8. نذير الوفاة
عندما يخفي علينا الله الأقدار، فهو من صالحنا وليس العكس.
الإنسان أضعف من أن يتحمل الفاجعة قبل وقوعها، حتى وأن رغب فضوله معرفة ما سيجري، فإن الله يختار - دوما - لنا الأفضل.
السؤال هنا هل تعرضت في حياتك لظواهر خارقة تجعلك عاجزا عن التفكير؟ لدرجة أنك تعلم أن هناك شيئًا خاطئ يدور في حياتك ولكن لا تفسير له؟
حسنًا، أنا هكذا، هذا ما حصل معي بالضبط، اسمي أحمد، مرحبا...
منذ طفولتي لدي حس بمن سيموت من أفراد أسرتنا، هل تصدقون ذلك؟
أعلم فقط أنه سيحدث في الأيام القادمة، كيف أعرف؟
عن طريق حلم، حلم فقط، كلّ مرة أراه، يموت أحد خلال أسبوع تقريبا.
حلمت بالحلم عدة مرات قبل أن أربط بينه والوفيات، كان الحلم قصيرا.
غابة مظلمة سوداء مليئة بالضباب، أعتقد أنه كان الفجر؛ لأنني بالكاد أرى النور في الساعات الأولى جدا من الصباح، ثم يلفت انتباهي شجرة كبيرة، شجرة معينة.
ثم يأتي رجل بلا ملامح ويلصق عليها ورقة فيها اسم، في الحلم لا أستطيع قراءة الاسم ولا تمييز الكتابة ولا اللغة، لكنني مع التجارب والوقت عرفت أنه اسم الميت.
وينتهي الحلم.
كنتُ أستيقظ وأنا مرعوب وأبكي ومشوش تماما، المرة الأولى التي أتذكر فيها هذا الحلم كانت عندما كنتُ في السابعة من عمري، على الرغم من أنه كان مألوفًا بالنسبة لي في ذلك الوقت لذلك أنا متأكد من أنني كنتُ أصغر سناً عندما بدأ لأول مرة، حاولت تجاهل الأمر في البداية، وحاولت أن أنسى هذا الحلم.
لقد حلمت بالحلم عدة مرات بعد ذلك عندما كان عمري 9 سنوات، أمضيت 3 ليال متتالية أرى هذا الحلم، ثم توفيت عمتي وكانت تلك الليلة خالية من الأحلام ما عدا ذاك الحلم، أدركتُ ما يعنيه ذلك، وحاولت التحدث مع والدي حول هذا الموضوع، لقد أرجعوا الأمر إلى الحزن والخيال المفرط.
حاولت التحدث مع مستشار المدرسة حول هذا الموضوع، وهو بدوره تحدث مع والدي، وانتشر الأمر بين أقاربي، للأسف سمعت أشياء مثل (يبحث عن الاهتمام ولفت النظر) و (يتصرف بطريقة غير لائقة).
عندما ذهبت للمسجد مع والدي تحدثت إلى شيخ وإمام المسجد، والذي بدا متشككا للغاية وطلب مني أن أؤمن بالله وأصلي أكثر.
بعد ذلك تعلمتُ الدرس، وهو بأنه لن يصدقني أحد، وتوقفتُ عن الحديث عنه.
تكرر الحلم عندما كنت في العاشرة من عمري، وخمنت - بشكل صحيح - أن من كان اسمه مكتوبًا على الورقة هو جدي، الذي كان مريضا لبعض الوقت بسرطان المخ المميت.
نزلت بسرعة لغرفة المعيشة وقلتُ لوالدي بأنني أرغب برؤيته فورًا، ومع قوة تصميمي وافق.
جدي يعيش في مدينة تبعد عننا ثلاث ساعات، ذهبنا له وألقينا عليه السلام وقضينا بعض الوقت معه، وتوفي في ذلك المساء.
لم تكن أسرتي مصدومة من وفاته بقدر صدمتها مني ومن إحساسي.
حاولت البحث عن تفسير الحلم، ولكن على عكس الأفلام، لم يكن في مكتبة مدرستنا ولا في مكتبتنا العامة كتب كثيرة عن التنبؤات، أو أي شيء خارق للطبيعة، ولم يكن الإنترنت مفيدًا أيضًا.
لقد حلمت بالحلم مرة أخرى عندما كان عمري 15 عاما (جدتي), ثم مرة أخرى عندما كان عمري 16 عامًا.
هذه المرة بدأت الحلم كالمعتاد وبحلول الأسبوع التالي استيقظتُ كالمجنون وأخفت أسرتي؛ لأنني ظللت أحثهم على توخي الحذر، وأخبرتهم أنني أحبهم حوالي 100 مرة في اليوم.
هذه المرة...
سيموت كثيرون.
لقد ظلوا يسألونني عما حدث، لكن بعد أسبوع بدأت ثورة الربيع العربي في بلادي، مات الكثير وكانت أزمة لنا جميعًا.
كنت مرعوبًا باقتراب عيد ميلادي ال 17 عندما بدأ الحلم يأتي مرة أخرى.
لقد أصبتُ - أيضًا - بالأنفلونزا، وكنتُ أعاني من الحمى؛ لذلك لست متأكدا مما إذا كان ذلك قد أثر عليَّ وجعلني متوهما بعض الشيء، لكنني أمضيتُ حوالي أسبوع أشعر وكأنني لم أكن متأكدا مما إذا كنت أحلم أم لا.
بكل الأحوال كنتُ مستيقظًا، قبل ليلتين من عيد ميلادي، وصلت الحمى إلى ذروتها، وذهبت إلى الفراش مبكرا، كانت الأحلام مكثفة، تتناوب بين حلمي المتكرر وأحلام أخرى مخيفة بالأبيض والأسود لم أتمكن من تذكرها قط.
ما أتذكره هو المشي أثناء النوم، لقد كنتُ - دائمًا - أتحدث أثناء النوم ولكن هذه هي المرة الوحيدة التي أمشي فيها أثناء النوم، ولدي أحلام واضحة في كثير من الأحيان، حيث أستطيع تغيير الحلم الذي أعيش فيه، وتذكره والتحكم به، ولكن هذا كان مختلفا تماما، لم أكن أسيطر على نفسي، كنتُ أعلم أنني كنتُ أحلم، لكنني كنتُ محاصرًا داخل نفسي، متفرجًا، أشاهد بلا حول ولا قوة وأنا أتجول.
كان بيتي مختلفًا - أيضًا - فقد اختفت الستائر من النوافذ، وبدلاً من مصابيح الشوارع والمروج، كان الظلام يسود المكان، كان وميض ضوء يشبه البرق ينير الظلام لجزء من الثانية، لكن لم يكن هناك أرض، ولا شيء يمكن إضاءته، كان الجزء الداخلي من المنزل فارغًا ولم يتبق منه سوى الأسرة.
لا أثاث، ولا ملابس، ولا ألعاب، ولا مناشف، ولا أي شيء آخر تراه عادةً في المنزل، وكان كل شيء أسود وأبيض، باستثناء عائلتي، كنتُ أتجول في المنزل، في نومي، غير مسيطر على نفسي ولكني كنت مدركًا - تمامًا - لما يجري، وأتفقد كل أفراد عائلتي لأرى ما إذا كانوا على قيد الحياة.
وبمجرد أن تحققت من أحوالهم جميعًا نظرت للشباك يميني لأرى شجرة، تلك الشجرة الملعونة، وعليها ورقة كالعادة باسم لا يمكنني رؤيته.
استيقظت من نومي في الصباح دون حمى ولا حرارة ولكنني كنتُ أبكي، ركضتُ للمطبخ وأنا مرعوب لأجد أمي وأسألها عما إذا كان الجميع بخير، ينبغي علي أن أعتذر لأمي وعائلتي؛ لأنني أخيفهم دائما، هذه المرة لن أتكلم.
كانت أمي على طاولة المطبخ، تحاول كبت شهقاتها وهي تخبرني أن أحد أقربائنا توفي ابنه الصغير غرقا في المسبح.
لقد استغرق الأمر مني سنوات لأجد سلاما غير مستقر مع ما حدث، شعرتُ بالذنب، كما لو كان بإمكاني منع ذلك، كما لو كان بإمكاني إيقاف أي شيء منه، كان فقدان صديقي وأحد أقربائي أمرًا
مدمرا بالنسبة لي.
دعوت الله كل ليلة، كنتُ أقوم الليل وأبكي وأدعو الله أن يتوقف هذا البؤس وأن يرفع هذا البلاء عني، لقد عشت في ضيق وكدر بسبب إدراك الأقدار في الأحلام، هذا أمر حجبه الله عنا؛ لأننا لسنا بحمله يا بني آدم.
دعوت الله كل ليلة، وفعلا، لم أعد أرى الحلم مرة أخرى، شكرًا يا الله.
تمت
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا