بوابة السماء القاتلة
ومن الطبيعي أن نبدأ رحلتنا بآخر مآسي هذه الجماعات، أو الطوائف، أو الفرق، جماعة "بوابة السماء".
لقد اهتمت جميع وسائل الإعلام وشبكات الإنترنيت بالواقعة، وأوردت تفاصيلها الدقيقة.
وسنحاول هنا أن نوردها باختصار شديد، لكي نشير إلى السمات المشتركة بين هذه الجماعات، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تساعد على قيامها، وعلى تكاثرها.
في السابع والعشرين من مارس 1997، تم العثور على جثث 39 رجلاً وامرأة، كل جثة مسجاة على فراش خاص، كلها حليقة الرأس، وفي زيٍ ووضع موحد. وكان هذا هو أحدث انتحار جماعي لجماعة أو طائفة "بوابة السماء".
قائد هذه المجموعة، والذي كان من بين المنتحرين، ولد عام 66 بولاية تكساس، وكاد أن يعمل في سلك الكهنوت كأبيه، لكنه اختار أن يدرس الموسيقى. ثم عمل في فريق للغناء الأوبرالي، بالإضافة إلى تدريس الموسيقى. ويقال إن نقطة التحول الأولى في حياته، كانت إقامته علاقة جنسية شاذة مع أحد تلاميذه، كان لفضحها تأثيره على حياته العائلية والعملية. وضاعف هذا من حالته العقلية المتأزمة أصلاً، مما قاد إلى دخوله إحدى المصحات العلاجية، حيث التقى بنقطة التحول الثانية، في صورة ممرضة، توافقت شطحاتها العقلية مع شطحاته.
تزوج أبلوايت - وهذا هو اسمه الأصلي - من الممرضة، زواج عقيدة وليس زواج المعاشرة، فقد كان كل من الزوجين يؤمن بأن الجسد هو العدو الحقيقي لكل باحث عن السمو والارتقاء. وتأكيداً لهذا، قام أبلوايت بإخصاء نفسه!
صفحات على شبكة الإنترنيت:
عندما وصلتني أخبار هذه المأساة، لجأت إلى شبكة الإنترنيت باحثاً عن التفاصيل، فعثرت على العنوان الخاص بالجماعة في الشبكة، اطلعت على تفاصيل الأفكار الغريبة، التي جرى تلفيقها من كل صوب وحدب، على صورة العقيدة التي أودت بحياة كل هؤلاء البشر. خليط من العقائد الدينية وغير الدينية والأحداث الفلكية، والأساطير القديمة والحديثة، التي جرى تفسيرها على هوى ذلك الرجل.
هذه الصفحات التي سبقت واقعة الانتحار الجماعي، يتصدرها رسم أنيق ملون، يحمل اسم الدعوة "بوابة السماء" الصفحة الرئيسية والصفحات الفرعية كلها ظهرت على شبكة الإنترنيت قبل بداية عام 1997. الخبر الذي تزفه الجماعة لجماهيرها، هو اقتراب المذنب هال - بوب، باعتباره من "العلامات" التي كانت الجماعة تترقبها، وإشارة إلى أن سفينة الفضاء القادمة من "المستوى فوق البشري" في طريقها لتأخذ أفراد الجماعة إلى "عالمهم".
وتقول الجماعة: "سنوات دراستنا هنا على كوكب الأرض، البالغ عددها 22 سنة، قد وصلت أخيراً إلى غايتها.. (التخرج) في مستوى التطور البشري. إذا ما أتيح لك أن تدرس المواد التي على صفحتنا في الشبكة، نأمل في أن تفهم فرحتنا، وغرض وجودنا على الأرض. بل ربما تجد (جواز سفرك), الذي يتيح لك أن تغادر معنا...".
الرحلة المكوكية بين العوالم!
على إحدى الصفحات، شرح قائد هذه الجماعة ومفكرها تاريخها من البداية إلى النهاية. ويبدأ هذا التاريخ بقوله: "في بداية السبعينات، تجسد شخصان، أنا ورفيق مهمتي، قادمان من مستوى التطور فوق البشري، في هيئة جسدان بشريان، كانا في الأربعين من عمريهما. وقد دخلت أنا في جسد الذكر، ورفيق مهمتي - الذي كانت له الأقدمية عني في المستوى فوق البشري - دخل في جسد امرأة..". ويستطرد شارحاً بأنهم يعتبرون هذه الأجساد البشرية "مركبات"، يدخلون فيها لتأدية واجبهم بين البشر. وأن هذه الأجساد كانت مجهزة، ومتروكة جانباً منذ ولادتها، لتكون في خدمتهم!
ويواصل مهندس المأساة شرح رحلته المكوكية بين العوالم، فيقول:
"لقد اصطحبنا معنا إلى الأرض، طاقماً من التلاميذ، ممن عملنا معهم على الأرض في مهام سابقة. وكانوا على درجات متباينة بالنسبة لمستويات تطورهم، من عضوية المملكة البشرية، إلى عضوية مستوى التطور فوق البشري".
ثم يقول: "يبدو أننا وصلنا مجال الأرض بين الأربعينيات والتسعينيات، بتوقيت الأرض". وهو يرجح أن العديد منهم وصل إلى مجال الأرض بواسطة مركبة فضائية (طبق طائر), تحطم على جسم الأرض، وقد عثرت السلطات البشرية، ممثلة في الحكومات والجيوش، على أجسادهم المؤقتة الخنثى (أي لا ذكر ولا أنثى).
ويمضي في وصف التفاصيل الدقيقة للرحلة إلى الأرض، فيقول "ونحن نشعر أنه عندما كنا (خارج الأجساد), فيما بين الوصول وبين التجسد، جرى إمدادنا بمعلومات مكثفة، وجرى أخذنا في رحلة ممتدة لأماكن وأحداث، يمكن أن تساعد كلاً منا في عملية تجسده، وفي إدخال عقولنا وإدراكاتنا إلى مركبة الجسد والتخلص من العقل البشري في الأجسام التي دخلنا فيها، والتي سيستخدمها كل واحد منا".
عدم احترام العالم ونظمه:
هذه الأفكار والتعبيرات، قد تثير سخريتنا وتهكمنا، لكن الذي لا شك فيه، أن مهندس أو مهندسي هذه العقيدة الفاجعة، كانوا على درجة عالية من الذكاء، والقدرة على اختيار الضحايا وإقناعهم بالمنطق الذي يطرحونه، بما يدفعهم إلى التحمس لعملية الانتحار.
وهو يتكلم طويلاً، شارحاً آليات وخطط العالم فوق البشري في التعامل مع الحضارات التي تتتابع على الأرض، وكيف يتم زرع مخازن "الأرواح" على الأرض، والتي يطلقون عليها (هبة الحياة), والتي هي جواز المرور إلى مستوى ما فوق البشر.
وعن هذا يقول "ذلك الوقت، يمكن أن نتعرف على الآدميين الحائرين على مخازن الأرواح، باعتبارهم أولئك الذين يفقدون بشكل سريع - احترامهم للعالم و(نظامه).. وهؤلاء تنظر إليهم المؤسسات الدنيوية باعتبارهم غير مسئولين وغير اجتماعيين، وينظر إليهم العالم كأغبياء، وحمقى، وأعضاء في الجماعات ذات العقائد الغريبة، وانعزاليين.. إلى آخر هذا".
ويمضي بعد ذلك إلى القول بأن الروح أيضاً هي مجرد غلاف للإنسان الجديد، ويكون لها عقلها الخاص، الذي يقتصر عمله على تراكم المعلومات الخاصة بالمستوى الأعلى القادم.
الخطوة الأخيرة القاتلة:
وفي النهاية، نصل إلى الخطوة الأخيرة القاتلة. في هذا يقول "المرحلة الأخيرة من عملية التحول، أو الانسلاخ، أو الانفصال عن المملكة البشرية، تتم بقطع العلاقة مع الوعاء المادي للإنسان (الجسد), للتحرر من البيئة البشرية، ودخول العالم (التالي), أو البيئة المادية للمستوى التالي. وهذا سيتم تحت إشراف أعضاء من المستوى التالي، من خلال إجراءات سريرية. وسيتم اللقاء في (السحب), وهي سفينة الفضاء الأم العملاقة، حيث يتم إعلامنا بما ينبغي أن نعرفه، خلال رحلتنا إلى مملكة السماوات الحقة".
وعن عملية الإخصاء التي تجرى على أفراد هذه الجماعة، يقول هذا المانيفستو الشيطاني الذكي: "إن المتطلبات تكون واحدة بالنسبة للذين يتوقعون أن يجدوا أنفسهم في طريق المستوى فوق البشري: على كل منهم أن يتقدم تجاه نبذ كل ما ينتسب إلى البشر من الطرق، والروابط، والأفكار، الإغراءات التي يدمنونها، والسلوك الجنسي، ويتحركون من أجل أن يصبحوا مخلوقات جديدة"، وهو يشير إلى عملية الإخصاء بطريقة لبقة قائلاً: "بعض الدارسين اختاروا، بمحض إرادتهم، أن يتم تحييد مركباتهم الجسدية، من أجل دعم إدراك أكثر موضوعية، وأكثر بعداً عن الجنس".
عملاء إبليس على الأرض:
وفي محاولة للهجوم على من ينسلخون عن دعوته، بعد انتظامهم فيها، يقول: "يصبح هؤلاء جانباً من المعارضة للمستوى الأعلى، ويتحول زعيمهم إلى إبليس (شيطان). مثل هؤلاء القادة، ما زالوا حتى اليوم يحتلون موقعاً في السماوات القريبة، وهم الذين يشير إليهم البشر بتعبير كائنات الفضاء أو الكواكب الأخرى. وهم يختبئون أيضاً في قواعد لهم تحت الأرض، ويساهمون في العبث بجينات البشر، كما يتزاوجون منهم.. هؤلاء الأباليس بدأوا، من عوالمهم غير المرئية في أغلب الأحيان، جميع الأديان، متنكرين أمام البشر في صورة (الآلهة). وهم يقدمون للبشر الذين يعبدونهم دون أن يعرفوا، كل ما يرغبون فيه من مكاسب مادية".
وهو يتهم هؤلاء الأباليس وأتباعهم من البشر، بالترويج لفكرة "الجنة على الأرض"، و"السلام على الأرض"، ويوقفون سعي الناس إلى مستوى ما فوق البشر بالدعوة إلى حياة صحية في ظل الأوضاع البشرية. كما يقول إنهم يستمدون قوتهم من البشر الذين يمسكون بأيديهم مفاتيح القوة في على الأرض: قادة الحكومات، وكبار الأغنياء، والقيادات الأخلاقية التي تستمد قوتها من الأديان المصنوعة وفقاً للطلب والحاجة. وهؤلاء معاً من خلال "النادي" العالمي الذي يضمهم، يفرضون احتكارهم على البشر.
ويقول البيان: "هؤلاء الأقوياء يحددون معاً ما هو (الصواب), وما هو (الخطأ), لكل البشر. وغني عن البيان، أن رؤاهم تجعل الأغنياء أكثر ثراء، والساسة أكثر نفوذاً، وتوفر في الوقت نفسه ما يلزم من (ضمير أخلاقي), لتغذية مجتمع لا يشعر بالذنب. وأولئك الذين يفرضون قوانين الحكومات، يحرصون على عدم السماح لأي شيء بأن يؤثر على الأخلاقيات التي يفرضونها، والتي هي في واقع الأمر ليست أخلاقيات بالمرة".
وهم ينظرون إلى أي مجموعة صغيرة لا تستسلم بسذاجة لقوانينهم الاجتماعية، ولا تنظر إلى الحياة من خلال "آليات التحكم" التي وضعوها، أو التي تسعى إلى إثارة التساؤلات حول سلامتها وشرعيتها، أي مجموعة صغيرة كهذه ينظرون إليها باعتبارها مخربة ومتطرفة، ومعادية للمجتمع، وخائنة، وربما إرهابية.
مقايضة مخلوقات الفضاء!
ومن أغرب ما يرد في ذلك البيان (التاريخي), قوله: "إن مخلوقات الفضاء، بجماعاتها وأجناسها المختلفة، ترجع صلتها بالبشر - خاصة في العقود الأخيرة - لعدة أسباب. وهي تتراوح بين "صفقات" للمنفعة المتبادلة، مثل مقايضة تكنولوجياتهم في مجال سفن الفضاء مقابل عدم التدخل في تجاربهم الوراثية على البشر، وبين ما يقدمونه من رحلات "التنوير الروحي". ويقول البيان: إن كل هذا النشاط، يتم فيما هو دون السعي إلى "المستوى التالي" بكثير، وأن جهود مخلوقات الفضاء المكثفة الحالية، تتم الآن في الوقت الذي تقبل فيه قوى "بوابة السماء" إلى الأرض.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا