الضحية الأخيرة تأليف أمنية أحمد سعيد

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-01-15

(قصة)

الضحية الأخيرة

تأليف

أمنية أحمد سعيد

"كلنا نختار الطريق الذي نسير في، لكن بعضنا يختار طرقاً نهايتها الهلاك بسبب الفضول أو الانتقام".

هذه كانت بداية قصتي والقصة التي ظننتها يوماً صديقتي (هبة).. لم أعرفكم بنفسي بعد، أنا (أسماء) سوف تتعرفوا عليّ مع مرور الوقت، لكن باختصار أنا شخصية وحيدة، فلم يكن لي أصدقاء أو إخوة، لذا أبي وأمي هما كل حياتي حتى اليوم الذي تغيرت فيه تلك الوحدة عندما انتقل صديق والدي، فذهبنا لزيارتهم، كانت عائلتهم قليلة الكلام وقليلة الابتسام ودائماً شاردة الذهن وتنظر لي نظرات غريبة، وبالرغم من ذلك أحببتها وأصبحنا صدقاء، فوجدتها لطيفة لكن لم يدم ذلك طويلاً، فبعد شهرين من انتقالهم، كنت مستيقظة حتى وقت متأخر ورن هاتفي لأجد (هبة) المتصلة، فأجبتها ووجدتها تصرخ وصوتها كان خائفاً وهي تحدثني، كانت تكرر جملة واحدة وهي: "أنقذيني أرجوك، سيقتلونني مثلما قتلوا عائلتي، لم لم تفتحيها؟"

وفجأة صرخت وانتهت المكالمة، فحاولت الاتصال كثيراً بها لكن انغلق هاتفها، فذهبت إلى والدي وقصصت له ما حدث، فحاول تهدئتي ثم حاول أن يتصل بصديقه لكن لم يجب أحد، لكنني وجدت هاتفي يرن من رقم (هبة) فأجبت لأجد شخصًا غريباً يجيب، وعلمت فيما بعد أنه أحد أفراد الشرطة، وأخبرني أنه تم قتل عائلة (هبة) بأكملها، وأنه يجب التحقيق معي لأنني كنت آخر من اتصلت به وانتهت المكالمة، وأنا في ذهول مما حدث، فأجهشت بالبكاء، ثم سألني والدي عما حدث في المكالمة، فبدا عليه الحزن الشديد ثم وجدته يتجه نحو الباب، وعندما سألته: إلى أين ستذهب؟ أجابني بأنه سيذهب إلى هناك كي يرى ما حدث لصديقه، فطلبت منه أن أذهب معه، لكنه رفض في بادئ الأمر، فحاولت إقناعه حتى استسلم لرغبتي، فركبنا سيارة أبي وبعد أقل من نصف الساعة، وصلنا إلى عمارة (هبة) التي كانت تحيطها الشرطة من كل جانب، فوجدت رجلاً من الشرطة يتجه نحونا، وقال:

- لماذا تقفان هنا؟

فأجاب أبي:

- إنني صديق القتيل الذي تم قتله، أرجو منك أن تحكي لي ما حدث لصديقي.

فبدأ الضابط بالكلام:

- إننا تلقينا بلاغاً من الجيران الذين يعيشون في الحي عن وجود شخص سق

 من الشرفة وسمعوا أيضاً أصوات صراخ أتت من تلك الشقة، ولذا توجهنا إلى هنا وعندما وصلنا السكان يحيطون بفتاة ملقاة على الأرض لكنهم يخافون الاقتراب منها، فحاولنا إبعادهم عن موقع الجريمة، لكنني عندما رأيت الفتاة كانت حقاً مخيفة لأنها كانت منكسرة الرأس والفكين والدماء تخرج  من كل مكان في وجهها وجسدها، ولديها الكثير من الحروق على وجهها ويديها ويوجد وشم على وجهها الدائرتين، ورمز بداخلهما، لكن عندما صعدنا إلى الشقة وجدنا والديها مشنوقين ولديهما حروق كثيرة تبدو كأنها رموز، لكنها غير مفهومة أيضاً كانا منكسري الفكين، لكنني لاحظت شيئاً مرسوماً على الأرض في المنطقة التي تم شنقهما فوقها، تتشابه طريقة قتلهما مع جريمة قتل لأربع فتيات حدثت منذ يومين.

تركتهم وذهبت إلى العمارة كي أرى (هبة) فوجدت المسعفين ينقلونها إلى سيارة الإسعاف، فاستغللت أنهم صعدوا إلى الشقة لنقل باقي الجثث ودخلت سيارة الإسعاف ووجدتها مغطاة  بأكملها بملاءة، فكشفت عن وجهها لأجده أسوداً كأنها قد حرقت وفكها منكسر كما قال ذلك الضابط، فلم أحتمل شكلها، فبكيت وظللت أبكي حتى شعرت بحركة بسيطة في سيارة الإسعاف وعندما نظرت حولي، لم أعرف من أين أتت تلك الحركة، لكنني عندما نظرت إلى (هبة) مجدداً وجدتها تنظر إليّ فابتعدت عنها وحاولت الخروج من السيارة لأجدها تمسك بيدي بقوة وتقول لي:

- لم لم تفتحيها؟

فسقطت من الخوف وذهبت إلى أبي مسرعة، وطلبت منه أن يعيدني إلى البيت وعندما سألني عن تلك الجروح التي كانت في يدي، قلت له:

- أنني سقطت على الأرض وجرحت يدي.

وبعد ذلك اليوم كنت دائماً حزينة، لكن بعد شهر أتى يوم عيد مولدي فأصر أبي على أن يحتفل به مع أقاربي كي يخرجني من الحالة التي أنا فيها، وفي تمام الساعة السابعة مساءً، بدأنا الاحتفال وكنت حقاً سعيدة حتى انتهى الحفل وغادر الجميع المكان، فقررت أن افتح الهدايا، فلفت نظري صندوق أسود من كرتون ومكتوب عليه اسمي، ففتحته لأجد كتاباً، ففتحت الكتاب لأجد به رسومات غير مفهومة، فبدأت بتقليب الصفحات سريعاً حتى وصلت إلى صفحة كانت مكتوبة بخط (هبة).. فكانت أول سطورها:

"حينما يفقد الإنسان كل شيء بسبب فضوله وانتقامه ويضحي بمن يحب ظناً أنه يحميهم، أنا (هبة) التي تحولت طفولتها من البراءة والسعادة إلى الجحيم عندما تعرفت على فتاة تدعى (أميرة) كانت تكبرني سناً وكانت مجنونة بقراءة كتب تحضير الجن، فحاولت تحضيرهم أكثر من مرة لكنها فشلت، فكانت تحكي لي عما تقرأه في تلك الكتب، فزاد فضولي يوماً عن يوم، وفي أحد الأيام طلبت مني أن أحضر معها إحدى جلساتها، فوافقت بسبب الفضول الذي كاد يقتلني.

فقالت لي:

- سوف نتقابل في نهاية اليوم الدراسي في الفناء الخلفي.

فانتظرت أن ينتهي اليوم الدراسي، لكن الوقت كان يسير ببطء حتى انتهى، فأسرعت في الذهاب إلى الفناء الخلفي للمدرسة، كان مهجوراً ولا أحد يدخل إليه، وعندما وصلت وجدتهم يرسمون دائرة وخارجها دائرة أكبر منها يملأونها بالرموز ورسومات غريبة، وعندما انتهوا من ذلك، جلسوا على حدود الدائرة، الكبرى وطلبوا مني أن أجلس في منتصف الدائرتين بعد أن كتبوا على يدي نفس الرموز الغريبة، وبعد أن جلست في المنتصف بدأوا بقراءة أشياء بلغات غريبة حتى بدأت أشعر بحرارة شديدة تأتي من خلفي، نظرت إلى الوراء كي أجد شخصاً أسود الوجه، جاحظ العينين، طويل الشعر وطويل القامة.

فحاولت أن أخرج خارج الدائرة، فتحولت الدائرة إلى نار كي تمنعني من الخروج، فحاولت أن أطلب المساعدة من (أميرة) أو أصدقائها، فلم أجدهم لأنهم هربوا وتركوني، حاولت أن أقرأ آية الكرسي لكنني لم أستطع لأنه أمسك برقبتي وبدأ بخنقي لأجد حارس المدرسة قد أتى، وعندما وجدني أختنق ولا يوجد شيء يخنقني، بدأ بقراءة سور كثيرة من القرآن الكريم، فوجدت ذلك الشيء يحترق ويصدر منه صرخات وترك رقبتي لأسقط على الأرض فاقدة للوعي.

وبعد ثلاثة أيام استفقت لأجد نفسي في مستشفى وأبي وأمي حولي، فوجدت أمي تعانقني وتحمد الله، أما أبي قال لي:

- ماذا حدث؟

فحاولت أن أشرح له لكن لم ينتظر إجابتي لأنه بدأ بضربي بشدة، فأجهشت بالبكاء وكانت أمي تمنع أبي عن ضربي حتى توقف وخرج من الغرفة وتركني في تلك الحالة، وبدأت أمي بتهدئتي فتوقفت عن البكاء، وبعد ذلك اليوم لم تعد حياتي كما كانت، وحتى تغيرت معاملة أبي وأمي لي، فلم تقتصر على ذلك لأن الكائن الأسود رأيته مجدداً، كان يظهر لي في مرآة الحمام وفي كل مكان، فعندما حكيت لوالديّ لم يصدقاني وسخرا مني ووصفاني بالمجنونة حتى أتى اليوم الذي أكد لهما كلامي، كانت الساعة 12 بعد منتصف الليل، وكان أبي وأمي نائمين واستيقظت أمي على أصوات همس آتية من غرفتي، وعندما ذهبت لتطمئن عليّ، صرخت عندما وجدتني على الأرض أرتعش بينما عيناي بيضاوان، فاستيقظ أبي على صوت صراخ أمي، فأسرع في النهوض وذهب إلى غرفتي ووجد أمي فاقدة للوعي، ووجداني في الحالة نفسها التي رأتني بها أمي، فحاول أن يبعد أمي عني وهو يقرأ بعض آيات من القرآن، لكنني لم أتحمل قراءة القرآن، فبدأت بالصراخ وبدأ جسدي ينزف دماءً سوداء حتى هدأت، وفي اليوم التالي وجدت أمي جالسة بجواري، وعندما سألتها:

- ماذا حدث؟

حكت لي ما حدث بالأمس حتى دق أبي باب غرفتي ودخل ومعه ثلاثة رجال لا أعرفهم، وطلب أبي من أمي أن تتركنا وتخرج، وبعد خروج أمي من الغرفة، اقترب أبي واطمأن عليّ ثم جلس بجواري وأشار إلى أكبر الرجال سناً بالاقتراب، جلس على كرسيّ قريب من سريري، واقترب الرجلان الآخران ووقف أحدهما قرب قدمي وآخر كان قريب من يدي، وعندما بدأ الشيخ بقراءة القرآن، أصبت بصرع وشعرت كأن جسدي يحترق، ففقدت الوعي وبدأت كوابيس تهاجمني، وكان الكائن الأسود مشترك بين كل الكوابيس، وينظر إليّ بغضب حتى بدأ بالصراخ والاحتراق، واستيقظت بعد ذلك الكابوس كي أرى وجه أحد الرجلين ينزف وهو جالس على الأرض، والرجل الآخر يساعده على الوقوف، فسألت أمي:

- ماذا حدث؟

- إنك بعدما فقدت الوعي، أمسك الرجلان بيديك وقدميك وبدأ يصدر منك أصوات، وعندما أكثر الشيخ في القراءة، تكلمت لكن بصوت ولغة مخيفة، وعندما بدأ بقراءة أجزاء من سورة البقرة، بدأت بالصراخ واستطعت تحرير يديك من هذا الرجل، وبدأت بضرب الآخر لكنه تحمل ولم يترك قدميك، وأسرع الآخر وأمسك بيدك واستمر الشيخ يقرأ حتى كثر صراخك ثم هدأت واستيقظت الآن.

تركاني والدي بعد ذلك لأستريح، وبعد ذلك اليوم لم يعد الكائن مجدداً وعادت حياتي طبيعية مرة أخرى.

وبعد خمسة شهور عاد والدي من العمل حزيناً وغاضباً، وعندما سألته عن سبب حزنه أجاب بحزن:

- تم طردي من العمل لأنني تشاجرت مع مديري في العمل.

فربتت أمي على يد والدي مواسية له، وظل الوضع على ما هو عليه حتى اتصل صديق والدي ليخبره أنه وجد عملاً له في شركة بالقاهرة، لكني يجب أن يتقدم إلى العمل يوم الاثنين المقبل.

كان والدي في غاية الفرح وأعد الورق الذي يحتاجه للتقديم في الوظيفة، وفي اليوم التالي سافر إلى القاهرة، وأنا وأمي في انتظار اتصال والدي كي يخبرنا أنه تم قبوله في عمل جديد، وفي تمام الساعة التاسعة مساءً اتصل والدي وأخبرنا أنه تم قبوله ووجد شقة غاية في الجمال، وأنها في منطقة هادئة وسوف تعجبنا بإذن الله، وعندما سالته أمي عن ثمنها، أجابها أن ثمنها ليس بقليل لكنني اتفقت مع صاحبها أنني سأدفع ثمنها على فترات، لكن عليكما تجميع أغراضكما لأنني سأقوم بتأجير سيارة نقل لحمل أشيائنا وبعض أثاثنا.

وفي الساعة السادسة صباحاً وصل والدي ومعه سيارة النقل والرجال الذين سيحملون أغراضنا، وظل الرجال ينقلون أغراضنا لمدة ساعتين، وبعد ذلك صعدنا إلى السيارة وتحركت إلى القاهرة، وظللت طول الطريق أفكر في شكل شقتنا الجديدة حتى وصلنا إلى الحي الذي سنسكن به، فلفت انتباهي نظرات سكان الحي والمارون في الطريق، فنظراتهم بين الرعب والدهشة، فلم أهتم بنظراتهم وذهبت لأساعد أمي في حمل حقائبنا إلى شقتنا الجديدة، فكانت العمارة شديدة الجمال وتتكون من خمسة طوابق، وكل طابق به شقة واحدة فقط وصعدنا إلى شقتنا التي حين دخولها، اندهشت بجمالها وحجراتها الواسعة، وبدأت أتجول معجبة بتصميمها الراقي، فلم يمض الكثير حتى انتهى الرجال من نقل أثاثنا ورحلوا، وبدأنا أنا وأمي بتنظيف الشقة، فوجدنا غرفة من غرف الشقة مغلقة، فلم يهتم أبي وأمي، لكنني كنت أريد أن أعلم ما بداخلها، فأكملنا تنظيف حتى انتهينا وحضرنا الغذاء وبعدها ذهبنا للنوم، وفي اليوم التالي استلم والدي العمل وكان في غاية الفرح.

لكنني كان لدي الفضول لمعرفة ما بداخل الغرفة المغلقة، وحاولت أكثر من مرة فتحها لكنني كنت أفشل في كل مرة، فحاولت نسيان أمرها، وعلى الساعة الخامسة ليلاً عاد والدي من العمل، وقال لنا:

- صديقي سيزورنا الليلة.

في تمام التاسعة مساءً، أتى صديق والدي واسرته، وكان له ابنة تدعى (أسماء) كانت لطيفة جداً، وأصبحنا صديقتين في فترة قصيرة.

وبعد شهر كنت عائدة من المدرسة ولم أجد أبي وأمي في المنزل، اتصلت بأمي فأخبرتني أنهما سيبيتان عند جدتي لأنها مريضة وسيأتيان في الصباح الباكر.

فاتصلت بـ (أسماء) وطلبت منها أن تأتي لتجلس معي قليلاً لأنني كنت أشعر بالوحدة فوافقت، ووصلت (أسماء) إلى البيت فرحبت بها وجلسنا نتحدث كثيراً حتى الساعة الحادية عشرة مساءً، فاستأذنت ورحلت وظللت باقي الليل وحدي حتى سمعت صوت باب الغرفة المنغلقة ينفتح من تلقاء نفسه، فكنت أريد معرفة ما بداخل تلك الغرفة، فدخلت بحذر وأخذت معي شمعة، وجدت الغرفة بها نقوش ورموز على الحائط ورسمة لدائرة كبيرة تحيطها رموز غير مفهومة ومكتبة كبيرة تخفي بداخلها أحد الحوائط، الغرفة تملأها الكتب الضخمة، وجدت كتابين على الأرض فأخذتهما وفتحت أحدهما فوجدت مجموعة من الرموز والرسومات كانت تشبه إلى حد كبير النقوش والرموز التي كانت على الحوائط والأرض، وحاولت أن أفهم أي شيء من ذلك الكتاب، لكن دون جدوى، فشعرت أن شيئًا يراقبني، فنظرت خلفي لأجد رجلاً يرتدي عباءة سوداء جالساً على الأرض، وبيده الكتاب يقرأ فيه بصوت منخفض، شعرت بشيء يتحرك خلفي فوجدت اثنتي عشرة جثة مشنوقة خلفي، فعلا صوت هذا الرجل، فبدأت الجثث بالاحتراق حتى احترقوا جميعاً، وعندما نظرت إليه وجدته ينظر إليّ بغضب وفتح فمه وقال لي:

- الآن دورك، وظل يكررها كثيراً، ووجدت تلك الدائرة يخرج منها كائنات سوداء، وكانت تسير متجهة نحوي، فأسرعت نحو باب كي أخرج، فانغلق بقوة قبل أن أخرج وسمعت صراخ الرجل يأتي من خلفي، فعندما نظرت خلفي وجد تلك الكائنات تهجم عليّ والرجل يحاول أن يقاومهم لكن دون جدوى حتى سقط على الأرض، ووجدت تلك الكائنات تنظر إليّ وتتجه نحوي، فحاولت فتح الباب فاستطعت فتحه وخرجت مسرعة وانغلق باب الغرفة خلفي، فخرجت من تلك الشقة وذهبت إلى (أسماء) وقصصت عليها كل ما حدث، فقامت بتهدئتي وطلبت مني المبيت عندها الليلة، فوافقت وأخبرت والديّ أنني سأبيت عند (أسماء) الليلة فوافقا، فجلسنا نتحدث حتى نمنا وفي الصباح الباكر اتصل والدي وطلبا مني أن أعود لأنهما الآن في البيت، وعدت إلى ذلك البيت  مرة أخرى، وعندما وصلت لم يكن هناك شيء مختلف، لذا دخلت غرفتي لأجد كتاباً على سريري، ففتحته ولفت نظري رسمة لخمس دوائر داخل بعضهم ويوجد مجموعة رموز داخلها، ظللت أنظر إليها لمدة خمس دقائق، فوجدت ورقة سقطت من كتاب، ورقة مكتوبة بخط اليد، وعندما قرأتها كانت مكتوب بها:

"يا من قرأت الطلاسم وقد عهدت العهود مع ملوك الجن السبعة، لك ما تطلب وعليك تنفيذ ما نطلب".

وبعدها شعرت كأن الأرض تهتز من تحتي وانقطعت الكهرباء عن الشقة كلها وسمعت صراخ أبي وأمي، فحاولت الوقوف وذهبت إليهما فلم أجدهما، فناديتهما لكن لم يجب أحد، بحثت عن شمعة كي أرى أين ذهبا وأشعلتها، فوجدت ضوءاً يخرج من تلك الغرفة الملعونة، لكنني لن أدخلها مرة أخرى بعد ما حدث لي هناك، فسمعت صراخهما يأتي من هناك، فأسرعت وعندما دخلت انغلق الباب بقوة، ووجدت تلك الدائرة مشتعلة وهما بداخلها، وظهر من خلفها ذلك الرجل وهو يضحك ويقول لي:

- هل ستأتي بقرابيننا أم تريدين رؤية والديك يعذبان؟

- سآتي بما تريدون لكن لا تعذبهما.

- حسناً عليك تقديم خمسة قرابين لنا لكن في خلال ثلاثة أيام وعليك قراءة كتاب العهود لمعرفة طريقة تقديمهم.

واختفى الرجل ووالدي بعد أن أنهى كلامه، فذهبت إلى غرفتي، وفتحت ذلك الكتاب فلاحظت أن الكتابة أصبحت باللغة العربية، فظللت أقرأ فيه لساعات طويلة، وبعد أن انتهيت، فكرت من هم القرابين وكيف أجعلهم يقرأون الطلاسم حتى تذكرت أربعة أصدقاء قدامى ضحوا بي في  الماضي، لذا سأضحي بهم اليوم، وكنت أعلم أين يسكنون، فاحضرت أربع ورقات وكتبت بها الطلاسم ووضعتهم في أظرف، كتبت على كل ظرف اسم صاحبه وبعد أن انتهيت ذهبت للنوم، وفي الصباح الباكر ذهبت إلى عناوينهم ووضعت كل ظرف أمام باب شقتهم، وعدت إلى المنزل ودخلت غرفتي وأحضرت ذلك الكتاب وفتحته وظللت أنتقل بين صفحاته حتى وصلت إلى صفحة كان مرسوم بها دائرة كبيرة، ويوجد خارجها خمس دوائر أخرى، فذهبت إلى تلك الغرفة ورسمت على أرضها ما كان موجوداً في الكتاب وكتبت أحرف القرابين داخل الدائرة الكبيرة، فعلمت أن أسماءهم ستظهر داخل الدوائر الأخرى عندما يتم تقديمهم كقرابين.

وانتظرت اليوم الأول حتى ظهر اسمان منهم داخل الدوائر، وفي اليوم الثاني ظهر اسمان آخران، لكن لم يظهر الأخير، إنني لم أرسل إلى القربان الأخير رسالة مثل الآخرين لكنني أرسلت إليها..."

لم تكن هناك كلمات بعد تلك الجملة وانتهت المذكرات.

فأغلقت الكتاب ونمت، وفي اليوم التالي ذهبت إلى شقة (هبة) ودخلت، كانت كما هي لكنها توجد بها رائحة الدماء، فابتسمت وذهبت إلى غرفة (هبة) ووجدت ورقة على مكتبها، تلك الورقة التي تم قطعها من المذكرات، فكان مكتوب بها:

"لكنني أرسلت لها كتاباً، نعم، أرسلت لها كتاب العهود وأضفت معه أيضاً مذكراتي لأنها آخر شيء ستقرأه، فأرسلته إليك حتى أضحي بك لكنك رأيت الطلاسم أيضاً، الآن أصبحت قرباناً مثلهم، كنت حقاً صديقة ودود جداً لكنني أريد أن أعيش، فسامحيني."

أنهيت الورقة وأنا أضحك لأنها كانت حقاً في منتهى الغباء، أنا من ضحى بها ليس هي، ظننت أنني عندما أقرأ مذكراتها سأقرأ الطلسم كي تنتقل لي اللعنة، لكنها كانت حمقاء لأنني كنت أعرف أنها تفعل ذلك، لذا لم أقرأ الطلاسم، فهي لم تعلم أنني سبب ما حدث لها منذ البداية، فأنا السبب في جلسة التحضير التي حضرتها وهي صغيرة، لأن (أميرة) ابنة خالي، فكانت تحكي لي عن (هبة) وعن فضولها الذي جعلها فريسة جيدة لأضحي بها، وأيضاً (أميرة) كانت هي الأخرى فضولية وتريد معرفة كل شيء يحدث في العالم الآخر، فكنت أحكي لها ما كانت جدتي تحكيه لي، لأن جدتي كانت تحضر الجن وتسخرهم لكن والدي لم يحب ذلك، فمنعني من الذهاب إليها، لكنني كنت أذهب إليها دون علم  والديّ لأنها كانت قريبة من بيتي، فكنت أتعلم منها كل شيء، وفي أحد الأيام أخبرتني أنها عندما تموت سأرث منها عشيرة من الجن وعلمتني الطقوس لأرثهم، وكانت عبارة عن تقديم عشرة قرابين إلى ملوك الجن، وأقرأ بعد ذلك طلاسم معينة، وبعد ستة شهور ماتت جدتي وبدأت بالتفكير في من سأقدمهم كقرابين، ففكرت برجل يسكن في الحي المجاور لنا، فكان يعيش وحيداً بعد وفاة زوجته التي يحبها كثيراً ويتمنى أن ترجع مرة أخرى.

فأخذت مجموعة الكتب التي أخبرتني جدتي أن أستخدمها في تقديم الأضحية ووضعتهم أمام شقته وكتبت في ورقة:

"كي تسترجع زوجتك، افعل ما يطلب، منك، وبعد هذا اليوم، بدأ اختفاء الكثير في ذلك الحي وسكان العمارة التي يسكن بها، فذهبت وأخبرت سكان الحي، أن هذا الرجل هو من قتل من اختفوا، وأخبرتهم أنني رأيت أحد الذين اختفوا قد دخل إليه ولم يخرج، وأنني كنت أسمع صراخًا يأتي من شقته، فشعر سكان الحي بالقلق وأكد أحد الأشخاص أنه رآه يأخذ جوالاً كبيراً كل ليلة ويضعه في سيارته ويذهب، لكن عندما يعود يخرج من سيارته جوالاً فارغاً، فقررت أنا وأربعة أشخاص مراقبته كي نتأكد، في تمام الساعة الثانية صباحاً ظهر الرجل وكان يجر جوالاً ووضعه في سيارته وذهب، ثم تتبعناه حتى وصل إلى مبنى سكني في منطقة هادئة وأخرج الجوال وخرج مبنى وصعد إلى شقة في الطابق الخامس وترك الباب غير مغلق فدخلنا وراءه، فرأيناه يخرج منه شخصًا كان مغشياً عليه وبدأ بشده من قدمه ناحية غرفة يخرج منها ضوء منخفض، فذهبنا خلفه ونظرنا داخل الغرفة لنجد إحدى عشرة جثة مشنوقة ورسمت طلاسم على أجسادهم بشيء حاد ويوجد دائرة مرسومة على الأرض بداخلها طلاسم، فلاحظنا أن الرجل يحضر حبلاً ويربطه في شيء بالسقف، اتجه نحو الرجل المغشي عليه وحمله ولف الحبل حول رقبته جيداً وتركه، فبدأ الرجل المشنوق بمحاولات لفك الحبل حتى استسلم إلى الموت، فعندما لاحظ الرجل أنه مات، أخرج سكيناً من جيبه ورسم به طلاسم على جسد المشنوق ثم جلس على الأرض أمام تلك الدائرة وظل يهمهم بكلمات لم نسمعها حتى وجدنا ناراً يخرج منها وتشكل في شكل رجل طويل القامة وليس له ملامح، ذهب نحو  جثة الرجل المشنوق ووضع يده عليها فبدأت الجثة في الاهتزاز والصراخ حتى احترقت، ثم ذهب إلى كل جثة مشنوقة وكان يتحدث معها مثلما حدث مع الجثة الأولى، وبعد أن أنهى آخر جثة وجدناه يتجه نحونا، فهربنا سريعاً وذهبنا نحو الحي وقصصنا عليهم كل ما حدث، فاتصل أحدهم بالشرطة ثم أتت وجدت كل الجثث ووجدوا أيضاً الرجل منتحراً، وهكذا حصلت على أول قرابيني، وبعد سنتين من وقوع الحادث، تناسى الناس وبدأوا يسكنون ذلك المبنى، لكن لم يسكن أحد في تلك الشقة، فعندما علمت بانتقال (هبة).. عرضت على والدي تلك الشقة لأنها كانت منخفضة التكلفة لعرضها على والد (هبة) فوافق وانتقلوا وتعرفت عليها وكانت حقاً صديقة جيدة لكنني كنت أريد الميراث، وفي اليوم الذي طلبت مني القدوم لأن والديها غير موجودين وسيبيتان عند جدتها، ظللنا ذلك اليوم نتحدث ونلهو، واتصل بي أبي وطلب مني أن أعود إلى المنزل بسبب تأخر الوقت، فاستأذنتها للذهاب لكن قبل أن أخرج، وضعت لها كتاب العهود وفتحت لها الغرفة المغلقة، وذهبت إلى بيتي، وبعد أسبوعين علمت أن (أميرة) وأصدقاءها قد ماتوا ووجدوا ورقة مرسوماً عليها دوائر عند كل منهم، فعلمت أن (هبة) وراء ذلك، وعلمت أيضاً أنني آخر ضحاياها، لذا سأنتظرها تموت كي تكمل القرابين، فعندما علمت بموتها منتحرة من فوق المبني، ذهبت إليها كي أتأكد لكنني  حقاً حزنت لفراقها، إلا أنها كانت حقاً حمقاء لأنه لم يحدث لها أي شيء مما رأته في الفترة الأخيرة، فلم يتم حبس والديها ولم يكن هناك رجل يظهر لها، كان كل هذا بفعل خدام الجن وجعلوها أيضاً تقتل والديها ظناً أنهما من الشياطين ويريدان قتلها حتى صعدت إلى منزلها وسقطت فقتلت نفسها أيضاً، فكانت الضحية الأخيرة، والآن أنا أرث عشيرة الجن لكنني أريد المزيد من الخدام، لذا أريد المزيد من القرابين، نعم، أنت الآن منهم، مرحباً بك.

تمت

 

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا