العهد البابلي الحديث:
انتقل الحكم مرة أخرى لبابل بعد سنوات من الفوضى، ومن أهم ملوك العهد الجديد على الإطلاق "نبوخذ نصر الثاني" 604 — 562 ق.م، والتي وُصفت الفترة التي قادها بالمجيدة، وأنها الفترة المنتعشة التي عاشتها الحضارة البابلية، فلقد بني وطور وعمر جميع المدن المهمة، وقام بحركة أعمال عمرانية شاملة، ثم بنى "الزقورة"، وشيد حزمة معابد فخمة في بابل، وأنشأ شارعاً جميلاً "شارع الموكب"، له مدخل ضخم، وأطلق عليه اسم "باب عشتار" ثم في نهاية الشارع بنى قصره الفخم والمشهور بجنائنه المعلقة، وهو الذي أشارت إليه المصادر اليونانية بأنه من إحدى عجائب الدنيا السبع.
استمر الملك في حكم البلاد، وفي ذات يوم من الأيام، أصاب الملك إزعاج شديد، فقد جاءته أنباء ملخصها أن دولة "يهودا" الصغيرة قامت بالإضراب والعصيان مع عدد من الدويلات الشامية الصغيرة الأخرى، فقام "نبوخذ نصر" بشن حملة تأديبية على "يهودا"، فسقطت عاصمتها "أورشليم" في عام 596 ق.م، وطرد الكثير من سكانها وشردهم بما فيهم ملكهم، وولى "نبوخذ نصر" عمه "صدقيا" حاكماً لها، وبعد فترة؛ وعند بلوغ عام 594 ق.م، لم تصبر "يهودا" على الغزو، فقامت بعصيان جديد بالاتفاق مجدداً مع بعض الدويلات الشامية، (يقال إن للمصريين يداً في هذا التحريض لرغبتهم في استرداد نفوذهم على الشرق الأوسط كما كان), فغضب "نبوخذ نصر" في هذه المرة غضباً عظيماً واهتز كرسيه، وأمر بتدمير المدينة بالكامل، وأحرق المدينة، ونصبت المذابح في البلاد، فرحل من سكانها عدد كبير جداً حتى تفككت دويلة "يهودا".
بعد وفاة "نبوخذ نصر"، خلفه عدد من الملوك الضعاف فتدهورت الأوضاع في البلاد خلال مدة حكمهم، وبخاصة آخرهم هذا الحاكم "نبو نيد" 555 — 539 ق.م. "نبو نيد" الذي لم تصله أخبار تلك الكارثة التي حلت في غيابه، فلم يصله خبر الغزو إلى الآن.
ابتسم "كورش"، ثم علت ضحكته بشكل هيستري، عندما تذكر "نبو نيد" الغائب، وأنه سينهي كل هذا المجد، وستسفر المعركة عن سقوط تلك الإمبراطورية العظيمة بسقوط بابل، فكان "كورش" الكبير على ثقة بالنصر، فالمعركة مشتعلة والملك "نبونيد" غائب، أين هو(6، لقد اختار العبادة أكثر من الحكم، لقد اختار عبادة "سين" بدلاً من إله بابل الرئيسي "مردوخ". وما الفائدة من فروسيته وحماته عندما سيسمع بخيانة قائد جيشه وترك موقعه على الفور والعودة إلى بابل، ستكون عودته متأخرة، فالفرس في هذه اللحظة قد تمكنوا من اجتياز مدينة "أوبيس" المستعصية، والآن قد عبروا نهر دجلة ليتمكنوا من السيطرة على مدينة بابل، وبدأوا الآن في نصب مجزرة ضد بقية جيش بابل، والتي سمتها المخطوطات البابلية ب "مجزرة شعب أكد"، ولكن من الواضح أنها كانت مجزرة ضد الجيش فحسب، فقوات "كورش الأخميني" دخلت بسلام إلى بابل دون مقاومة من الشعب، وهذا ما ذُكر في "أسطوانة كورش" ..
وقف "كورش" يشاهد، ذلك النصر العظيم بعد فرحته العارمة بالقضاء على أقدم وأعرق إمبراطورية في الوجود، ضاحكاً متفائلاً بالنصر المبين. وبعد هذه المعركة تمكن الفرس من السيطرة على بقية المناطق التي كان يحتلها البابليون في بلاد النهرين والهلال الخصيب، ليصل تهديدهم هذه المرة إلى شمال إفريقيا، وإلى مصر بالذات.
أما مصير "نبو نيد" فقد ظل مجهولاً، فبعدما عاد إلى بابل لينقذ النذر اليسير احتار المؤرخون في مصيره، فبعض المصادر قالت إنه قُتل في نهاية المعركة، ومصادر أخرى قالت إنه هرب من بابل وعاد إلى "تيماء" مثلما كان يعيش هناك قبل المعركة، أما المؤرخ الكلداني البابلي "بيروسوس" فذكر أن "نبو نيد" تم اعتقاله، ومن ثم تم نفيه إلى "كرمان" ليموت هناك في وقت لاحق.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا