عفاريت المقابر

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-08-07

عفاريت المقابر 

جرت العادة في بعض البلدان العربية بزيارة سنوية إلى المقابر التي تبعد عن البلدة بعشرات الكيلو مترات قابعة قرب الجبل، وكانت المقابر متصافة بجانب بعضها البعض كأنها قرية مهجورة، وهذه العادة هي لمسة وفاء لأحبائنا الذين رحلوا.. ومن حكايات عفاريت المقابر هذه القصص.

عفريت المؤاساة..

في إحدى الزيارات للمقابر تذكر الرجل أشقاءه الذين خطفهم الموت مبكراً فجلس بجوار قبرهم وأجهش بالبكاء، وبالمصادفة كان يمر من أمام المقبرة جاره في المقابر فسمع صوت البكاء واتجه نحو الرجل وأخذ يربت على كتفه قائلاً.. يكفي بكاء ونحيب لن يفيد بشيء مثلما قال عفريت المؤاساة..

عفريت المؤاساة! كانت عبارة مخيفة لها رنين وقبل أن يسأله أحد قال: أنتم تعلمون أنه كان لي ابنا فقدته وهو في ريعان شبابه وظللت سنين عديدة آتي هنا وأبكي عليه وفي إحدى المرات توفى أحد الأقارب وذهبت مع العائلة لدفنه، وكما كنت أفعل في كل مرة تركت الجميع يبدأون الدفن وذهبت بعيداً قاصداً مقبرة ابني رغم عتمة الليل الموحشة ورائحة الموت ورهبة المكان.. ولما وصلت للمقبرة ألقيت جسدي على قبر ابني وأخذت أنوح وأبكي..

فسمعت صوتاً من الخلف يقول: لك سنين عديدة وأنت تأتي إلى هنا وتنوح على ابنك يكفي بكاء لن يفيد بشيء..

واقترب مني هذا الشخص وأنا ما زلت غارقاً في دموعي وقال: هيا ضع يدك علي لأساعدك على النهوض..

فخيل لي أنه أحد المشيعين.. ولما وضعت يدي عليه اخترق ذراعي جسده وكأني اتكأت على هواء فانتصبت مذعوراً وإذا بي أمام عفريت وجه لوجه عينيه تتوقدان كأنهم جمر يلتهب وفمه يتسع كبئر عميق..

خيم الصمت لثواني طويلة مرت علينا كأنها سنوات.. وكل منا يحدق في وجه الآخر.. ورحت أسأل نفسي.. هل أركض أنا.. أم سوف يتلاشى هو؟

وبدون أن أشعر أغمضت عيني وصرخت صرخة كاد أن يفزع منها الأموات وأطلقت ساقي للريح هارباً مذعوراً، فخرجت ضحكة مخيفة من العفريت تلاشى صداها في سكون الليل بين الأموات.. وصرت أركض في المقابر والرعب يدب في قلبي ويزداد الخوف أكثر وأكثر ومع كل صوت آت من بعيد تخيل لي أن العفريت يركض خلفي.. وعدت من حيث أتيت لكني لم أجد أحداً من المشيعين.. لقد رحلوا وتركوني..

امتلئ قلبي بالذعر بعد أن وجدت نفسي وحيداً وشعرت بأن روحي تبتعد عن جسدي وأخذت أحملق كثيراً في الأفق لتعود الطمأنينة إلى قلبي بعد أن رأيت أحد الأشخاص يشق الظلام بنور الشعلة.. لقد شعروا بعدم وجودي ورجعوا يبحثوا عني.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا