حضارة وادي النيل المصرية
حضارة وادي النيل، هي حضارة مصر القديمة، في الشمال الشرقي لأفريقيا، والتي اتخذت من ضفاف نهر النيل مركزا لها، والتي تعتبر ثاني أقدم الحضارات بعد فترة الطوفان.
المكان: ساحة العرش الملكي - الإسكندرية: عاصمة الحضارة البطلمية ومركز الثقافة الهيلينستية في البحر المتوسط.
الزمان: فجر يوم 12 أغسطس من عام 30 ق.م.
الحدث: قلق وتوتر عام ينتاب الملكة كليوباترا" السابعة، ولكن برغم قلقها تقف هادئة، فالملكة جميلة الجميلات تأبى أن تظهر في مظهر لا يليق بمقامها الرفيع، تنظر من شرفة قصرها إلى ولوج النهار من الليل، تمني نفسها بأن تأتيها أخبار تُخرجها من الظلام إلى النور، الأجواء من حولها هادئة تماماً رغم قلق الجميع، فالشوارع تحشد المظاهرات هنا في الإسكندرية وهناك في بابليون وهيليوبليس وأون، وباقي ربوع المملكة، الملكة شاردة تتمنى مجيء أخبار عن حبيبها المختبئ في مشهد يتكرر كل ليلة، وتتمنى ألا تأتيها القوات الرومانية وتوقعها في الأسر أو تنتقم منها.
بدأت الملكة الجميلة تسترجع الأهوال التي عاشتها خلال الشهور الماضية، ولا سيما تلك المعركة الخاسرة التي خاضتها هي وحبيبها "أنطونيوس" ضد عدوهما "أوكتافيوس" والتي لم تذق عيناها النوم من يومها.
وقفت الملكة تفكر في حبيبها بهدوء وتسترجع كل الأجواء التي قابلته فيها لأول مرة، بداية من تلك الفوضى التي عمت في الماضي القريب إثر اغتيال "يوليوس قيصر"، والتي ترتب عليها انقسام المملكة الرومانية بين أعظم قواده وهما بلا منازع "كايوس أوكتافيوس" وكان نصيبه المملكة الغربية، وحبيبها "ماركوس أنطونيوس" وكان من نصيبه القسم الشرقي، تذكرت كيف طمع "أوكتافيوس" الماكر في ضم مصر إلى إمبراطوريته الغربية وقسمه الخاص، وشعوره بالحقد والندية عندما علم أن الأمر ليس سهلاً، فقد وصلته تقارير مفادها أن "ماركوس أنطونيوس" أراد أيضاً أن ينفرد بحكم مصر، بل وبقسمي الإمبراطورية الرومانية كلها وحده.
استرجعت "كليوباترا" ذاكرتها عندما اختارت "أنطونيوس" دون "أوكتافيوس"، وكيف كان قلبها تملأه أمنيات وتمنيات بمستقبل أفضل لها، فلقد اختارت "أنطونيوس" الذي سمعت عن فروسيته، وأنه الأقرب الحكم الإمبراطورية الرومانية بشقيها، ولأن كل التوقعات في هذا الوقت كانت تؤكد فوز أنطونيوس، تذكرت حين جاء "ماركوس أنطونيوس" إلى مصر وجاءت له متخفية، ثم خرجت عليه فسُحر بجمالها عندما رآها في أبهى صورها ووقع في حبها، كانت تعلم "كليوباترا" في بداية علاقتهما أن هناك عائقان كبيران بينهما، الأول أن "أنطونيوس" كان متزوجاً من "أوكتافيا" أخت "أوكتافيوس"، والثاني أنه ممنوع على الرومان التزوج بغير رومانية، فلذا قررا الارتباط دون زواج، وأصبح حليفاً لها بدلاً من أن يضم مصر للإمبراطورية الرومانية، وكان ذلك سببا كفيلا للعداوة بين "أوكتافيوس" و"أنطونيوس"، لأن "أوكتافيا" زوجة "أنطونيوس" كانت أخت "أوكتافيوس" كما ذكرت.
أما في روما فكان الصراع في كفة "أوكتافيوس"، وبينما كان أنطونيوس يفكر في حبه الجديد، مشغوفاً بجمال عيون "كليوباترا" السابعة، كان عدوهما "أوكتافيوس" يعمل على قدم وساق، وبدأ يشوه سيرة أنطونيوس، مستخدماً من تحالفه مع مصر ومع ملكتها الحجة الكبرى كذريعة لإعلان الحرب، واستمات في السعي لإزالة الدعم الحكومي عن "أنطونيوس"، من خلال حملة إعلامية موسعة مشوهة لصورة مصر، وادعى بأن مصر كانت بلاداً للشعوذة والسحر الأسود، ووصل الأمر فيها لأن يُقدموا البشر قرباناً، وبعد أسابيع قليلة، استجاب المجتمع الإعلامي كله، ومن ثم استجاب الشارع الروماني، فظهرت أصوات كبيرة تطالب "أوكتافيوس" بشن حرب قاسية على مصر، وبرغم أن مؤيدي "أنطونيوس" في مجلس الشيوخ كانوا يشكلون ما يزيد عن نصف المقاعد، لكنهم أُجبروا على الرحيل من المجلس.
وأصبحت الحرب وشيكة، أما "أوكتافيوس" فكان من تدابيره أن تكون الحرب خارج نطاق إيطاليا، فأراد أن يقاتل "أنطونيوس" في منطقة يختارها بنفسه، فاتفقا على البحر الأيوني قرب حدود المقاطعة اليونانية، فدُقت طبول الحرب، لتعلن عن حرب الانقسام، وسميت بمعركة "أكتيوم"، بين جيوش "أوكتافيوس" والجيوش المتحدة الخاصة بماركوس أنطونيوس" و"كليوباترا السابعة" ملكة مصر، وبدأت هذه المعركة البحرية في 2 سبتمبر من عام 30 ق.م، قرب المستعمرة الرومانية "أكتيوم" في اليونان، وكان "ماركوس فيبسانيوس أكريبا" وزير "أوكتافيوس" هو الذي يقود القوات، ومن الناحية الأخرى كان "ماركوس أنطونيوس" يقود قواته وقوات "كليوباترا السابعة" بنفسه.
بدأت سمة سوء الحظ تصيب "ماركوس أنطونيوس"، فكان قد دخل هذه الحرب بـ 230 سفينة حربية، ولكن بعجز شديد في الرجال، فلقد لقي الكثير من المجدفين حتفهم بسبب تفشي الملاريا بين قواته، ولهذا السبب عانى أسطول "أنطونيوس" من قطع خطوط الإمداد، ما اضطره لإحراق سفنه التي لم يعد يستطيع توفير الرجال لها بيده، فأصاب أسطوله بعض الخلل، وحال عليه أن يجمع الشتات، فأمر بتجميع باقي السفن السليمة بالقرب من بعضها البعض. أما في الناحية الأخرى فكان أسطول "أوكتافيوس" على أتم استعداد، والقوات والعتاد في اكتمال، وكان أسطوله يحتوي على سفن أصغر وأخف وأقوى، وكانت جنوده مدربة ومستعدة بشكل كبير.
بدأت الحرب واحتدت، وظهر الفارق الكبير لصالح قوات "أوكتافيوس"، والتي تقدمت وشتت قوات أنطونيوس، وأحاطوا بهم ولم يكن لديهم مفر، فأشار "أنطونيوس" لقواته بأن تقوم بتجميع السفن حوله في تشكيل يشبه حدوة الحصان، وزحف للخلف بشكل متأخر ناحية الساحل حفاظاً على الأمان، فلو حاولت سفن أوكتافيوس الاقتراب من سفنه فالبحر سوف يجرفهم إلى الشاطئ، وقررا هو و"كليوباترا" التحصن في مؤخرة التشكيلات، وبالفعل نجحت خطته التي أعدها خصيصاً للفرار وليس النصر، واستمرت قواته على هذا التشكيل، وبعد قليل لاحظ أنطونيوس ثغرة واضحة في قلب تشكيل "أوكتافيوس" فاغتنم أنطونيوس الفرصة وهرب هو وكليوباترا" على سفينتين مختلفتين حتى لا ينتبه أحد، تاركين رجالهما وأسطوليهما ليقابلا مصيرهما، ثم اختفى وانقطعت أخباره، واستمرت "كليوباترا" في الهروب حتى لاذت بالفرار، واستطاعت العودة.
من يومها، وكليوباترا تقف هكذا، منتظرة أن يأتيها أي أخبار عن حبيبها المفقود، تتذكر كل شيء، ثم تشعر بغصة في صدرها عندما تتذكر أن قوات "أوكتافيوس" من المحتمل أن تأتي لتحتل البلاد، وتسوقها إلى الأسر، كل ما يهم الملكة الحسناء الآن: العرش أولاً - ثم الحب ثانياً، متجاهلة تماماً صراخ أبناء الشعب المصري الجائع والمضطرب وقتها. لو علم مؤسسو هذه الحضارة التي بدأت قبل آلاف السنين، أنها ستنتهي بهذا الشكل من الرعونة، حقاً كانوا سيبكون، فهذا الشعب الثائر في الشوارع الآن، والذي فاض به الكيل، ينتمي لسلالة عريقة، انظر في وجه المتظاهرين هناك، الذين احتشدوا على ضفاف النيل، هؤلاء أحفاد الحضارة المصرية أو حضارة وادي النيل، تلك الحضارة التي أديرت بمنتهى الدقة والتقدم منذ أواخر العصر الحجري القديم، أي عندما تحول مناخ شمال أفريقيا تدريجيا إلى الحرارة والجفاف، منذ أن بدأ الإنسان البدائي العيش في المنطقة لأول مرة، عندما ظهر نهر النيل بصورته الطيبة التي أعطت للحياة شرياناً. وهذا النيل الذي هم مجتمعون حوله الآن هو أكبر شاهد على العراقة والتاريخ، ففيضان النيل منذ قديم الأزل هو من ساهم في ظهور الحياة على هذه الضفاف، حيث وهب السكان خصوبة الأراضي، ما جعلهم يملكون الفرصة للتقدم الزراعي الملحوظ، ودعمهم من أجل بناء مجتمع مركزي، ليكونوا عهوداً مجتمعية سبقت شتى بقاع الأرض.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا