9. اللعبة المسكونة
هذه قصة قديمة جدا، ومع ذلك - ما زلت أذكرها بوضوح كالأمس.
كان عمري خمس سنوات وقتها، وعلى وشك دخول عامي السادس، تحديدًا يوم عيد ميلادي.
كنت متحمسًا جدا لعيد ميلادي، كعك، وهدايا، وأصدقائي وأقربائي جميعهم حاضرين، يوم جميل بلا شك.
كانت فقرتي المفضلة هي فتح الهدايا، ألعاب سيارات ودمى، ولكن من بينها كان شيء أحبه؛ شيء طلبته تحديدا، كانت تلك هديتي من زوجة عمي، لقد أحضرت لي مكعبات كبيرة على شكل روبوت.
لقد فرحت كثيرًا وكنتُ متحمسًا جدًا؛ لأنه كان بالضبط ما أردته، وحين انتهت الحفلة، أخذتها ووضعتها أمام سريري بالضبط تحت الشباك.
ولحقت بي والدتي وهي تحمل باقي الهدايا من ملابس وألعاب ووضعتها في المكان نفس - أيضًا - الذي وضعت فيه مكعباتي، وطلبت مني أن أخلد للنوم لأن الوقت صار متأخرا.
حاولت أن أقنعها باللعب قليلا بألعابي ولكنها رفضت، وقالت إني سألعب غدًا حين استيقظ.
ونمت...
أتذكر أنني استيقظت عدة مرات في تلك الليلة؛ لأنني كنتُ متحمسًا جدا للعب بألعابي في الصباح، وفي إحدى المرات التي استيقظت فيها، أتذكر أنني نظرت إلى مجموعة الألعاب ورأيت عندها ظلين، صبي وفتاة، ويبدو أنهما يتحدثان مع بعضهما البعض.
كنت طفلا، ولم أرغب في الشعور بالخوف؛ لذا قمت بتبرير ذلك بأنها ظلال الأشجار القادمة من النافذة التي وضعت الألعاب تحتها، هذا ما كانت أمي ستقوله أيضًا.
وتمكنت من العودة إلى النوم في تلك الليلة ولم أفكر كثيرًا في الأمر في اليوم التالي.
استيقظتُ في الصباح الباكر وأنا أشع حماسًا، كان أولاد عمومتي في المنزل - أيضًا - ولعبنا منذ الصباح حتى إننا تجاهلنا وجبة الإفطار، كنا سعيدين جدا وقد أنهكنا اللعب حتى المساء، ولم أفكر فيما حصل الليلة الماضية ونسيته تماما، حتى وضعتني والدتي في سريري مجددًا.
كان وقت نومي المعتاد الساعة 9:00 مساءً وكانت والدتي صارمة جدا في هذا الأمر؛ لذا استحممت وارتديت بيجامتي ونمت في السرير بحلول ذلك الوقت.
كنت مستلقيًا في السرير في الظلام، لا صوت يُسمع سوى دقات الساعة، لم يجافيني النوم بعد، بدأ الوقت وكأنه يمر ببطء، كم من الوقت يلزمني حتى أنام؟
ولكنني - فجأة - شعرت بقوة أن هناك شيئًا يراقبني.
نظرتُ إلى النافذة حيث كان في أسفلها مجموعة الألعاب، وهناك...
رأيتُ الظلال مرة أخرى هذه المرة أوليتُ الأمر المزيد من الاهتمام بينما كنتُ متجمدًا من الخوف في سريري، كان من الواضح أنهم أطفال، بدا أن أطفال الظل يتحدثون لكنني - ما زلت لا أستطيع سماعهم، وبدا الأمر كما لو كانوا ينظرون إلى بعضهم البعض.
صرختُ لأمي فركضت إلى غرفتي وأضاءت الضوء، بالطبع اختفت الظلال.
كنتُ منهارًا وحين رأت أمي حالتي غير المبررة سمحت لي أمي بالنوم في سريرها تلك الليلة، وهو ما لم تسمح لي به قط، فقد ظنت أنني أعاني من كابوس.
في ذلك الوقت كان المنزل يخضع لترميم كامل، كانت عائلتي تهدم حائطا وتبني الآخر، لقد خضع المنزل - أيضًا - لعملية إعادة تصميم كاملة؛ ولذلك كنتُ في معظم الوقت أنام عند جدتي، وقد ناسبني هذا كثيرًا، كنتُ أكره قضاء أي وقت في المنزل وأحاول الذهاب إلى منزل جدتي كلما أمكن ذلك، حتى لا أنام بالقرب من الظلال.
حين أجبر على النوم في غرفتي كنتُ أخبرها بما أراه، توسلت إليها أن تترك ضوء المدخل مضاءً كل ليلة ليضيء الغرفة، على أمل أن يخيف الضوء الظلال، وفعلا كانت أمي تترك الإضاءة لكن الضوء لم يفعل شيئًا قط، وكنتُ أصرخ عليها كل ليلة.
استمر هذا لفترة من الوقت ولكن في أحد الليالي تغير شيء ما.
عندما كنت مستلقياً على السرير شعرتُ بشيءٍ مختلف، لم أكن متأكدا مما إذا قد أصبحت أكثر شجاعة بمرور الأيام أم ماذا، ولكني قررت أنني لا أريد إيقاظ أمي هذه الليلة، بل سأذهب باتجاههم.
بمجرد ما نزلتُ من السرير وخطوت أول خطوة نحوهم، كانوا ينظرون إليَّ وقد أوقفوا همساتهم، ثم صارت الدنيا سوداء.
وكأنه قد أغمي علي.
حين فتحت عيني وجدت نفسي في غرفة المعيشة صباحًا أشاهد التلفاز كالمنوم مغناطيسيا.
متى؟ كيف؟ ماذا حصل؟ أهو حلم؟
صرتُ ألتفت يمينا ويسارًا حولي! كان هناك أعمال بناء في كلِّ مكان حولي، وأغطية بلاستيكية على الأرائك حتى لا يلتصق بها أتي من الحوائط الجافة أو الطلاء الجديد.
أتذكر أنني كنت جالسا على الأرض وكنتُ أشاهد التلفاز.
ثم شرعت بالبكاء، كنتُ خائفًا فلا تفسير لي كيف انتقلت من غرفتي ليلا إلى هنا في اليوم التالي صباحًا، كنت مشتتا جدا، والدتي جاءت لعناقي وهدأت من روعي وصنعت لي بعض الطعام.
في المساء، جاءت صديقة أمي، كانت امرأة كبيرة في السن، تبدو حتى أكبر من أمي، أذكرها لقد جاءت عدة مرات من قبل، اسمها مدام رحمة.
دخلت وعانقت أمي، كانت أمي حزينة، تركتها والدتي في غرفة المعيشة وأغلقت عليها الباب، وقالت لي أن أبتعد عن الغرفة حتى لا أزعج مدام رحمة، يبدو أنها هي من طلبت من أمي أن تبقى وحدها.
بعد فترة لا أذكر كم كانت، ذهبت لها أمي وهي تحمل عصير البرتقال، جريت خلفها ولكن والدتي نهرتي لأذهب بعيدًا، ولكنني بطبيعة الحال طفل فضولي، فكل ما فعلته هو أنني وقفتُ خلف الباب من الخارج لأستمع.
سمعت مدام رحمة تقول لأمي إنها قد أنهت الجلسة، وأن البيت يسكنه الجن، وأن هناك صبي وفتاة من صغار الجن في المنزل ولا تجوز أذيتهما وهما ليسا المشكلة، المشكلة أن شيئًا ما دخل البيت وأحضر معه كيان مظلم وشرير في المنزل وهو يريد أن يتلبس ابنك، وهذا الشيء هو سبب خروج صغار الجن ليحموا ابنك كل ليلة طوال وقت نومه.
ثم سمعتُ والدتي تشهق ثم تبكي.
شرعت مدام رحمة وأمي في سكب بعض الرماد الغريب الأسود في المنزل، الزوايا، خلف الأبواب، وتحت السجاد، رشوا كل مكان.
حتى وصلت مدام رحمة لغرفتي، كانت أمي ترشدها ولكنها كانت تعلم إلى أين تتجه وكأنها تحفظ الطريق.
دخلت غرفتي وكنتُ أنا وراءهما، لقد أدركا أنني معهما لكن كانا مشغولتين بما فيه الكفاية فلم يطرداني هذه المرة.
ظلت مدام رحمة تتفحص الغرفة بعينها من الأعلى وحتى الأسفل ويمينا ويسارًا حتى وقعت عيناها على الروبوت المصنوع من المكعبات، فقالت بهدوء وهي تشير عليه:
- ارمي هذا.
كنت خائفًا جدًا لأقول لا هذه لعبتي المفضلة، أخذته أمي فورًا وهمت تخرج من الغرفة ولكنها حين رأيت الحزن في عيناي توقفت وقالت لي بأنها تعدني بأن تحضر لي واحدًا أفضل، فأومأتُ برأسي بالموافقة ثم أخذته للخارج بسرعة وتخلصت منه.
لاحقا أقمتُ في منزل جدتي شهرين كاملين بطلب من صديقة والدتي مدام رحمة.
وعدتُ لأنام ليلتي الأولى بعد أن اكتشفت أني خسرت معظم ألعابي من المجسمات وليس الروبوت فقط.
ودعوني أقل لكم هذا...
لكن كانت أفضل ليلة هادئة حظيت بها يوما.
لقد نمت بعمق كما كنت سابقا قبل تلك اللعبة، عندها أدركت بالرغم من صغر سني أن كلام تلك المرأة كان صحيحًا.
مرت الأيام، والسنون، حتى صار عمري عشرين عاما، أدرس في الكلية الآن وأنجبت والدتي بعدي فتاة وصبيًا صغيرًا، أما مدام رحمة فقد توفيت - رحمها الله-.
في أحد الليالي الهادئة كنتُ أتناول طعام العشاء مع والدتي، نظرتُ إلى روبوت صغير يملكه أخي ذو الأربع سنوات
ابتسمت، ثم ذكرتُ والدتي بما حصل لي وأنا في السادسة، فانزعجت وطلبت مني تغيير الموضوع.
ولكنني لم أتوقف قلت لها:
- إنني حقا أستغرب من والدتي التي رأيتها في تلك الأيام كان عمري 6 سنوات، امرأة غير مبالية تكذبني دوما وتجبرني على النوم في ذلك المكان المفزع.
كانت والدتي تأكل في صمت ولم تجب، فتابعت كلامي مازحًا لاستفزازها:
- قبل أن تأتي مدام رحمة وتنقذ الموقف، رحمك الله مدام رحمة -.
ولكن رد والدتي الزمني الصمت:
- لقد كنت تفقد وعيك بالأيام، لم تكن معنا في الدنيا، كنا نسعفك كالمجانين ويحتار بك الأطباء، ثم تستيقظ من تلقاء نفسك وتقول إنك ترى الظلال.
كانت صدمتي بما سمعت كبيرة ولكنها تابعت:
- حين كنت تبكي أمام التلفاز ذاك اليوم، كنت قد استيقظت بعد غيبوبة دامت أسبوعا كاملا، لم أصدق أنك استفقت، في أحد الأيام كنا نتناول العشاء وفقدت الوعي ورأسك في طبق الحساء، وكأننا في فيلم رعب، بعد العديد من الغيبوبات فاض بي الكيل واتصلت بمدام رحمة، كان لديها خبرة طويلة في هذا المجال، كنت أصدقك وأعلم أن خطبًا بالمنزل، أنت لا تعلم ما الذي حصل بعد أن حرقنا ذاك الروبوت اللعين في الفناء، لقد كنا نسمع منه صرخات، لقد رأيت ما يكفي ولا أريد تذكر الموضوع؛ لذلك لا تأتي على ذكره ثانية لو سمحت.
كنتُ مصدوما جدًا بما سمعت؛ فالتزمت الصمت ولم أتكلم عن الموضوع يوما، إلا لكم.
سألت شيخًا عن الموضوع، فأخبرني عن أن الجن تسكن المجسمات والتماثيل، وأن ما حصل لي كان نتيجة شيطان سكن تلك اللعبة.
إن صرت أبا في يوم من الأيام، فأنا لن أسمح لأطفالي باللعب بهذه الأشياء أبدًا.
تمت
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا