التلميذ النائم
بقلم: عبدالوهاب محمد العميري
وائل طالب يدرس في الصف الرابع الابتدائي، وهو من الطلبة المتفوقين في المدرسة، يحرص على المشاركة اليومية مع الأساتذة ويجتهد في حل الواجبات المنزلية، ويجتاز الاختبارات الفصلية والنهائية بعلامات كاملة.
وفي فصل وائل المكتظ بالأولاد الصغار يوجد الطالب وديع وهو من جنسية عربية، ووديع هذا بطبعه كثير الصمت قليل الكلام مستواه الدراسي متدني ولا صداقات لديه، يتفاعل الأولاد مع أساتذتهم سلباً وإيجاباً، فكما قلنا منهم من يحب أن يجيب على أسئلة الأستاذ مثل وائل، ومنهم من يحب أن يزعج الأستاذ بتقاعسه الدراسي وتصرفاته المستفزة ومضايقاته الدائمة لبعض زملاءه، أما وديع فلم يكن من الفريق الأول ولا من الفريق الثاني، كان ولداً هادئاً ينظر بعينيه فقط لما حوله لا يستاء من مضايقات أحد له، حيث أن لا أحد يعبأ به أصلاً إلا وائل الذي انتبه لوجوده في زاوية الصف حيث كان يجلس في الكرسي والطاولة اللذان يقعان في نهاية الفصل من الجهة اليمنى، لاحظ وجوده وشروده ورثى لحاله، حاول أن يتقارب إليه بأن يحدثه تارة ويمازحه تارة أخرى، إلا أن وديع لم يكن يتفاعل مع محاولات وائل البريئة والصادقة للتقرب منه، كان الأولاد يخرجون بطبيعة الحال من الفصل في وقت الفرصة أو ما يسمى ب "الفسحة المدرسية" ما عدا وديع الذي كان يفضل وفي كل يوم البقاء في مكانه والنظر إلى نقطة وحيدة في الجدار لا يراها إلا هو ولا يبتسم لمحتواها المجهول سواه، واستمر الحال على ما هو عليه وفي يوم من الأيام انتبه وائل الطالب المجتهد النشيط بطبعه إلى أنه قد نسي أحد الدفاتر المهمة في درج الطاولة الخاص به في الفصل، وكان ذلك في نهاية اليوم الدراسي فعاد إلى فصله وبحث عن الدفتر ووجده حيث وضعه وقبل أن يخرج من الفصل التفت التفاته عابرة باتجاه المقعد الذي يجلس فيه وديع عادةً ففوجئ بما رأى حيث أنه رأى وديع نائماً في مكانه واضعاً رأسه على الطاولة، استغرب من ذلك وتقدم ناحية وديع وقام بهزه عدة هزات خفيفة فاستيقظ وديع من نومه ورفع رأسه ناظراً إلى وائل دون أن يتكلم وعبر له من خلال عينيه أن ماذا تريد؟ دعني أكمل نومي، فقال له وائل مستغرباً، لماذا أنت نائم هنا هيا قم لقد انتهى الدوام الدراسي، فظل وديع صامتاً وهو يرمق وائل بتلك النظرة المستنكرة لتصرفه الخارج عن اللباقة والذي يراه هو أن أزعجه بأن قطع حبل نومه وتدفق أحلامه.
فأحس وائل بشيء من الخجل وتراجع خطوات إلى الوراء ثم قرر بينه وبين نفسه ألا فائدة من هذا الولد الغبي الذي حاول مرات ومرات أن يصبح صديقه وأن يؤنس وحدته وها هو الآن ينام بكل بلاهة في الفصل وحيداً على الرغم من أن اليوم الدراسي قد انتهى واستمر وائل يحدث نفسه وهو خارج من الفصل سائراً في الممر باتجاه بوابة المدرسة "لن أحدثه مرة أخرى لن أحاول أن أكون صديقه بعد اليوم أنا مستاء منه".
وهكذا انتهى هذا اليوم الغريب من أيام وائل الدراسية ومرت حياته في البيت روتينية عادية مثل كل يوم وفي اليوم التالي وكما هي العادة ذهب وائل إلى المدرسة ودخل فصله ووجد وديع يجلس كالعادة في زاوية الفصل ينظر إليه بابتسامة خفيفة فقال وائل في نفسه "تباً له يبتسم لي كأنه لم يفعل شيئاً ولم يتجاهلني يوم أمس والعجيب أنه قد حضر مبكراً قبلنا جميعاً طبعاً فقد نام اليوم كله في المدرسة"، واستمر في هذا الحوار الداخلي وهو يقول ساخراً "يبدو أنه نام في المدرسة حتى الصباح حتى أنه لم يأكل شيئاً ولم يغير ملابسه، نعم نعم هذا أكيد" وقطع سيلان أفكار وائل دخول الأستاذ إلى الفصل وأمره لهم بأن يخرجوا كتاب اللغة العربية ليبدئوا الدرس، وبالطبع فعل الجميع ذلك ما عدا وديع الذي كان وعلى ما يبدو أنه سيدخل في نوبة نوم جديدة.backslash
ومرت الأيام سريعة وتوالت الحصص والواجبات والاختبارات إلى أن حان موعد انتهاء السنة الدراسية ويأتي معها موعد الاحتفال بالطلبة المتفوقين في عيد العلم، وكالعادة مدرسة وائل من المدارس التي تعنى بمثل هذه المناسبات وتم التجهيز لهذا الاحتفال والعرس العلمي الكبير، وكان وائل على رأس قائمة الطلبة المتفوقين المستحقين للتكريم وشهادة التقدير من مدير المدرسة، وفي يوم الاحتفال اصطف جميع الطلبة في ساحة المدرسة مع أصوات التصفيق والألحان الموسيقية الجميلة الحماسية التي كانت فرقة المدرسة تعزفها بقيادة أستاذ الموسيقى وبعد انتهاء مراسيم بدأ الحفل تقدم مدير المدرسة باتجاه الميكروفون الذي يتوسط منصة الاحتفال الموجودة في الساحة وقال بعد أن سمى الله تعالى وحمده وأثنى عليه "إن هذا ليوم عظيم نسعد فيه بتكريم الطلبة المتفوقين ونتشرف بتقديم كل الشكر والثناء الجزيل للمعلمين الذين أفنوا الأوقات واجتهدوا ببذل كل الوسائل وسعوا بكل السبل لبناء أجيال نفخر فيها ونأمل منها أن تكون عقولاً نيرة وسواعد قوية لبناء هذا الوطن الغالي، وقبل أن أنادي على أسماء الطلبة المتفوقين أود تقديم العزاء لإدارة المدرسة ولكم أنتم أبنائي الطلبة ولزوي فقيدنا الطفل الغالي وديع حيان والذي كان من أنبغ طلبتنا وأذكاهم ولم يكن يدخل في اختبار أو يشارك في نشاط إلا وتفوق فيه حيث أن وديع قد غادرنا إلى مثواه الأخير في بداية هذا العام الدراسي بسبب حادث سير أليم أودى بحياته أسأل الله أن يكون طيراً من طيور الجنة وشفيعاً لوالديه وأن يصبرهما على فقده وأن تتخذوا أيها الطلبة زميلكم الراحل وديعاً قدوة لكم في طريق النجاح والأدب والتميز".
مرت دقيقة صمت على كل الموجودين في ساحة المدرسة من طلبة وهيئة تدريس ما عدا وائل الذي نزلت عليه عبارات مدير المدرسة كالصاعقة وأخذ يرجف في مكانه ويتصبب عرقاً بارداً وهو يقول في نفسه ماذا يعني هذا أكان الطالب الذي كنت أراه كل يوم في الفصل وأحدثه وأره لا يخرج من الفصل فترة الفسحة ورأيته في ذلك اليوم نائماً لوحده بعد انتهاء اليوم الدراسي ميتاً وديعاً ميت وهذه روحه التي كانت تنظر إلي وتبتسم لي ألا يراه أحداً غيري، نعم هذا هو السبب الذي لم يكن أحد يعبأ له عداي ولكن لماذا أنا لماذا؟ ثم سقط مغشياً عليه وتراكد الجميع إليه لإسعافه.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا