الطلقة
بقلم: عبدالوهاب محمد العمير
ضاري فتى يبلغ من العمر خمسة عشر سنة، كان شاباً متهوراً يحب الصخب والتحدي والمغامرة، ما أن تتاح له الفرصة لكي يثير إزعاجاً أو يجرب شيئاً جديداً مجنوناً فإنه لا يتوانى عن اقتناصها دون أن يفكر بعواقب تلك التصرفات الخرقاء، ولطالما قلق والديه عليه ونهراه عن تصرفاته المجنونة وشغبه البريء أحياناً والخطير أحياناً أخرى، ومن الأمور التي استهوت ضاري أفلام الكاوبوي أو ما يعرف ب "أفلام الغرب الأمريكي" والتي اشتهر أبطالها باسم "رعاة البقر"، كان يحب رجولة تلك الشخصيات وامتطائهم للخيول والقبعات غريبة الشكل فريدة النوع التي يرتدونها والمسدسات التي يضعونها في الأحزمة الموجودة حول خواصرهم، ولطالما اقتنى ضاري قبعات من اللواتي يرتديها رعاة البقر عند كل فرصة تتاح له إذا سافر هو وأهله إلى الولايات المتحدة الأمريكية اشترى أربعة أو خمسة قبعات إضافة للتي يقوم بطلبها عن طريق الإنترنت
ودائماً كان أهله ينزعجون من صرخاته التمثيلية التي يقوم بأدائها وهو يمسك مسدساً أو أكثر من المسدسات الخاصة بالأطفال طبعاً في يديه وهو يقف على الكنبة في غرفة المعيشة ويتحدى الظلال المتراقصة على الحائط وفي النهاية يرمي الرصاصات التي تكون خطرة أحياناً على تلك الظلال وفي إحدى المرات أضر ضاري بوجه والدته عن طريق الخطأ عندما أصابها برصاصة بلاستيكية الصنع وأدى ذلك إلى جرح غائر في وجهها تطلب جراحة صغرى إلى علاجه، أما والده فكان يمثل دور مفتش الشرطة حيث كان دائم البحث مسدسات هادي ومخزن الرصاصات الخاص بها ويقوم بتخبئتهم أو رميهم بعيداً ولكن دون جدوى فضاري صاحب الذكاء العالي والوعي النازل يجد مسدساته ويقوم مرة أخرى بالمشاغبة بها
عانى ذلك الأخير من أبنه ضاري من تقصيره في أداء واجب الصلاة والدراسة بسبب مطالعته المستمرة لأفلام الكاوبوي على الإنترنت أو إذا ما قام التلفاز بعرض إحداها، حيث كان هذا هو شغله الشاغل ليل نهار، لم ينفع فيه نهي ولا زجر ولا ضرب ولا حرمان، فهو يرى أن هذه هي الحرية وهذا هو المستقبل الذي ينتظره، حيث سيكون شرطياً هماماً يستخدم سلاحه لقهر أعدائه والحد من انتشار الجريمة في المدينة، وفي يوم من الأيام استحوذت صورة رجل الكاوبوي على عقل ضاري بشكل كبير وحيث أن البيت كان خالياً في ذلك اليوم لأن أهله غادروه للقيام بزيارة عائلية في إحدى مزارع الكويت الواقعة في الجنوب، قرر ضاري يومها أن يكون هو الممثل والبطل فأخذ مسدسه الذي حشي بعدة طلقات وارتدى قبعته الخاصة براعي البقر المفضل لديه (كلين تيستود) وواجه المرآة الكبيرة الموجودة في أحد المرات في منزلهم وأخذ يحدث نفسه من خلال المرآة قائلاً "سنرى من هو الأقوى يا هذا أنا أم أنت، سنرى من هو الأقوى يا هذا أنا أم أنت، سنرى من هو الأسرع أنا أم أنت، لماذا تنظر إلي هكذا؟ هل تعتقد أني أمزح؟ لا أنا لا أمزح، أنا من سيقتلك يا ضاري وسترى"، ثم ابتسمت ابتسامة تنم عن الاستخفاف واللامبالاة فحدث نفسه متعجباً وبنبرة فيها شيء من الغضب "أتسخر مني هل تظن أنني أمازحك حسناً ما دام الأمر هكذا سأثبت لك بأنني البطل (كلين تيستود) نعم ولكن لن أقتلك هكذا برصاصة عابرة بل سأبارزك مبارزة شريفة فأنت تعلم وكما أعلم أنا أن الأبطال لا يضربون عدوهم من الخلف بل يواجهونه مواجهة الفرسان هل أنت مستعد؟ إنك صامت ولا ترد حسناً سأعتبر هذا جواباً هيا لنلتفت ونسير بعكس الاتجاه لعشرة خطوات ثم نعد إلى الثلاثة وبعدها نلتفت إلى بعضنا ونقوم بإطلاق النار والأسرع هو من سينتصر، الأسرع هو من سيظل على قيد الحياة، الأسرع سيكون هو البطل وبالطبع سيكون أنا ضاري أو (كلين تيستود الكويت) ها ها ها"، وبعد ذلك استدار ضاري ومشى للأمام عشرة خطوات ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، مشى عشرة خطوات بهدوء واتزان وصمت حتى لا تكاد تسمع أنفاسه، مشى وهو يعد بصوت عالاً مع كل خطوة يعد رقماً جديداً من الواحد إلى العشرة وعندما انتهى عند الخطوة العاشرة عد من جديد واحد اثنان ثلاثة ثم استدار باتجاه المرآة وأطلق النار فتحطمت المرآة وسقط ضاري أرضاً يتلوى من الألم حيث أن رصاصة من في المرآة اخترقت صدره وبعد لحظات فارق ضاري الحياة وهو ينظر باتجاه المرآة بفم مفتوح وعين زائغة فلقد كان من في المرآة أسرع منه بثواناً وكان ينظر إليه بتشفيً وابتسامة عريضة وخيل إلى ضاري في آخر لحظة قبل أن يلفظ أنفاسه أنه سمع صوتاً من داخل المرآة يقول "أنا الأسرع، أنا البطل، أنا (كلين تيستود الكويت)
...ي
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا