(قصة)
تحت ضوء القمر
تأليف
Yasmine El Said
"إن هيئتهم كهيئة البشر لكن جلدهم يشبه جلد السحالي، وعيونهم سوداء بالكامل"
اسمي (زين).. أعيش في قريةٍ صغيرة بعيدة عن المدن والتحضر، يمكن أن تقول باختصار، أننا نعيش في عزلة عن العالم، اليوم سنستقبل مولودًا جديدًا، زوجتي تصرخ في الغرفة، ليس معها طبيبة، بالطبع أخبرتك أنني من بلدة بعيدة عن التحضر جدًا، هي معها الآن سيدة مسؤولة عن ولادة السيدات في القرية تدعى السيدة (نادين).. أشعر بتوتر شديد، بالطبع أنت تفكر بأنه توتر طبيعي لأنني سأكون أبًا بعد دقائق، لكن ليس هذا سبب التوتر، ولست قلقًا من أجل زوجتي كل هذا القدر، الحقيقة أنا قلق لأن الليلة هي ليلة اكتمال القمر، وهم دائمًا يأخذون المولود الذي يأتي في هذه الليلة.
صوت بكاء الطفل، دقات قلبي تتسارع، خرجت السيدة (نادين) من الغرفة وطلبت مني الدخول للاطمئنان على زوجتي، عندما دخلت الغرفة، وجدت زوجتي تبكي بشدة وهي تحتضن مولودها، اقتربت منها وجلست بجوارها، أحاول تهدئتها، قالت لي بصوتي تملأه الدموع: "سيأخذونه بالتأكيد".
لا أدري ماذا أقول! أخبرها أنني سأحميه من كل شيء ولن يأخذوه مني قط، وماذا إن فشلت؟ أنا لست متأكدًا من أنني أستطيع ذلك، ففضلت الصمت.
حملته بين ذراعي، نظرت إليه وأنا أسب نفسي، أي أب هذا! لا يستطيع أن يحمي ولده من خطر يعلم أنه محقق، أنا بالتأكيد لا أصلح أن أكون أبًا.
وفي محاولةٍ يائسة، اتفقنا أن نبقى مستيقظين طوال الليل ولن نسمح لأحد بأخذ مولودنا بعد منتصف الليل ما زلنا مستيقظين والصغير نائم، شعرت ببرودة شديدة في الغرفة، النوافذ مغلقة بإحكام، غطت زوجتي الصغير النائم بين أحضانها وأمسكت ذراعي بقوة، ونحن نعلم أنهم موجودين هنا، نعم هذه البرودة إحدى علامات وجودهم، بدأت أشعر أن جسمي مخدر، لا أريد أن أفقد الوعي، كل شيء يتلاشى تدريجيًا، أغرق في الظلام، صوت صراخ الطفل.
"انهض أيها النائم."
كان هذا صوت الشيخ (سليم).. سمعته يردد عبارات غير مفهومة، ومن بينها عبارة واحدة واضحة هي "انهض أيها النائم"
استيقظت في فزعٍ، لم أجد الطفل في أحضان زوجتي النائمة، أيقظتها بسرعة ونهضت إلى ساحة المنزل، وجدت الباب مفتوحًا والطفل على الأرض يبكي بشدة، اقتربت منه وحملته بين ذراعي، وجدت الشيخ (سليم) يقف أمام الباب في الخارج، يرسم حدودًا حول البيت بتراب لونه أبيض، ويردد العبارات غير المفهومة، ومعه السيدة (نادين).. يبدو أنها من أحضرته، فكلنا هنا نعلم ما يحدث عندما يولد مولود في هذه الليلة، لكنني تعجبت من وجودهم في الخارج هذه الليلة، ما زلت أذكر ما حدث آخر مرة، خرج أحدهم في مثل هذه الليلة، سمعنا صرخات جارنا، ولكن لم يجرؤ أحد على الخروج، وفي الصباح عثرنا عليه ممزق الجثة وبعض أعضائه مفقودة، وزوجته تبكي بجواره، علمنا منها أنه كان ذاهبًا إلى الطبيب لإحضار علاج لابنه المريض، وأنها حذرته من الخروج، لكنه مسكين كان يتوقع أن يعود سريعًا قبل أن يشعروا به.
نظر لي الشيخ (سليم) بحدة وقال: "إياك أن تخرج لأي سببٍ كان."
كانت زوجتي تضغط على ذراعي بقوة وتنظر إلى الصغير في شفقة، ما زال الشيخ (سليم) يردد تلك العبارات حتى سمعنا صرخة هزت أرجاء المنزل ثم خطا الشيخ (سليم) خطوة إلى داخل المنزل بدون لمس التراب الأبيض وأخبرني أن هذا الحاجز سيبقيهم بعيدًا عن المنزل، لكن يجب ألا أغادر المنزل أنا وزوجتي لمدة سبعة أيام، وبعدها سيعود كل شيء كما كان.
حسنًا سبعة أيام وبعدها سيبقى ابني معي إلى الأبد، لكن هذه الأيام السبعة لم تكن هينة ولا سهلة المرور، أثناء الليل صوت الصرخات بالخارج مفزع، أشخاص ينادوننا بأسمائنا، وفي أحد الأيام سمعت صوت الشيخ (سليم) في الخارج، من المفترض أنه ذهب إلى قريته، فهو ليس من قريتنا ويحضر إلى هنا كلما استطاع ليساعد أهل القرية لمعرفته بهذه الأمور، ومن حسن حظي أنه حضر يوم ميلاد طفلي العزيز، خرجت من الغرفة وفتحت باب المنزل الرئيسي، وجدته واقفًا على بعد مترين، وقال لي:
- اخرج يا (زين).. وأحضر ولدك، أحضرت له رقية ستعصمه من كل الأخطار.
- لكن يا شيخ (سليم).. ألم تخبرني ألا أخرج قبل سبعة أيام؟
- يا ولدي لقد زال الخطر، اليوم هو الرابع منذ ولادة ابنك ولم يحدث شيء، وهذا لم يحدث من قبل، أحضره لي ولا تخف.
وضع أحدهم يده على كتفي، التفت فوجدت زوجتي تقول:
- ما الذي أخرجك في هذه الساعة؟ ولماذا فتحت الباب؟ هل تريد الخروج؟
- لا، لكن الشيخ (سليم) أراد الطفل ليرقيه، انظري ها هو.
تكلم الشيخ (سليم) وقال:
- تعال يا ولدي، وأحضر الطفل.
قالت زوجتي:
- ومن أخبرك أنه الشيخ (سليم)؟
ثم صاحت:
- أنت يا هذا، إن كنت الشيخ (سليم) تعال وتجاوز الحاجز الترابي.
نظر لها الشيخ (سليم) نظرات معادية ثم صرخ صرخة مزقت السكون واختفي في الحال.
أغلقنا الباب وأسرعنا إلى الغرفة حيث ينام الصغير ومرت السبعة أيام على هذا الحال، وجاء اليوم السابع، حضر إلى منزلنا الجيران وأهل القرية للاحتفال بالمولود الجديد، وكان يجب أن أسميه في هذا اليوم، فسميته (ناجي) لأنه أول من نجا منهم في القرية، وبمرور الأيام كبر (ناجي) وأكمل خمس سنوات ووضعت زوجتي مولودتنا الجديدة، وكان مولدها في يوم عادي بعيد عن اكتمال القمر، ففرحنا كثيرًا ولم يكن الأمر يتطلب هذا العناء الذي لاقيناه بعد ولادة (ناجي).. وفي اليوم السابع من ولادتها أسميتها (لينا) وفي أحد الأيام طلبت مني زوجتي أن أصطحب (ناجي) معي إلى العمل لأنه يعطلها و(لينا) عن الأعمال المنزلية، فوافقت وتركت لها (لينا).
بالمناسبة، أنا أعمل حطابًا، أذهب إلى الغابة، أقطع الأشجار وأحضر الحطب إلى القرية، ذهبت و(ناجي) إلى الغابة وطلبت منه الجلوس على صخرة قريبة حالما أنتهي من تقطيع الأشجار وسنذهب في الحال، كنت منهما في التقطيع إلى حد كبير لدرجة أنني نسيت أن (ناجي) معي هنا، وقفت مسرعًا ونظرت إلى الصخرة التي كان جالسًا عليها، فلم أجده، بدأت أنادي: "(ناجي).. (ناجي).. دون إجابة، ركضت في الغابة كالمجنون أبحث عنه، سمعت صوته من بعيد: "أبي، أبي"... التفت فوجدته يركض نحوي من بعيد، ركضت إليه واحتضنته بشدة، وجدته غارقًا في العرق ويبدو عليه الخوف الشديد، سألته:
- (ناجي).. ما بك يا ولدي؟ أين ذهبت؟ ولماذا لم تخبرني؟
قال بصوت خائف:
- أبي، هيا بنا نذهب من هنا، وسأحكي لك في الطريق.
وأثناء عودتنا، بدأ يحكي لي:
- عندما كنت جالسًا على الصخرة، رأيت أحد الأشخاص يختبئ وراء شجرة كبيرة، وأشار لي بيده أن أتبعه، فتبعته لكنني فقدت أثره ثم ظهر فجأة خلف إحدى الأشجار مرة أخرى، وأشار لي أن أتبعه، كان يرتدي عباءة طويلة تخفيه تمامًا، فتبعته حتى وصلنا إلى كهف حجري، فخلع العباءة وكان شكله مخيفًا جدًا، وهناك أشخاص كثيرون مثله يشيرون لي أن أدخل إلى الكهف، فركضت عائدًا بأقصى سرعة حتى وجدتك تبحث عني في الغابة.
- وكيف كانت أشكالهم؟
- إن هيئتهم كهيئة البشر، لكن جلدهم يشبه جلد السحالي، وعيونهم سوداء بالكامل.
وبعد عودتنا إلى المنزل، لاحظت زوجتي الخوف الشديد على (ناجي) فرويت لها ما حدث، فقررت أن تأخذه إلى الشيخ (سليم) في القرية المجاورة، وبعد عودتها أخبرتني أنهم لا يزالون يريدون أن يأخذوه لكنهم لم يعد باستطاعتهم اختطافه، شعرت بتوتر شديد، كنت قد ظننت أن هذه المشكلة حلت إلى الأبد لكنها أخبرتني أن الشيخ (سليم) أخبرها أن الموضوع ليس خطيرًا لهذه الدرجة فهي مجرد محاولة يائسة، طالما لا يخرج من المنزل في ليالي اكتمال القمر، وفي أحد الأيام استيقظت على صوت فتح الباب، نهضت مسرعًا من الفراش وخرجت من الغرفة، فوجدت (ناجي) واقفًا أمام الباب يريد الخروج الليلة، ليلة اكتمال القمر.
صرخت:
- (ناجي)؟
التفت في فزع وقال:
- أمي في الخارج يا أبي، لقد سمعتها تناديني.
- أمك في الغرفة يا (ناجي).. أخبرتك ألا تخرج من المنزل لأي سببٍ كان.
- لكنني سمعت صوت أمي، صدقني يا أبي.
- حسنًا، اذهب إلى غرفتك الآن.
وفي إحدى الليالي، سمعت صراخ (ناجي).. ذهبت إليه مسرعًا أنا وزوجتي، كان خائفًا جدًا.
فسألته:
- ما بك يا ولدي؟ لم كل هذا الصراخ؟
أجاب في خوف:
- عندما كنت نائمًا، رأيت أشخاصًا أشكالهم مخيفة جدًا، وكانوا يريدون أن يأخذوني معهم.
قالت زوجتي
- إنه مجرد كابوس يا عزيزي.
قال (ناجي):
- إنهم الأشخاص الذين رأيتهم في الغابة، لا تدعهم يأخذوني يا أبي.
نمت بجواره هذه الليلة، ولكن الأمر ظل يتكرر حتى اعتدناه.
ومرت السنوات على هذا النحو، وأكمل (ناجي) خمسة عشر عامًا وأتمت (لينا) عشر سنوات، وفي أحد الأيام بعد عودتي من الغابة، أخبرتني زوجتي أن (ناجي) مريض للغاية، أسرعت إلى غرفته، حرارته كانت مرتفعة، دخلت زوجتي الغرفة وأخبرتني أنها ستأخذه إلى الطبيب لإحضار علاج له.
عادت زوجتي و(ناجي) من عند الطبيب، وأحضرت أعشابًا خافضة للحرارة، وبعد أيام بدأت صحة (ناجي) تتحسن تدريجيًا، وبعد يومين من تحسنه، أخبرتني زوجتي أنها ستأخذه إلى الطبيب مجددًا.
قلت لها في ضيق:
- إنه يتحسن، لا داعي للذهاب إلى الطبيب كل يوم.
- من الواضح أن (ناجي) يعاني من مرض جلدي، ربما الحرارة هي السبب، سأذهب إليه من أجل هذا، انظر إلى يده.
نظرت إلى يده، فوجدت عليها بقعة لونها غريب وملمسها أيضًا غريب.
- حسنا، اذهبي ولا تتأخري.
وبعد عودتها، وضعت على يده الأعشاب التي أعطاها لها الطبيب، لكن المشكلة لم تنته، بدأت بقع جديدة تظهر على جلده، ذهبت زوجتي إلى الطبيب مرة أخرى، فأعطاها علاجًا جديدًا، وأخبرها أنه لم ير مثل هذا المرض من قبل، لكن الأمر يزداد سوءً، اتسعت البقع على جلده وأصبحت تشغل معظم مساحة جسده، ليس هذا فقط، بل لاحظت تغييرًا في بعض تصرفاته، فلم يعد يجلس ليأكل الطعام معنا، بل لم يعد يأكل أصلًا، هو دائمًا قلق، أعتقد أن حالته النفسية متأثرة بمرضه.
وفي أحد الأيام جاء (ناجي) ليجلس بجواري، ويبدو عليه القلق. فسألته:
- ما الأمر يا (ناجي)؟
- ألا تلاحظ يا أبي، أن هذه البقع تشبه جلودهم كثيرًا؟
- من هم يا عزيزي؟
- الأشخاص الذين كانوا في الغابة؟
صعقت من كلامه، كيف لم أفكر بهذا من قبل؟! تذكرت كلام (ناجي) منذ عشر سنوات.
"إن هيئتهم كهيئة البشر، لكن جلدهم يشبه جلد السحالي، وعيونهم سوداء بالكامل."
هذه البقع تشبه جلد السحالي فعلًا، لكن ما معنى هذا؟ سأذهب غدًا أنا و(ناجي) إلى الشيخ (سليم).. لم نره منذ وقتٍ طويل.
وفي اليوم التالي ذهبنا جميعا إلى الشيخ (سليم) ورويت له ما حدث، وعندما رأى البقع على جلد (ناجي) تغير وجهه وقال:
- هذا ما كنت أخشاه!
- ما الأمر يا شيخ؟
كانت زوجتي من قالت هذا.
الشيخ (سليم):
- أنا لست متأكدًا بعد.. أريد أن أتكلم معك على انفرادٍ يا (زين).
ذهبنا إلى غرفة أخرى..
- ما الأمر يا شيخ، أقلقتنا.
- أتمنى أن تكون شكوكي ليست في محلها.. أعتقد أنهم يريدونه ليكون منهم، وكل الأطفال الذين ولدوا في ليلة اكتمال القمر أصبحوا منهم.
- وكيف سيجعلوه منهم، وهم لم يستطيعوا اختطافه وضمه إليهم؟
- ربما هو يتحول ليكون منهم من تلقاء نفسه.
خرجنا من الغرفة، وجدت زوجتي قد استبد بها القلق وسألتني:
- ما الأمر؟
- علينا الذهاب الآن.
بعدما ذهبنا إلى المنزل، دخل (ناجي) إلى غرفته وأخبرت زوجتي بما قاله لي الشيخ (سليم).. فأجهشت بالبكاء.
وتمر الأيام والوضع ما زال سيئًا جدًا لدرجة أن (ناجي) لم يعد يخرج من المنزل بعدما غزت البقع الجلدية وجهه.
وفي أحد الأيام بعد عودتي من العمل، وجدت زوجتي تبكي بشدة في غرفتها، فسألتها:
- ما الأمر؟
فقالت بصوتٍ تملأه الدموع:
- ابنك أكل دجاجة.
- وما المشكلة؟
- ابنك أكل دجاجة حية.
- ماذا؟؟؟
- كنت ألاحظ تناقص عدد الدجاج في الفترة الأخيرة، واليوم ذهبت لأطعم الدجاج، فوجدته في غرفتهم، رأيته يكسر رقبة الدجاجة ويشرب دماءها بشراهة ثم مزقها بأسنانه وأكلها، لم أتمالك نفسي وأسرعت إلى غرفتي أبكي، لم أجرؤ حتى على التحدث معه.
ذهبت إلى (ناجي) في غرفته، نهض من فراشه عندما رآني، جلست بجواره، كانت حالته سيئة للغاية، شعره يتساقط بغزارة، امتدت البقع إلى الفراغات التي أحدثها تساقط شعره، ما هذا؟ ألم يكن لون عينيه كعيني أمه؟ منذ متى وهما سوداوان؟
سألته أسئلة عابرة عن حاله، خرجت من عنده وأدركت أن الأمر لن يستغرق وقتًا طويلًا حتى يصبح (ناجي) منهم، وفي إحدى ليالي القمر المكتمل، كانت زوجتي عند والدتها المريضة مع (لينا) وكنت في المنزل أنا و(ناجي).. بعد منتصف الليل، استيقظت على صوت في الغرفة، عندما فتحت عيني، وجدت (ناجي) وكان شكله مخيفًا جدًا، كان حجمه أكبر ويبرز من فمه أنياب، صرخت وابتعدت عنه في فزع..
قلت له في قلق:
- ماذا تريد يا (ناجي)؟
أجاب بصوته المخيف الذي لم أسمعه من قبل:
- أريد الطعام.. أريد الدم.
اقترب مني، يبدو بحجمه هذا أطول مني، ابتعدت حتى التصقت بالحائط، هل هذه نهايتي؟ هل سأموت على يد ولدي؟ لمحت حقيبتي على الأرض بجواري، تناولتها بسرعة من على الأرض، وما أن فتحتها ورأى (ناجي) التراب الأبيض الذي أعطاني إياه الشيخ (سليم).. ابتعد وخرج من الغرفة، وبعدما خرج وضعت بعض التراب الأبيض على الباب وحول السرير، لا أصدق أنني خائف من ولدي، وبعد لحظات سمعت صوت عنزتنا، فتحت الباب ومعي بعض التراب الأبيض في يدي، رأيت (ناجي) يغرس أسنانه في رقبة العنزة ويشرب دماءها ويمزق لحمها بأسنانه ويأكله، لم أتمكن من النوم هذه الليلة، وقد تيقنت أن ابني أصبح وحشًا، وفي الصباح عادت زوجتي و(لينا) وكان (ناجي) نائمًا في ساحة المنزل والدماء تغطي فمه، وعندما رأته زوجتي، صرخت، فاستيقظ (ناجي) وكان في حجمه الطبيعي وشكله الذي كان بالأمس، ودون أن ينطق بكلمة دخل إلى غرفته.
وفي الليلة التالية، وضعنا التراب الأبيض على باب غرفتنا وغرفة لينا).. لقد أصبح (ناجي) يشكل خطرًا حقيقيًا، ولم أتمكن من النوم كعادتي في الفترة الأخيرة، س معت صوت فتح باب المنزل، فتحت باب الغرفة فتحة صغيرة، رأيت (ناجي) يخرج من المنزل، أغلقت باب الغرفة ونظرت خلال فتحة صغيرة في النافذة، رأيته جالسًا على الأرض أمام المنزل، وفجأة رفع عينيه ونظر إلى النافذة، يبدو أنه يراني، وبسرعة البرق كان وجهه ملتصقًا بالنافذة من الخارج، وينظر في عيني مباشرة، ابتعدت بسرعة عن النافذة وبعد دقائق نظرت مرة أخرى، فوجدته جالسًا على الأرض وينظر لي وكأنه لا يريدني أن أراه، وضعت ستارًا على النافذة وذهبت للنوم، وفي الصباح استيقظت على صراخ أهل القرية، خرجت فوجدتهم مجتمعين حول المنزل، فسألتهم في تعجب:
- ما الأمر؟ لم تجتمعون هنا؟!!
أجاب أحد الجيران:
- جميع الحيوانات في القرية ماتت ليلة أمس.
- ولماذا تجتمعون حول منزلي؟
أجاب آخر:
- باختصار، لأن ابنك من أكلهم.
كنت متوقعًا هذا، لا أحد يفعل هذا سوى ابني الذي كان طوال الليل خارج المنزل.
لكنني قلت لهم:
- ومن أخبركم أنه ابني؟ هل رآه أحدكم؟
أجاب شخص آخر:
- لا، لكن كلنا نعلم أنه ابنك، هو وحش وكلنا نعرف هذا حتى أنت، وإن لم تسيطر على ابنك، سنقتله أو تذهب أنت وهو من القرية.
ثم انصرفوا، لم يكن لدي ما أقوله لهم.
وبعد يومين من هذه الحادثة، حضر إلى منزلنا الشيخ (سليم) ليطمئن على حالة (ناجي) وأحضر معه بعض الكتب والتراب الأبيض الذي كان يرسم به حدودًا حول منزلنا منذ خمسة عشر عامًا.
دخل إلى غرفة (ناجي).. وشب (ناجي) من على الفراش فور رؤيته، وكانت تبدو على وجهه علامات الفزع، اقترب منه الشيخ (سليم) ووضع بعض التراب الأبيض على جبينه، فصرخ (ناجي) وسب الشيخ (سليم).. عندها لم أشعر بنفسي إلا وأنا ألطمه على وجهه، خلال دقيقة واحدة سقط كل ما تبقى من شعره أمامي واسودت عيناه بالكامل، وبسرعة غير طبيعية خرج من المنزل، خرجت وراءه مسرعًا فلم أجده في أي مكان، كأنه تبخر.
- ماذا حدث يا شيخ (سليم)؟ أين ذهب (ناجي)؟ ولماذا وضعت هذا التراب على جبينه؟
- لقد أصبح ابنك منهم يا (زين) وهو لم يرحل حتى الآن لأنه يأمل أن يجد ضحية هنا، فكان يجب أن يشعر أنه مهدد ليرحل.
أخذت زوجتي تبكي بشدة وتلطم وجهها قائلة:
- أريد ولدي.
و(لينا) تبكي بجوارها وتحاول تهدئتها. قلت له:
- لكن يجب أن نستعيده يا شيخ، يجب أن أستعيد ولدي.
- لا يا (زين).. لا مجال لعودة (ناجي).. لقد أصبح منهم، كان يجب أن نتركهم يأخذوه منذ أن كان طفلًا، الأمر ليس كما ظننا، هم ليسوا مجرد قوم يريدون أخذ أطفالكم، هذه لعنة على قريتكم ومن يعيشون فيها، أن من يولد ليلة اكتمال القمر، يتحول ليصبح وحشًا، وإن لم يأخذوه سيتحول وهو بينكم وسيكون مصدر تهديد لحياتكم، هذا قدركم وستظلون هكذا إلى الأبد.
ثم أشار إلى الكتب وأكمل:
- وهذه الكتب تؤكد ما أقوله، هي تحكي تاريخ قريتكم وأكثر من تجربة لأكثر من شخص في أزمنة مختلفة، كان يسكن هذه القرية قوم غيركم، عندما جاء أجدادكم إليها، طردوا من كانوا يعيشون فيها من بيوتهم واستوطنوا قريتهم، يقال أن سكان القرية الأصليين، استعملوا السحر الأسود لتحقيق انتقامهم، وبعد أربعين ليلة من مجيئهم القرية، وضعت إحدى النساء مولودًا في ليلة اكتمال القمر، لكنه كان أشبه بمسخ، لدرجة أن أبويه لم يتحملا النظر إليه، فقررا التخلص منه فرموه في الغابة، وبعد فترة جاء مولود آخر على هذه الحالة، واضطر أهله إلى رميه بالغابة، وبدأ الناس ينتبهون أن المولود الذي يأتي في ليلة اكتمال القمر هو فقط من يكون مسخًا، فلجأوا إلى السحر ليتخلصوا من هذه اللعنة، وظنوا أنهم نجحوا في ذلك لأن المواليد أصبحوا يولدوا بصورة عادية لكنهم يختطفون في الليلة نفسها التي يولدوا فيها، وفي إحدى الليالي كان أحد الرجال عائدًا إلى منزله، فسمع أهل القرية صرخاته، فخرجوا ليجدوه ممزق الجثة وبعض أعضائه مفقودة، وتكررت هذه الحادثة أكثر من مرة، ومع تكرار الحوادث لاحظ أهل القرية أن كل هذه الحوادث تحدث فقط عندما يكون القمر مكتملًا، فأصبحوا لا يخرجون ليلة اكتمال القمر، والأطفال الذين يولدون في هذه الليلة يختطفون مهما حاولوا منع ذلك، وكل شخص يأتي ويعيش في هذه القرية تصيبه اللعنة ولا تفارقه أبدًا، إن ظلم أجدادكم يلاحقكم يا (زين).. ومن تحاربوهم ويقتلونكم ليسوا إلا أولادكم وإخوانكم الذين ولدوا في ليلة اكتمال القمر.
بعد هذه الليلة، اتخذت قرارًا مهمًا، وهو أننا سنترك هذه القرية إلى الأبد، أعلم أنه قرار صعب، فنحن لا نملك شيئًا سوى هذا المنزل الذي يأوينا، ولا نعرف مكانًا في العالم غير قريتنا التي ولدنا وعشنا فيها عمرنا كله، ولا أعرف لي عملًا سوى تقطيع الأشجار، لكن هذا أفضل من رؤيتي لابني وهو يأكل لحوم البشر.
بدأنا حزم أمتعتنا استعدادًا للرحيل بعد ليلتين، كي نتجنب ليالي اكتمال القمر، لم تكن زوجتي تريد الرحيل لكنني أقنعتها أن هذا أفضل على الأقل من أجل (لينا) وهو أفضل اختيار، وبعد يومين اشتريت حمارًا بكل النقود التي كانت معي، وعندما حل المساء تحركنا من أمام المنزل، ركبت (لينا) الحمار ومعها الأمتعة ومشيت أنا وزوجتي، وعندما وصلنا إلى حدود القرية، تعثر الحمار وسقطت (لينا).. ساعدتها على النهوض وأعدنا الأمتعة على الحمار الذي رفض التحرك وأخذ ينهق بصوتٍ عالٍ لدرجة أنني ضربته ليتحرك، لكنه لم يتحرك، لمحت شخصًا يتحرك بسرعة، أنزلت (لينا) من على الحمار وطلبت منهما أن تركضا بسرعة خارج القرية.
قالت زوجتي:
- ماذا عن الأمتعة والحمار؟
- الحمار لن يتحرك ولن نستطيع حمل الأمتعة بدونه.
بدأنا نركض بسرعة لكن رأينا أشخاصًا لم نتبين ملامحهم في الظلام، كانوا طوال القامة، تقدم نحونا أقصرهم طولًا، كان يبدو بطول البشر العاديين، وقال:
- ألم أقل لكم أن من يعيش في هذه القرية تصيبه اللعنة ولا تفارقه أبدًا.
قلت في دهشة:
- الشيخ (سليم).. ماذا تفعل هنا؟ ولماذا أنت معهم؟!!
ضحك بصوتٍ عالٍ وقال:
- لأنني سيدهم.
- أيعني هذا أنك كنت تخدعنا طوال هذه المدة؟ ولكنك ساعدتنا في كثير من المواقف.
- يا أحمق، أنا كنت أساعدكم لأصل إلى ما أريد.
- ولكن لماذا؟
- لقد أخبرتك من قبل أن ظلم أجدادكم يلاحقكم، أجدادكم طردوا أجدادي من قريتهم، وأنتم ورثتم القرية، أما أنا فقد ورثت الانتقام، هكذا تتحقق العدالة.
حاولت العودة لكنني اصطدمت بأجسام طويلة خلفي، كانت زوجتي و(لينا) تبكيان وتمسكان بي.
قال الشيخ (سليم):
- لا تحاول الفرار، أنت تعلم القواعد، من يعرف الحقيقة يموت.
- حساء اقتلني أنا، واترك زوجتي وابنتي.
- أنا لم أسألك عن أمنيتك الأخيرة، لا تقلق، الليلة ستموت أنت وزوجتك وابنتك وجميع أهل القرية.
أشار لهم بيده فتحركوا نحونا، أشعر أنني أختنق، لم أعد أرى شيئًا وكأنني أسقط في بئرٍ عميقة.
في قسم الشرطة بإحدى المدن
- سيدي، لقد تم العثور على جثتي ممزقة في قرية قريبة من الغابة.
- كم عدد الجثث؟
- حوالي ألفي جثة، لقد مات جميع أهل القرية، يبدو أن هذه الغابة بها حيوانات مفترسة.
تمت
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا