القصة الأولى
ضضريح عيشة قنديشة
كثرت قصص الرعب والحكايات المخيفة وخصوصاً في المغرب، وأمام ضريح الإله عيشة قنديشة؛ حيث يتم تحضير الجن وتقديم القرابين من كل ساحر بالمغرب في يوم واحد من العام وهو يوم ميلاد "عيشة قنديشة"، فيجتمع الجميع ويقومون بتحضير الجن وتسخيرهم، وصديقنا هذا كان متطفلاً جداً لدرجة سببت له الأذى فكان يريد معرفة كل شيء.
خطرت له فكرة تحضير جني هو الآخر وتسخيره لخدمته؛ ولمَ لا؟! فالكُل يفعل ذلك! فقرر الذهاب مع أصدقائه إلى ضريح عائشة قنديشة واختبأ ليشاهد ما يدور أمامه، ولكن هل سيتركه السحرة؟ وهل ستتركه حراس الضريح؟! سنعرف القصة على لسانه الآن.
* * *
أمام ضريح عائشة قنديشة:
اسمي "علي" عمري 17 سنة من المغرب العاصمة الرباط، منذ صغري وأنا أعشق المغامرات وقصص الرعب عن الجن والعفاريت التي كان يرويها لنا جدي في البادية، عندما كنت صغيراً كنت شديد الخوف، ولا أستطيع أن أدخل الحمام بمفردي، ومع ذلك كنت أحب أن أستكشف ذلك العالم الغامض المرعب عن قرب، وعندما وصلت إلى الثالثة عشر من عمري أصبح حب قصص الجن والعفاريت يكبر والخوف يزداد!
لا أنكر بأنني كنت أجرب خرافات كثيرة لاستحضار جني مثل الذهاب إلى المقابر ليلاً، وشرب دم الخروف في عيد الأضحى، وسكب الماء الساخن في الحمام، كنت أنتظر أن يظهر لي الجن، ولكن لم يحدث شيء من الذي كنت أريد، ولم يظهروا لي يوماً حتى جاء اليوم الأسود؛ كان عندي ابن خالي مروان وأخوه عثمان وابن عمي سيمو الذين يقطنون في بادية مولاي بوسلهام، كانوا مثلي مهووسون بقصص الجن والعفاريت، ويحبون تجربة الأشياء المختلفة عن قصص الجن والشياطين، وكانوا يقضون معي مغامراتي الكثيرة، دخلنا إلى منازل كثيرة مهجورة في البادية، وكنا نخاطر بحياتنا فقط من أجل رؤية الجن، وفي أحد الأيام جاء ابن عمي سيمو؛ فقال بحماس وهو ينظر إلى عيوني:
- إن قرب ضريح اسمه لالة عيشة (عيشة قنديشة) فهناك طقوس ستنظم غداً، وهي طقوس (حمادشة) مشهورة في تلك المنطقة كثيراً حيث يقومون بذبح البقر، والماعز، والجِمال، لاستحضار الجن؟؟
فقلت له بانبهارٍ شديدٍ:
- من الضروري أن نحضر لهذه الطقوس يا سيمو.
ذهبنا لبيت خالي لنخبر مروان وعثمان بالخبر؛ ليستعدا للذهاب معنا بالغد، اتفقنا أننا سنذهب باكراً لكي لا يرانا أحد من أهلنا؛ لأن تلك الطقوس محرمة على الأطفال، نمنا كلنا في بيت خالي، وعند طلوع الفجر قمنا من فراشنا، سرق ابن خالي من أبيه 200 درهم، لكي نجد المال لوسائل النقل والطعام والشراب، تسللنا من المنزل بحرص وهدوء لكي لا يرانا أحد، ذهبنا بعدها إلى محطة سيارات الأجرة الكبيرة، وجدنا صعوبة في النقل إلى الضريح؛ فتلك المنطقة لا يذهب لها أي أحدٍ إلا من لديه علاقة بالمس أو الجن، وبعد المحاولات الكثيرة وافق أحد الجيران أن يأخذنا معه في سيارة الخضر؛ لأنه كان يريد أن يذهب هناك ليحضر الفراولة.
وصلنا في تمام الثامنة صباحاً، أكملنا نومنا بالقرب من أشجار التوت المسكون في زاوية لالة عيشة، انتظرنا بلهفة حتى حلّ الظلام فبدأ المكان بالامتلاء بالناس.
وصل "الغياطة" وأصحاب "المهارز" وأصحاب "الطبل" وهم فرقة موسيقية تعزف إيقاعات تسمى "الرياح حمادشة" لإحضار الجن، شقوا البخور والجاوي الأسود وبدأوا في العزف وقول عدة أسماء من الجن المشهورة في المغرب: "لالة عيشة" "لالة مليكة" "حموا الجزار" "مالين الغابة" "سيدي ميمون" "دمرداس" "شمهروج"!!
أخذوا يرددون أسماء أخرى غريبة، والناس المريضة يجدبون واحداً وراء الآخر كل واحدٍ بدوره، كانت مناظر غريبة بشعة مقززة؛ فهناك مَن كان يشرب الماء ساخناً، ومَن يحمل الفحم مشتعلاً بين يديه، ومَن يأكل الزجاج، ومَن يرقص على الزجاج، ومَن يضرب يديه بسكين، ومَن يضرب لسانه بالسكين، ومَن يأكل اللحم النيء.
لم أصدق بشاعة ذلك المنظر؛ كنت مفزوعاً أنا وأصدقائي، وقلوبنا تدق بشدة كالطبول، ثم لمحت عيني امرأةً عجوزاً ترقص بطريقة غريبة، وتأكل الشوك، ثم بدأت بالضحك بصوت عالٍ، ثم قالت بصوت عالٍ مخيف:
- اخرج من هنا!
أنا من خوفي الشديد لم أستطع الحركة والركض كالباقين، فشلت قدماي أن تتحركا! نظرت لي بغضبٍ، ثم ضربتني بكف يدها بقوة على وجهي حتى أصبح فمي معوجاً في جهة أذني اليُسرى!
هربت إلى الناحية الفارغة من الناس حتى أتى أبناء خالي ولمحوا وجهي وما حدث له، ثم بدأوا يصرخون بفزع!
نظرت لهم بخوف؛ قلت لهم ماذا حدث؟ أريد أن أرى وجهي.
كانت نظراتهم توترني بشدة، فأخرج ابن خالي هاتفه، ورأيت وجهي في الهاتف ويا ليتني ما رأيته!
بدأت بالبكاء والصراخ يا الله! لقد ذهب وجهي وجمالي، أنا لا أتباهى أقسم بالله؛ إنما كان وجهي جميلاً قبل تلك المصيبة وضربة العجوز. رآنا رجل رأَف بحالي ومنظري، وأوصلني إلى قريتنا أنا وأبناء خالي وابن عمي، دخلت إلى بيتنا وقلت لهم كل ما حصل معي، صُدمت أمي من وجهي كيف أصبح، أخذت تبكي بقهر؛ أخدتني بسرعة عند إمام المسجد؛ لأن أبي لم يكن في البيت وقتها؛ فقد كان أبي في الرباط.
بدأ الإمام بقراءة القرآن الكريم وهو يمسك برأسي بلا جدوى؛ فقال لأمي يجب أن أحضر إليه كل يوم ليقرأ عليّ، فبدأت أذهب عنده كل يوم بلا نفع، وبعد أسبوع كنت أغسل وجهي أمام المرآة؛ فرأيت وجهاً غير وجهي في المرآة؛ كان وجه المرأة العجوز يا وَيلي!
من شدة خوفي وفزعي أُغمَى عليّ، وعندما استيقظت قلت لأمي وإخوتي عما رأيت بالمرآة فظنوا أنني مجنون؛ وبالليل عندما نمت شاهدت المرأة العجوز نفسها في حُلمي وقالت لي إنني سأعيش أكبر كابوس في حياتي، فاستيقظت أبكي من الخوف!
لم أخبر أحداً غير أبناء خالي وابن عمي؛ لأن أمي كانت تفكر أن تأخذني إلى مستشفى الأمراض العقلية، وأصبحت أُشاهد المرأة كل ليلة تهددني.
ومرة طلبت مني أن أخلط الحناء بيدي وأسقها في الشجرة لكي أُشفى وأعود كما كنت، وأصبح مثل الأول، ويُصبح وجهي طبيعياً، وافقت على كلامها وفعلت ما طلبته مني ولكن لم يعد وجهي كما كان، وحتى إمام المسجد لم يساعدني.
وعندما قلت له ما طلبته مني العجوز وأنني نفذته بدأ في الصراخ في وجهي وقال لي أن لا أُنفذ ما تقوله لي؛ لأنني ضعيف أمامها بتنفيذ أوامرها.
وفي الليل جاءتني حالة هيستريا شديدة، وأخذتُ أصرخ بلا سبب، وسقطت في الأرض ويدي ورجلي اعوجت بطريقة مخيفة وبدأت أصرخ بهيستريا!
هرعت أمي تنادي الإمام من المسجد، فبدأ بقراءة القرآن حتى عدت لطبيعتي وعاد وجهي لطبيعته الحمد لله، وبعد مرور يومين وقعت لي نفس الحالة وسقطت على الأرض ورجلي ويدي معوجة وأصرخ، فأحضر جدي راقٍ من القنيطرة بدأ بالقراءة فلم أرد عليه أنا؛ أجابته جنية اسمها ميرا، فقالت له بغضبٍ:
- ابتعد عني فهو الذي سخر مني.
بدأ الشيخ بالتفاوض معها فقالت له:
- لا أريد أن أخرج من جسده؛ سأقتله وسأموت معه.
صُدم الشيخ؛ لأنها كانت جنية قوية يهودية من أصول الجن العاشق، وأصول الجن الطيار في لحظة هربت. فقال الشيخ لأمي وجدي إنه سيأتي بخمسة شيوخ ليساعدوه؛ لأنها كانت تريد أن تقتلني، وفي الليل جاء الشيخ ومعه خمسة شيوخ أدخلوني إلى الغرفة وبدأوا بالقراءة حتى قالت لهم كل شيء، وقالت لهم إنها دخلت لتعلمني درساً كما أمرتها "عيشة قنديشة" أن لا أسخر من مريضٍ أو مصاب! فعذبوها حتى سلمت ووعدتهم ألا تدخل إلى هذا الجسد أو أي شخص من هذه المنطقة، ومن وقتها وأنا أقسمت ألا أذهب لضريح عيشة مرة أخرى، وأن أقتل فضولي هذا الذي كاد يهلكني.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا