة لا تقل عن 1000 سنة، وكان لهم مراكز قوة مهمة كالتي كانت في "أبيدوس" (غرب البلينا بسوهاج) و"هيراكونبوليس" (بين مدينتي إسنا وإدفو بأسوان} وازدهرت صناعاتهم بإنتاج السلع الثمينة، وتميزوا في طلاء الفخار والمزهريات الحجرية المزخرفة بشكل راق، والمجوهرات المصنوعة من الذهب والألبيد والعاج، واللوحات الفنية ذات الذوق البديع، وأدخلوا تطويرا ملحوظا على صناعة السيراميك التي عرفتها حضارة "البداري" من قبلهم، فصنعوا السيراميك الصقيل أو ما يسمى "القيشاني"، فعرفه العالم كله من خلالهم، وأشهرهم العصر الروماني، الذي أنتجه لتزيين الكؤوس والتمائم والتماثيل، وفي أواخر تلك العهد بدأت شعوبهم في استخدام رموز كتابية كان لها الدور الأكبر في التفكير في نظام لإنشاء لغة موحدة، حتى انتهى الأمر مستقبلاً في إنشاء نظام كامل للغة الهيروغليفية لكتابة اللغة المصرية القديمة.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا