َليليث: أسطورة الأنثى المتمردة
من أساطير الجن العربية (ليليث) وهي شيطانة العواصف من بلاد الرافدين التي ترافق الرياح فتجلب معها المرض والموت، برزت شخصية ليليث للمرة الأولى حوالي 300 قبل الميلاد كشيطان أو روح مرتبطة بالرياح والعواصف فعرفت باسم "ليليتو" في سومر ويرجح العديد من الباحثين أن التركيب اللفظي لاسم ليليث يرجع إلى العام 700 قبل الميلاد فتظهر في المعارف اليهودية باعتبارها شيطان الليل أو كبومة نائحة في طبعة الكتاب المقدس الملك جيمس
ينطق اسمها في اللغة العبرية بلفظ "ليليث"، وفي الأكادية القديمة بلفظ "ليليتو"، وهما صفتا نسبة مؤنثتان من الكلمة ذات الأصل السامي "ليل" والتي تعني الليل، وتترجم حرفياً إلى: "كيان ليلي أنثوي"، على الرغم من إشارة النص المسماري إلى ليليت وليليتو باعتبارهما أرواح ريح حاملة للمرض. وقد تشير الكلمة الأكدية لي - ليتو (سيدة الهواء) إلى الربة السومرية نينليل (سيدة الهواء), ربة الرياح الجنوبية وزوجة "إنليل"
نشأة الأسطورة
ظهر اسم ليليث في رقم طيني (قرص) سومري من مدينة (أور) يعود إلى 2000 سنة قبل الميلاد ويحكى عن أن إله السماء أمر بإنبات شجرة الصفصاف على ضفاف نهر دجلة في مدينة أورك وبعد أن كبرت الشجرة اتخذ تبين من جذورها بيتاً له بينما اتخذ طائر مخيف من أغصانها عشاً له لكن في جذع الشجرة نفسها كانت تعيش المرأة الشيطانة ليليث، وعندما سمع (جلجامش) ملك أورك تلك الشجرة حمل درعه وسيقه وقتل التنين واقتلع الشجرة من جذورها فهربت ليليث إلى البرية - ويبدو أن شجرة الصفصاف بالنسبة لليليث كالتابوت لمصاصي الدماء
تنتمي أسطورة "ليليث" إلى أصول تاريخية قديمة جداً ، فهي تتصل ببابل القديمة، حيث كان الساميون القدماء يتبنون مجموعة من المعتقدات الخاصة بأجداًدهم السومريين، كما ترتبط بأكبر أساطير الخلق. هناك روابط متينة تلصقها بالثعبان الذي يدعى tiamat Tiamat، إنها بقايا ذكريات طقس قديم جداً كرم أكبر إلهة سميت كذلك ب "الثعبان الأكبر" و"التنين"، أو القوة الكونية للخلود الأنثوي، والتي عبدت من خلال هذه الأسماء: عشتروت، أو عشتار، ميليتا، إنيني أو إينانا. وقد كشفت نقوش في الآثار البابلية (مكتبة آشور بانيبال) عن أصول ليليث، البغى المقدسة لإنانا، والآلهة الأم الكبرى، التي أرسلت من قبل هذه الأخيرة كي تغوي الرجال في الطريق، وتقودهم وتقودهم إلى معبد الإلهة، حيث كانت تقام هناك الاحتفالات للخصوبة، كان الاضطراب واقعاً بين "ليليث" المسماة "يد إنانا"، والإلهة التي تمثلها، والتي كانت هي نفسها توسم أحياناً بهذا القلب "البغي المقدسة"
لاسم "ليليث" جذر لغوي في الفصيلة السامية والهندو أوروبية. فالاسم السومري "ليل" الذي نجده ممثلاً في اسم إله الهواء "أنليل" يدل على: "الريح" و"الهواء" و"العاصفة" إنه الريح الحارة (بحسب المعتقد الشعبي) الذي يعطي الحرارة للنساء أثناء الولادة، ويقتلهن مع أطفالهن. عدت "ليليث" في البداية باعتبارها من أكبر القوى المعادية للطبيعة تتصدر مجموعة مكونة من ثلاثة آلهة: أحدهم ذكر والاثنتان أنثيان: "ليلو" و"ليليتو" و"أردات"
ليليث هي شخصية معروفة في كتب اليهود (الزوهر، بن سيرا) حيث تقول الأسطورة أنها كانت الزوجة الأولى لأدم عليه السلام قبل حواء وتختلف الروايات بالحديث عن ليليث ولكن أشهر الروايات تقول أن ليليث هي المرأة الأساسية التي خلقها الله مع آدم من الأرض ولكنها لم ترضى بسيطرة آدم عليها فهربت منه وأصبحت معشوقة الشيطان وكانت تلد له في اليوم 100 طفل. فاشتكى آدم الله لما فعلته ليليث فأرسل إليها ثلاث ملائكة لإرجاعها ولكنها رفضت الرجوع فتوعدوها بقتل 100 طفل من أطفالها كل يوم ومنذ ذلك اليوم تعهدت ليليث أن تقتل أبناء البشر، (هذا كلام الأسطورة)
كما تصور ليليث أيضاً على أنها الحية التي أغوت آدم وحواء للأكل من الشجرة المحرمة. كانت أيضاً توصف بأنها جميلة جداً وتمتلك صفات مغرية حيث يقال أنها كانت تتجسد ليلاً أمام الرجال لكي تغريهم ثم تقتلهم وكانت ليليث تلقب ب (قاتلة الأطفال) لها أجنحة ومخالب وتأتي ليلاً لقتلهم
غالباً ما يعاد طباعة كتاب شائع حول تقاليد الكابالا ومنها تعويذات وصيغ سحرية كتعويذة للحماية من ليليث المأخوذة من سفر رازيل. ومن قصتين من قصص خلق الرجل والمرأة من قبل يهوه (يهوه: اسم الرب عند العبرانيين) في الإصحاح 1 و2 من سفر التكوين حيث ستولد أسطورة ليليث في العصور الحديثة: المرأة الأولى المخلوقة، التي تنطق بال "اسم غير المعبر عنه" والتي يزودها بأجنحة تمكنها من الهروب من جنة عدن لتفارق آدم إلا أنها لم تتوقع أن يقتفي أثرها ثلاثة من الملائكة هم (سينوئي) و(سنسنوئي) و(سامينجيلوف) فيجدونها عند البحر الأحمر ويطلبون منها العودة، لكنها تأبى ذلك وترتبط بالشيطان وتلد منه فيتوعدها الملائكة بقتل أولادها، فتحقد على حواء وذريتها وتقتل أبناء حواء من البشر وهذا يرجع إلى غيرتها منها خاصة أن حواء خلقت من طين لكي تكون بديلاً عنها مع آدم
مأوى ليليث
مع أن ليليث لم تذكر بالاسم في الكتاب المقدس فإن هناك إشارة إلى ما قد يكون مأواها حيث نجد في العهد القديم - كتاب الرسل - إشيعا - الإصحاح 23 في نهاية أدوم التي تتحول بفعل غضب يهوه (الرب) إلى كتلة نارية من القار (الزفت) والكبريت. وقبل أن تصبح مكاناً قفراً لا يستطيع أحد إجتيازه إلا البجع والقنفذ وطائر البوم والغراب، وكلها ستتخذ من هذا الخواء مأوى لها كي تجد الهدوء برفقة القطط المتوحشة، والضباع والساتير (ذكر الماعز ذو اللحية). والأفاعي السامة والنسور
تعويذة للحماية من ليلي
وصفت ليليث كوحش مخيف حيث كانت الأمهات تضع تمائم لأطفالهن الصغار عليها أسماء الملائكة الثلاثة المذكورين في الأسطورة لاعتقادهن أن ليليث تخاف من هذه الأسماء وتهرب منها وهما (سينوئي) و(سنسوئي) و(سامينجيلوف) فكانت تلك الأسماء جزء من تعويذة أو حجاب لحماية النساء في مرحلة الولادة والأطفال حديثي الولادة من الأرواح الشريرة، وفي هذه الحالة تحميهم من روح ليليث
- يقول الحبر (جوس) مستشهداً من قوانين صاموئيل: "إذا حدث إجهاض مشابه لما حدث لليليث تكون الأم غير طاهرة بسبب الولادة حيث أنه يكون طفل ولكن له أجنحة". وأيضاً من المعتقد أن الحبر (جوس) ذكر أن ما حدث في سيموني أن امرأة أجهضت كما حدث لليليث وعندما عرضت القضية على القضاة حكموا بأنه بالفعل طفل ولكن له أجنحة
- واقع أم خيال؟
مما لا شك فيه بأن أسطورة لبليث على صلة وثيقة في قضية الخلق، فهي أفكار ومعتقدات تنعكس على حياة الشعوب رغم أنها من أشكال الوهم التي تنتاقض مع إدراكنا الحسي لها، إنها التعبير الجماعي لتلك الحضارات المتعاقبة سواء كانت دينية أو فلسفية، فهي دراسة تاريخية وأدبية ووعاء فكري مرتبط بظاهرة لا يمكن تجاهلها حيث عبر عنها الفرد والمجتمع بأسلوب اعتمد على محاكاة اللاوعي وتكوين رؤية لكائنات غير موجودة في الواقع المستقل عن حدود ذهنه. حيث أنها لعبت دور الوسيط لهذا العقل بين الأحداث الطبيعية والمعتقدات الدينية. كما أن هذه الكائنات الفوق طبيعية بالنسبة لأفكار الفرد تعتبر المكون لأصل الأشياء الخارقة دون النظر في ماهيتها أو وجودها وعدمه
.!..ث.:......:..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا