العهد الآشوري:
"الآشوريون" هم الأقوام التي سميت كذلك نسبة لمعبودهم الإله "آشور"، وهناك نظريتان لتحديد أصول "الآشوريون"، الأولى - تقول إنهم فرع من الأقوام الجزرية التي هاجرت قديماً من شبه جزيرة العرب - والثانية - أنهم جاءوا من جنوب العراق من أرض بابل واستقروا في شمالي بلاد الرافدين في العهد الأكدي، وما يدعم ذلك أنهم يتكلمون بلهجة من اللهجات البابلية. وفي الحقيقة لم تكن هذه البداية لتكوين سلالة "الآشوريين" على الإطلاق، بل فقط بداية نفوذهم على البلاد كلها، فللآشوريين قوة واتحاد منذ فترة ما قبل التاريخ، فلقد بدأ "الآشوريون" في هذا العهد ببناء مملكة قوية موحدة مستقلة ذات ملوك أقوياء أمثال الملك "إيلو - شوما"، الذي عاصر مؤسس سلالة بابل الأولى وكذلك "شمشي أدد الأول" في عام 1814 ق.م، والذي بلغ نفوذاً وقوة جعلاه فرض سلطانه على القسم الشمالي من بلاد بابل، وكان هذا بعد عناء وكفاح شديد طوال فترة نشاط "الآشوريون" وتنمية كيانهم السياسي، فكانوا قد تعرضوا للكثير من المصاعب بسبب ضغط الدول والممالك التي كانت حولهم، وبعد فترة كفاح خرجوا أشداء أقوياء، وظهرت أنيابهم ذات القوة العسكرية الرهيبة، ثم ساد حكمهم وتمكنوا من فرض نفوذهم، وفرضوا سلطانهم على شعوب العالم القرون، وكان من أعظم ملوكهم من حيث القوة والتوسع والفتوحات الخارجية "شلمنصر الأول"، 1266 – 1243 ق.م.
ثم بعد ذلك بسنوات تدهورت الأوضاع الآشورية في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، مما أثر على الشعب الذي انتابه شعور بالفقر واليأس، ثم قامت مدينة "كالح" الآشورية بثورة عارمة على الملك "أشور - نراري الخامس"، انتهت باغتياله، وتولى الحكم من بعده "تيجلاتبليزر الثالث" 745 – 727 ق.م، لتبدأ حقبة تاريخية جديدة تشهد بناء تاريخ "الآشوريين" الذهبي، وتكونت آخر وأعظم إمبراطورية آشورية، وكان من أعظم إنجازاتها توحيد بلاد "آشور" "وبابل" في مملكة واحدة، وشهدت هذه الحقبة ملوكاً عظاماً، ولعل أهمهم وأشهرهم: الملك سرجون الثاني 727 – 705 ق.م، الذي قام بإنجازات فنية ومعمارية عظيمة، وشيد عاصمة جديدة باسم "دور شروكين" قرب نينوى، ومعنى هذا الاسم "مدينة سر جون".
اشتهر "سرجون" بالقوة العسكرية، وله نصيب كبير من الفتوحات الخارجية العظيمة، فكان له النفوذ الأكبر في العداء القائم بين ملوك مصر و"الآشوريين"، فهو الذي قضى على التحالف بين المصريين والدويلات الصغيرة في فلسطين وسوريا، وأيضاً استطاع هذا الملك في عام 721 ق.م من القضاء على مملكة "السامرة" أو المملكة اليهودية الشمالية، وقام بترحيل الكثير من سكانها إلى أماكن أخرى داخل حدود الإمبراطورية الآشورية.
وتولى بعده "آشوربانيبال" 668 - 626 ق.م، هذا الملك المثقف المغرم بالثقافة والأدب والمعرفة، وثقافته هذه كانت قد قادته لأن ينشئ دار كتب وطنية خاصة، والتي قام بتشييدها في العاصمة نينوى، ثم قام بجمع كتب من كل أنحاء البلاد، والتي تحتوي على مختلف أصناف العلوم والمعارف التي بلغتها حضارة الرافدين، وجمع الكثير من أنواع عديدة من الطين والقوانين، وكل أنواع المواد المكتوبة، وأسس المدارس، وشق الطرقات، وشيد المباني العامة، وبعد وفاته أصبحت إمبراطوريته تحت رحمة هجمات الكلدانيين "البابليين"، فالإمبراطورية التي شيدها ما لبثت أن انهارت بعد وفاته بسنوات قليلة، وذلك بعد أن نشب الخلاف بين أبنائه على تولي كرسي الخلافة لسنوات، وما لبثت بابل أن ثارت وأصبحت مرة أخرى مملكة مستقرة في عام 625 ق.م، وفي نهاية المطاف استولى البابليون وحلفاؤهم "الميديون" على مدينة نينوى وكان ذلك في سنة 612 ق.م.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا